منذ أيام رحل عنا الاستاذ محفوظ دوس.. ظللت سنوات عديدة أتابع تغطياته الانفرادية مع نجوم هوليود وأتساءل من هو هذا المراسل الفنى لجريدة وطنى لمدة تزيد عن نصف قرن
وأتأمل هذا الرجل وأتابعه عن بعد.. وتمنيت أن نتقابل في يوما ما، فوجدته عميد الجالية المصرية و أحد مؤسسى ورئيس جائزة جولدن جلوب العالمية وعضو ورئيس لرابطة الصحافة الأجنبية في هوليوود HFPA وكان له دورا كبيرا فى إنشاء وقيادة النادى الفرعونى فى لوس انجلوس وله دور كبير فى تعضيد الدراسات القبطية فى جامعة كليرمونت للدراسات العليا.
الأستاذ محفوظ دوس بالرغم من شهرته ونجاحاته الكثيره فى هوليود ولكن عند مقابلته تجد ابتسامته البريئه وتواضعه الشديد الذى يشعرك بها انه صديق لك منذ زمن طويل بالإضافة إلى حبه لمصر وللكنيسة القبطية.
كنت محظوظا حيث تقابلت معه في زيارتى الأخيرة لأمريكا بولاية كاليفورنيا في لوس أنجلوس عام 2018 ودارت بيننا حوارات مطوله وهو يصطحبنى بسيارته ليرينى معالم أمريكا رغم تقدمه في السن ..وظل يسرد لى حكايته وعشقه لمصر وحبه للمصريين.. الاستاذ محفوظ دوس قصة نجاح مشرفه لمصرى أصيل ورجلا ذو قلبأ كبيرا مليئ بالحب لكل من يقابله، فكان شيخ للمراسلين وعميدا للجالية المصرية ومراسل هوليود الأول في مصر.
هذا الحوار كان معه ليأتى اليوم ليشهد له عن مشوار ملئ بالعطاء…
ما هو تاريخ المهندس الكيميائي محفوظ دوس في مصر وخارج مصر
درست الهندسة الكيميائية في جامعة تولوز بفرنسا، وتخرجت منها، ولما عدت إلى مصر عام 1951م بنيت أول مصنع كيماوي لإنتاج “النفثالين ” في مدينة مسطرد، وهذا المصنع كان على بعد 150 متر من كنيسة العذراء الأثرية بمسطرد.
ومرت الأيام وهاجرت عام 1959م إلى الولايات المتحدة وكان الوضع صعب لأن عدد المصريين في لوس أنجلوس حين ذاك لم يتعدى العشر أسر.
واشتغلت كمهندس كيماوي في شركة أمريكية براتب 450 دولار في الشهر، ثم غيرت انتقلت لشركة أخرى اسمها هاند بروسيس Hand Process براتب أكبر 650 دولار في الشهر وعملت هناك في معمل أبحاث إلى أن أصبحت رئيسه وقمت بالكثير من الأبحاث، إلى أن واجهني زميلي أمريكاني أن العمل لا يتحمل وجودي معه وطلب مني أن اترك العمل، وكانت فترة صعبة جدا حيث كنت موظف بدون عمل، إلى أن جاء يوم قابلت مدير الشركة ووضح لي أن كل إنتاجهم يتم رفضه من القوات العسكرية لعدم مطابقته للمواصفات الخاصة بهم، وعطاني مهلة شهر إما أحل هذه المشكلة أو أترك العمل.
وقبلت هذا التحدي وبدأت أقوم بأبحاثي وأحسب معادلاتي الكيماوية لكي أقوم بانتاج المواد لكي يتم مقارنتها بالمواصفات المطلوبة. وسط حذر شديد من زميلي الذي يعتبرني منافس له ومهدد لمستقبله. وبعد شهر كتبت تقرير نتيجة أبحاثي ومن خلال دراستي للوضع وضعت يدي على الأخطاء وقدمت 17 معادلة تم قبولهم كلهم من القوات العسكرية. وبعدها كنت على إتصال دائم مع المروجين والبياعين في الأسواق وكنت أعرف منهم المشكلات التي تواجههم وبذلك كنت أحاول حلها من المنبع من خلال عملي.
