وكان يعرف ضعف طبيعتنا
الله الذي خلق هذه الطبيعة, يعرف تماما ما هي, وماذا صار إليه مستواها بعد السقوط.. وفي أسبوع الآلام ظهرت ضعفات هذه الطبيعة البشرية.. واحتملها الرب في صمت.
وسوف لا أبدأ بظلم الأشرار, فإنه واضح للكل.. إنما أود أن أبدأ بالحديث عن ضعف الأبرار, الذين تخلوا عن معلمهم وسيدهم. وحبيبهم فاجتاز المعصرة وحده, وقال لهم تأتي ساعة وقد أتت الآن, تتفرقون فيها كل واحد إلي خاصته وتتركوني وحدي..
وقد كان. فعند القبض عليه, هرب التلاميذ, وتركوه.
وقبل القبض عليه, في بستان جثسيماني, كان مع الرب ثلاثة من أعمدة الكنيسة, ولكنهم تركوه يجاهد وحده, وكان عرقه ينزل كقطرات الدم. أما هم فلم يستطيعوا أن يسهروا معه ساعة واحدة! في أحرج الأوقات!
ومع ذلك فإن الرب العارف ضعف طبيعتنا, لم يعاتبهم, بل التمس لهم عذرا, وقال لهم الروح نشيط. أما الجسد فضعيف.
ولعل من أصعب العبارات في ضعف البشرية, قول الرب لتلاميذه:
كلكم تشكون في, في هذه الليلة (متي 26:31).
هوذا الشيطان طلبكم, لكي يغربلكم كالحنطة (لو 22:31).
إن كان الرسل يمكن أن يقعوا في الشك, وقد حدث ذلك فماذا إذن عن المؤمنين العاديين؟! وإن كان الشيطان يمكن أن يغربل أعمدة الكنيسة, فأي احتراس منه ينبغي أن يكون في كل قلب؟! وإن كان رسول عظيم كسمعان بطرس, يمكن أن ينكر المسيح أمام جارية, وأمام بعض الخدام, فهل يعوزنا دليل آخر علي ضعف الطبيعة البشرية؟!
بل ما أصعب دلالة العبارة التي قالها الرب للقديس بطرس:
طلبت من أجلك, لكي لا يفني إيمانك (لو 22:32).
إذن إنكار بطرس للمسيح كان أخف النتائج التي وصل إليها ضعفه!
لقد كانت هناك خطورة أكبر, وهي أن يفني إيمانه! لولا صلاة المسيح من أجله..
خطورة أن يفني إيمان هذا الرسول العظيم!! ابهتي أيتها السموات, واقشعري جدا أيتها الأرض…!
هذا هو ضعف الطبيعة البشرية, إن لم يسندها الرب .
وفي هذا قال داود النبي في المزمور لولا أن الرب كان معنا. لابتلعونا ونحن أحياء.. لهذا كان داود الذي يعرف ضعفه, يقول للرب اللهم باسمك خلصني اسندني فأخلص اللهم أسرع وأعني.
ولكن بطرس الرسول لم يقل هكذا بل وثق بنفسه.
ظن في نفسه أنه شيء ونسي ضعف طبيعته, ولم يقل للرب: إن كان الشيطان مزمعا أن يغربلنا, فأنقذني يارب.. وإن كنا جميعا سنتعرض لحروب الشك, فأنقذنا يارب من الشكوك, ولتقف نعمتك إلي جوارنا لكي لا نهلك.
لم يقل بطرس هكذا, وإنما قال في ثقة بنفسه, وفي ثقة بمحبته للرب وإن شك الجميع. فأنا لا أشك ولو اضطررت أن أموت معك (مر 14:29 31).
وهكذا قال أيضا باقي الرسل..!
مشكلة الطبيعة البشرية في ضعفها أنها لا تعترف بهذا الضعف.
بل تظن أنها تستطيع وقد تعد وتنذر بأشياء ربما تكون فوق مستوي قدرتها. وقد ترتئي فوق ما ينبغي!
إن بطرس لم يظن فقط أنه قوي, بل ظن أيضا أنه أقوي من الكل, فقال وإن شك الجميع فأنا لا أشك لذلك وبخه الرب في هدوء, حينما قال له بعد القيامة ياسمعان بن يونا, أتحبني أكثر من هؤلاء؟! (يو21:15).
إن الذي يعرف ضعف طبيعته, يتواضع..
مثلما فعل القديس أنطونيوس في حروب الشياطين له.. قال لهم: يا أقوياء, ماذا تريدون مني أنا الضعيف؟! أنا أضعف من أن أقاتل أصغركم… واحد منكم يكفيني..
أنقذني يارب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء.. وأنا تراب ورماد.. فكان يغلبهم بهذا الاتضاع..
والذي يعرف ضعف طبيعته, يسلك أيضا بحرص.
يحترس حتي من أضعف الخطايا وأتفهها.. من الخطايا التي يظن أنها لا تحارب سوي المبتدئين!! عالما أن الخطية طرحت كثيرين جرحي. وكل قتلاها أقوياء (أم 7: 26). لذلك هو يسير زمان غربته بخوف (1بط1: 17), منصتا إلي قول الرسول من هو قائم, فلينظر لئلا يسقط (1كو 10:12).