كان بولس الرسول يدافع عن نفسه أمام الحاكم قائلا:فأنا أيضا أجاهد النفس لأكون أبدأ صافي الضمير عند االله وعند الناس(أعمال 24:16). من منا يتقبل قول الآخرين فيه:أنه بلا ضمير؟ من يرضي أن يمس شرفه أو يداس ضميره,ولو كان مقابل مال الدنيا؟ ما قيمة الإنسان بدون ضمير؟ كيف ستكون حياته؟ عندما كانت أمريكا مستعمرة إنجليزية بعث المندوب البريطاني إلي حاكمها بأوامر لا تناسب مصلحة البلاد, فاعترض ورفض ذلك فأراد أن يغريه بالمال, فأجاب الحاكم صاحب الضمير الحي:أنا فقير ومحتاج إلي المال, ولا يوجد أدني شك في ذلك ولكن ثروة ملك بريطانيا لا تكفي لشراء ضميري,ما أجمل هذه النفس النبيلة! لأن الضمير أقدس من أن يباع ويشتري حتي أن كنوز العالم بأسرها لا تساوي شيئا إزاء الضمير, إنه صوت الله في داخلنا ولكن النفوس الضعيفة فقط هي التي لا تقيم وزنا للضمير, حتي أنها في أتم الاستعداد لأن تخون ربها وتضر مصلحتها, والإنسان الذي يخون ضميره لا يتردد في خيانة أسرته وأصدقائه والآخرين ووطنه عندما تسمح له الفرصة, من يتابع أخبار الكوارث التي تحل بالبلاد من زلازل وبراكين وأعاصير وعيرها, يكتشف أصنافا من البشر في هذه اللحظات, فعندما تحل كارثة في منطقة ما وتتسبب في موت الكثيرين وتشريد من بقي علي قيد الحياة من سكانها,تدفع المتطوعين إلي الإسراع في تقديم يد المعونة ساعين إلي تدبير أماكن الإيواء للمنكوبين وتوفير الطعام والشراب والإسعافات الأولية لهم, لأن مثل هذه النكبات تلهب حماس أهل الخير الذين يتبرعون بكل ما لديهم لتقديم المساعدة, ولكن في الوقت ذاته نجد المستنفعين الذين يبحثون عن الثراء حتي وإن كان علي حساب المتضررين والمنكوبين,كما أنهم يسلبونهم حصتهم بالرغم من أن هذه المصائب لم تمسهم بأذي,ويوجد أيضا من يطالب بنصيبه وحقه من المعونة,حتي ولو كان في غني عنها, علاوة علي ذلك نجد آخرين بالرغم من تحسن ظروفهم وأحوالهم, لا يتنازلون عن طلب المزيد من المساعدة بحجة هذه الكوارث التي ألمت بهم, فهناك نفوس تتحلي بالضمير الحي والنقي ونبل الأخلاق والأمانة والقناعة, ولكن هناك للأسف نفوسا ضعيفة علي أتم الاستعداد في أن تبيع ضميرها من أجل مصلحة ما أو الوصول إلي النجاح بدون جهد وعرق, كم من أشخاص يلتجأون إلي الغش والخداع أثناء الامتحانات؟ كم من تجار يتلاعبون بالأسعار دون مراعاة فقير أو غني,لأن شاغلهم الأول هو الربح علي حساب الآخرين وتجريدهم مما يمتلكون؟كم من الإعلانات التي تخدع الناس حتي يتم ترويج أنواع من السلع السيئة؟ وكم من الرشاوي التي تسببت في أذي الشرفاء والمخلصين وجعلتهم محل اتهام؟ لكن الإنسان الشريف لا يقتدي بهذه التصرفات التي ينقصها الضمير والمروءة,ولكنه يتبع ضميره ويسمع صوته, مما لاشك فيه أن الله منح كل واحد منا ضميرا حيا ينبض ليساعده في تمييز الخير من الشر, حتي أنه ترك لنا الحرية الكاملة للاختيار والتعاون مع نعمته في سبيل خلق عالم أفضل, فإذا تحلينا بالضمير الحي سنحيا في سعادة ونعيم, ولكن إن بعنا ضميرنا سنجلب لأنفسنا وللآخرين الشقاء والبؤس,مما لاشك فيه أن الله خلقنا للسعادة,ولكن من يحيد عن الطريق الصحيح المؤدي إليها, سيضل ويشقي دائما,فالضمير هو صوت الله في داخلنا ويوبخنا علي كل ما يخالف الخير والفضيلة والأمانة والحق, كما أنه صدي بعيد لنصائح والدنيا اللذين لايهمهما إلا خيرنا وسعادتنا,ولا يكفا عن توصيتنا بملازمة الخير وتجنب الشر لنحظي ببركات الله في حياتنا, والضمير هو سيمونية نستمع فيها إلي ألحان الخير والفضيلة التي تعزفها آلات المربين والمعلمين وتخرج منها أرق النغمات وأعذب الألحان لإتباع سبل الخير والفضيلة, من فقد ضميره,لا يبقي له ما يفقده,وما من شيء في الدنيا يعوضه,من يستطيع أن يشعر بطعم الراحة أو السعادة عندما يبيع ضميره من أجل مصلحة ما؟ إن النمر يمزق فريسته ويلتهمها ثم يخلد للراحة, في حين أن الضمير القلق لا يعرف معني الراحة أو النوم, فالضمير هو عين الله علي الأرض لترعاها وتحنو علينا وتباركنا, ونختم بالقول المأثور:من حسنات الضمير أنه صوت داخلي لايسمعه إلا صاحبه.