ثم توجهت بعملي للتعامل مع مادة الإيبوكسي، وفي عام 1973 بجزيرة جوام التي تشتهر بجو حار ورطب، وبها قاعدة حربية، وطلبوا مني تغيير خرسانة في طريق طوله 6 مايل لأن الخرسانة الموجودة أصبحت غير صالحة. فطلبت منهم مهلة شهر ورجعت إلى الشركة وبدأت أعمل أول إيبوكسي يستخدم بالرش، وتم تجربة الإيبوكسي فوق جزء من الخرسانة القديمة الهشة في الموقع، وبعد يومين طلبت منهم دق مسمار بشاكوش في الموقع التجريبي فنجحت تجربتي وبدل أن يتم استبدال خرسانة 6 مايل بمصاريف باهظة استخدمت رش الإيبوكسي الذي رجع الخرسانة صلبة وقوية.
وفي عام 1974م قررت الشركة أن تنشر كل هذه الأبحاث والاختراعات لكي تزيد من شهرتهم ومبيعاتهم، فبدأت من اليابان في طوكيو، والصين وتايلاند وهونكونج وفي أوروبا والدول العربية ألقي محاضرات عن الاختراعات التي توصلنا إليها، ومن خلال هذه السفريان استطعت جلب طلبيات لمنتجاتنا من الهند بنصف مليون دولار.
وتمت ترقيتي إلى وظيفة نائب رئيس المبيعات، ومن هنا بدأت أعلم الموظفين في قسم المبيعات معلومات عن المواد التي يبيعونها في الأسواق، وما هي المواد الموجودة في السوق من المنافسين وما عيوب المواد لدى المنافسين. حتى يكون لهم دراية بالسوق كاملاً، ويعرفون الإيجابيات والسلبيات في منتجاتنا ومنتجات الغير، ومن هنا زادت مبيعاتنا بشكل كبير. وكان لنا رواج كبير في هاواي ودارت الأيام وأصبحنا محتكرين السوق بالكامل.
وبعد فترة تم بيع الشركة لشابين في سن الأربعينات وكلفوا صديق لهم بإدارة الشركة، فاعترضت على هذا الوضع وطالبت بأحقيتي لإدارة الشركة ولما تم مراوغتي تركت العمل في هذه الشركة التي كبرت وكبرت أنا فيها. ولأني كنت معروف في سوق شركات المواد الأولية، شركتين من المنافسين قدموا لي عروض برئاسة شركاتهم، لكنني بدأت شركتي الخاصة ونجحت وربنا ساعدني وبنيت مصانع في السعودية وفي الكويت والعراق أيضا، وبدأت أصدر لدول الشرق الأوسط وأخذت توكيلات خاصة.
وفي يوم من الأيام عام 1978م تلقيت اتصال من مانستر بانجلترا طالبين استشارتي في مشكلة لدى شركة من الشركات هناك، فذهبت لأجد أنهم قاموا بتجهيز فيلا لإقامتي هناك أنا وزوجتي، ووفروا لي سيارة لتنقلاتي، وأينما كنت أذهب لمصنعهم للعمل كانوا يحتفون بي. وبعد حل مشكلتهم الانتاجية ووفرت لهم مئة ألف دولار في مصاريف الانتاج سنوياً. وفي أخر مهمتي تمت دعوتي في البرلمان البريطاني وقابلت لوردات أعضاء برلمانيين هناك، وزرنا القاعة التي تقام فيها الجلسات.
ودامت على العمل الشاق والسفريات في كل أنحاء العالم سنوياً حتى وصلت إلى سن التقاعد، فتركت كل عملي ماعدا الصحافة.
وماذا عن مهنة الصحافة؟ وكيف بدأت؟
بدأت أكتب في الأهرام الاقتصادي الذي كان يصدر شهرياً مقالات عن تصنيع مصر باستخدام المواد الأولية الموجودة في البلد، وهذا كان أول مشواري في الصحافة عندما كنت في مصر.
وبعد الهجرة والعمل في مجال الهندسة الكيميائية، في وقت شبابي وأثناء العمل الشاق وسط أبحاثي كنت في وقت فراغي أحب أن أشاهد الأفلام لترفيه عن نفسي، فتحولت مشاهدة الأفلام لدي إلى حب وعشق.
ومرت الأيام واتصلت بالأستاذ أنطون سيدهم مؤسس جريدة وطني وعرضت عليه أن أرسل له مقالات عن الفن وأهل الفن للنشر بجريدة وطني، وهو كان مرحباً بالفكرة وأرسل لي جواباً رسمياً للكتابة في هذا المجال كمراسل من الولايات المتحدة.
ومن هنا بدأت أكتب عن السينما والممثلين وأهل الفن والمخرجين والمنتجين، وبالطبع اشتركت كعضو عامل لجمعية المراسلين الأجانب بهوليوود Hollywood foreign Press Association عام 1959م وكان لي نشاط كبير في الجمعية وانتخبت عضو مجلس إدارة عدة مرات وتدرجت في مسئولياتي كنائب رئيس مجلس إدارة عدة مرات إلى أن وصلت لمنصب رئيس مجلس إدارة لهذه الجمعية.
وفي عام 2000 قدمت جائزة الجولدن جلوب Golden Globe Award على التليفزيون وظهرت أمام العالم كله وأنا أتكلم باللغة القبطية.. وكتب عني في الصحف أن الشخص الذي كان يقدم الممثلين كان يتحدث باللغة القبطية أثناء تقديمهم وتعجب الكثيرين من هذه الخطوة.
ذكريات مع الفنانين الدوليين وجولدن جلوب
إني أفتخر أن أقول إني تقابلت مع كل الممثلين الأمريكان والكثير من الممثلين الأجانب ولدي أكثر من 5 ألاف صورة مع الممثلين من أول جريجوري بيك وألفرد هدجكووك (أيام الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي) لغاية الممثلين الحاليين منهم ميريل ستريب وتوم كروز وتوم هانكس وريتا هوارس وأنت بينينج .. وبذلك فقد عاصرت أجيال من الممثلين الذين برعوا في مجال التمثيل.
وأتذكر وقت مقابلتي بتوم كروز، قال لي أنه يحب أن يأخذ أولاده لما يكبروا في السن لزيارة مصر حتى تكون بمثابة زيارة ثقافية تعليمية لأولاده.
وأما عن ميريل ستريب، فقد قابلتها أول مرة عندما كانت ممثلة مبتدئة وقالت لي أنها كانت تسكن في المقاطعة الصينية في نيويورك وانها كانت الوحيدة الغير الصينية التي كانت تعيش في هذا المكان، أما الأن فهي الأن مشهورة جدا وتعيش في قصر وحياتها تغيرت تماما، ولديها إبنة “جلامور” ممثلة أيضا ولها عدة أفلام
وتقابلت مع مارلين مونرو عندما كانت في قمة شهرتها، وقابلت روك هادسون بعد عشرين سنة من عمله كممثل.. وأنا أذكر هؤلاء الممثلين لأنهم كانوا رواد للأفلام السينمائية في العالم.
عندما كنت في مصر شاهدت أكثر من رواية لممثلة اسمها جلير جارسون، وكنت معجب بها جدا وعملت معها حوار وقت وصولي لأمريكا. ولا أنسى مايكل داجلاس أيضا حيث بدأ بمسلسلات تليفزيونية ثم بدأ يمثل في أفلام واشتهر، وكان دائما كلما رأني يرحب بي بالعربي.
وباربرا سترايساند تعتبر مغنية من الدرجة الأولى وتقابلت معها في بدايتها واليوم عملت أكثر من فيلم غنائي وسافرت حول العالم لإقامة حفلات غنائية، وأقامت حفلة في بيتها وكانت التذكرة بأكثر من عشرة ألاف دولار من أجل مساعدة الجمعيات الخيرية. وكانت تضئ شمعة للرئيس أنور السادات تكريماً له على مجهوداته في السعي للسلام.
لم أكتفي بمقابلاتي وحواراتي مع الممثلين فقط بل كان لي مقابلات مع المخرج والمنتج ألفرد هيدجكووك، والذي كانت أفلامه دائما تدور حول الجرائم وحلها، وكان فيها شئ من الدراما، وكان شخصية جبارة جدا برغم قصر طوله الملحوظ. ومن ضمن المخرجين والمنتجين المشهورين المعاصرين الأن، ستيفن سبيلبرج والذي عمل عدة أفلام مشهورة، إنني افتخر أنني عاصرت أجيال متعاقبة من هؤلاء النوابغ.
وخلال عملي بالقرب من هؤلاء لاحظت أن رؤساء الاستوديوهات يتحكمون في كل شئ وكان لديهم قدر كبير من الدكتاتورية في استوديوهاتهم وعلى الممثلين، ومن القصص اللطيفة أن من ضمن هؤلاء الرؤساء كان جاك وارنر رئيس ستوديوهات وارنر برازرز وكان قد رفض اختيار جولي أندروز في فيلم غنائي، وتدور الأيام وتفوز جولي أندروز بفيلمها الغنائي “ساوند أوف ميوزيك” في الجولدن جلوب، وإذ بها تتسلم جائزتها وتوجه له الشكر أنه رفض اختيارها لأن بفضل ذلك فتح لها هذه الفرصة وها هي تتسلم جائزة تميزها.
تاريخك مع جائزة الجولدن جلوب؟
الجولدن جلوب هي جائزة تقدمها جمعية المراسلين الأجانب Hollywood foreign Press Association مرة كل عام، لأحسن ممثل وممثله لأعمال الدراما وأحسن ممثل وممثلة عن الأعمال الكوميدية وأحسن منتج وأحسن ممثل ثانوي وأحسن أغنية وأحسن فيلم لغة غير إنجليزية لأننا نحب أن نرى أفلام من دول وثقافات أخرى.
واشترك معنا عمر الشريف بأول فيلم في الجولدن جلوب بعنوان “لورانس أوف أريبيا” وقابلته وقتها وبعدها تقدم بأفلام أخرى مع ممثلين وممثلات كثيرين منهم باربارا ستراساند.
ماذا عن جائزة أوسكار والفرق بين الجوائز المختلفة؟
هناك جوائز فنية متعددة، ولكن الجائزة الأولى في الأهمية تعتبر الأوسكار، وتتولى تقديمها الموشن بيكتور أسوسيشن الأمريكية The Motion Picture Association of America وهذه الجمعية بها حوالي 5000 عضو من الممثلين وتركز على الأفلام فقط، لذا يشترك كل الأعضاء في انتخاب أحسن ممثلين وأحسن ممثلة وأحسن منتج وأحسن مخرج وأحسن فيلم وأحسن قصة والكثير من التصنيفات التفصيلية.
أما الفرق بين أوسكار والجولدن جلوب هو أن جائزة الأوسكار تركز على الأفلام فقط أما الجولد جلوب تنقسم إلى قسمين: قسم لتقييم الأفلام وقسم لتقييم أعمال التليفزيون، فالجولدن جلوب لديها 14 جائزة عن الأفلام و11 جائزة تقدم للتليفزيون. وهناك جائزة أخرى دولية إسمها الإيمي تنصب فقط على تقييم الأعمال التليفزيونية.
وتمتاز أيضا الجولدن جلوب في أنها تفرق بين الأفلام الدرامية والأفلام الكوميدية والأفلام الغنائية
وتقدم جوائز لممثلين كل نوع منهم على حدى.
وإذا قارننا قيمة الجوائز، نجد جوائز الأوسكار قد تصل إلى 150 مليون دولار في الحفل الواحد، أما الجولدن جلوب قد تصل إلى حوالي 90 مليون دولار في الليلة الواحدة..
وبدأت الجولدن جلوب أن يكون لها شعبية كبيرة ونمت روح التنافس بينهما فبعد أن كان الحفل الذي تقيمه الأوسكار في أواخر مارس أو أوئل إبريل والجولدن جلوب تقيم حفلها في النصف الأول من يناير من كل عام، وبسبب وجود حفل الجولدن جلوب أولا كانت أحيانا تتكرر التقييمات والجوائز وكأن حفل الأوسكار بمثابة الإعادة لحفل الجولدن، ولذا قرروا عمل تقييمات جديدة وتوسيع دائرة التقييمات حتى يكون هناك جذب مختلف، فمثلا غيروا عدد الأفلام المرشحة للفوز من خمسة إلى تسعة.
أول مرة حضرت الأوسكار كان عام 1960م، وكانت أول حفلة مبهرة خاصة أنها كانت بعد وقت بسيط من قدومي إلى أمريكا، فرأيت على أرض الواقع ما كنت أشاهده من خلال التليفزيون، واستمتعت بالحضور أكثر من مرة ، واحتفالات الأوسكار كانت تتم في أماكن وقاعات مختلفة كل سنة، منها في سانتا مونيكا وبلوس انجلوس حتى قامت شركة كوداك ببناء مسرح كبير بمدينة هوليوود وابرمت اتفاقية بين الشركة ومؤسسة الموشن بيكتور أسوسيشن الأمريكية The Motion Picture Association of America على أن ينفرد الأوسكار في عروضه على هذا المسرح دون باقي المؤسسات أو الجمعيات موزعي الجوائز. وبعد ذلك تم بيع هذا المسرح لشركة دولبي لتكنولوجيا الصوتيات، واستمر الأوسكار في عمل حفلاته هناك.
هل السياسة والمال أثروا في الفن من خلال متابعتك؟
بالطبع، الغرض الأساسي من عمل الأفلام هو كسب الأموال، ومع أشد الأسف الأفلام التي يرد فيها القتل والعنف أوالأفلام التي تتناول الإثارة هي التي تخاطب الأسواق أكثر من الأفلام العاطفية.
وإلى يومنا هذا، نجد الأفلام الأوروبية أو الدول الأخرى بعيدا عن أمريكا تتناول الموضوعات العاطفية والتعبير عن المشاعر الإنسانية النقية، أما في أمريكا تنتشر أفكار العنف وتسيطر على الأسواق، والغريب أن تصديرها خارج أمريكا يلقى رواج لأنها تكون أفلام غريبة عن الأفلام التي تقدم في بلادهم فيكون هناك تكالب على مشاهدتها.
فنجد الستة أفلام الخاصة ب”ميشون إمبوسيبل” Mission Impossible حققوا 2 مليار و800 مليون دولار ولكن أحب أوضح أن الأفلام الموسيقية أخيرا أصبح لها رواج ولها دخل جيد مثل فيلم “ماما ميا” الذي تم عرضه مؤخراً، فقد حقق 600 مليون دولار.
رؤساء الاستوديوهات، كل منهم يتعامل على الأقل باثنين أو ثلاثة مليار سنوياً، وبالتالي اختيار فكرة الأفلام يجب أن تضمن تغطية هذا بعائد مناسب لتغطية مصاريفهم. وللأسف أفلام العنف والقتل والإرهاب والإغتصاب تجلب أعلى مشاهدة وأعلى عائد مادي.
ظهور الأفلام التجارية التي أدت إلى تدني الأخلاقيات، هل هذا موجود بالفعل؟ وهل هذا موجود في أغلب الأفلام حول العالم؟
الهدف الأول أن الفيلم يحقق نجاح ويحقق عائد مادي جيد حتى يكسب المنتج، ومع الأسف يتم التركيز على تقديم للمشاهد ما يستهويه من ثقافة أو يقدمون له المناخ والبيئة التي تروق إليه لكي يشاهد الأفلام. لو زادت موجة الإجرام في أي بلد تظهر في أفلامهم حالات الإجرام لتخاطب المواطن بما يشعر من حوله، وهناك مخرج مشهور إسمه “سبايك لي” وهو من أكثر المخرجين الذين يقدمون أفلام عن السود وعن البيئة التي يعيشون فيها ومرة عمل فيلم أظهر أن بعضهم يتاجرون بالمخدرات، فسألته في حواري معه ماذا تقول لواحد يقف نص يوم في الشارع ويتاجر ويكسب في اليوم ألف دولار بدل أن يعمل في أي مكان أخر ب 15 دولار في الساعة؟ فرد علي أنه لا يمكن أن يتكلم مع هذا التاجر لكنني عارضته، حيث أننا ممكن أن نشرح لهذا التاجر أن وقوفه نص يوم في الشارع وتحقق هذا المكسب الكبير لن يدوم أكثر من شهرين أو ثلاثة لأن العصابات التي تتاجر في المخدرات ستستحوذ على المنطقة الخاصة بك لكي تستأثر بالمكسب لنفسها وستقوم بقتلك لأنك تهدد مكسبها، أما إذا عملت بمبلغ قليل في الساعة عندك أمل أنك ستعيش في أمان بدون تهديد هؤلاء العصابات. لذا تأثير البيئة من حولنا عليه معول كبير، وحتى الصحف معظمها يقدم أخبار الحوادث والقتل والإجرام وهذا ما يعكسه المجتمع للإثارة.
قديماً كان عقاب السارق يصل إلى حد القتل، والأن نجد قاتل أسرة كاملة يتم سجنه سنوات قليلة، ولهذا وصلنا إلى تدني الأخلاق بشكل كبير.
كيف ترى قداسة البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة الأرثوذكسية الحالي؟ ومدى اهتمامه بأقباط المهجر؟
ما لمسته من أعمال وأقوال قداسة البابا تواضروس الثاني، أنه هدية من الله للكنيسة القبطية الأرثوذكسية.
في الحقيقة أحب لو رجعت بالتاريخ بعض سنوات، عندما كان الأنبا باخوميوس قائم مقام على مهام الكنيسة بين الباباوين، كان رجلاً فريد من نوعه أيضا لأنه تولى أمور الكنيسة في وقت صعب جدا – وقت حكم الأخوان المسلمين للبلاد – وكان عليه مأمورية كبيرة أن يوصل الكنيسة للأمان بحكمة شديدة. وألية انتخاب البابا الجديد والنظام أعطى درساً للعالم كله كيف تصرف وكيف تم كل العمل بنظام ودقة شديدة حتى أعلن الله عن اختياره لبابا الكنيسة.
لن أنسى مشاهدتي للتليفزيون وقت رسامة البابا تواضروس الثاني بابا للكنيسة، وكان يجلس بكل خشوع وتواضع والمنديل بيديه ويبكي..
ومن ضمن أقوال البابا تواضروس أن إصلاحات الكنيسة يجب أن تكون من الداخل، أيضا اهتمامه بالكنائس الأرثوذكسية والكنائس المسيحية الأخرى وسعيه لخطوات وحدة الكنائس إضافة كبيرة في الحياة المسيحية. أتذكر أن قداسة البابا شنودة الثالث كان يحاول السعى للوحدة لكن أرى أن خطوات البابا تواضروس الثاني في هذا الصدد أقوى وأوضح وأدعو الله أن يوفقه في هذه الخطوات. ومحاولته مع البابا فرنسيس الأول لتقارب وجهات النظر وإيجاد نقاط تلاقي بين الكنيستين خطوة رائدة، واستجابة البابا فرنسيس نفسه لهذه اليد الممدودة نهضة في حد ذاتها في الكنيسة الكاثوليكية، وكأن الله سمح بوجودهما معا في نفس الحقبة الزمنية لتحقيق أولى خطوات الوحدة المسيحية.
أيضا أرى حكمة البابا تواضروس في التعامل مع الحكومة ومع رئاسة الجمهورية، وكيف عرف أن يوجد محبة بينهم وبين الكنيسة، هذا يعتبر عمل فريد في نوعه وعمل لصالح الأقباط ولصالح مصر كلها – أقباط ومسلمين.
ولمست فيه أيضا روح وطنية كبيرة وأنا هنا بعيد في أمريكا، فما بالك من يعيشون حوله، فهو منارة لكل رعيته لأنه بابا وطني مصري قبطي.
وماذا عن عملك العام وتراثك القبطي؟
في عام 1952م كنت عضو في جمعية البر والإحسان القبطية بمصر الجديدة وخدمت فيها حتى جاءت هجرتي لأمريكا عام 1959م
وفي عام 1959م تم انتخابي في مجلس الجمعية لاخيرية القبطية الكبرى التي خدم فيها جدي مدة 40 سنة.
وتقدمت لأعمال تطوعية كثيرة في مصر وفي أمريكا من خلال مؤسسات وجمعيات خيرية لخدمة المجتمعات المحيطة. وكنت بمجلس إدارة كنيسة سان مارك القبطية في لوس أنجلوس وكنيسة القديسين بطرس وبولس القبطية في سانتا مونيكا بكاليفورنيا.
وكذلك وصلت إلى منصب نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية الوطنية للعرب الأمريكان بلوس أنجلوس.
تناولنا حياتك المهنية وخبراتك الابداعية في مجالات متعددة.. ماذا عن نشئتك منذ الصغر وكيف أثرت في حياتك المستقبلية؟
أبي تزوج وهو طالب في كلية الطب بفرنسا، وتعرف على والدتي وقت خطوبة أخوه على أختها، وقرر الزواج منها، وبعد أن تزوج عاد إلى فرنسا ليستكمل دراسته في كلية الطب، وحبلت أمي وهي في باريس لكنها كانت تفضل أن تكون وسط أهلها أثناء الولادة، ولصعوبة المواصلات وقتها من قطارات وبابور البحر كانت المدة السفر طويلة جدا والاتصالات صعبة جدا. فقرر أبي أن يقطع جزء من المسافة مع والدتي وتمت ولادتي في بورسعيد في 18 أغسطس عام 1925م وتم إيجار بيت في بورسعيد لنعيش هناك فترة، وولدت على يد الدكتور نجيب محفوظ باشا وسميت محفوظ على إسمه.
ونشأت بعدها في منطقة مصر الجديدة بالقاهرة، وجدي والد والدتي كان اسمه جرجس أنطون باشا وكان صديق حميم للخديوي عباس الثاني الذي تم نفيه ووقتها كان هناك الاحتلال الانجليزي في قوته العظمى. وكان جدي أول وكيل عام لمصلحة السكة الحديد مصري، وعمل بها سنوات طويلة.
وكان له أربع بنات وولد، وكنا نعيش أنا ووالدتي مع جدي، وكنت أنا أعيش مع جدي في جناح من البيت لأنه كان بيت كبير. وباستمرار يجمع أولاده وأحفاده يوم الأحد من كل أسبوع وكانت عائلة مرتبطة جداً، وخالي أنطون جرجس أنطون كان أصغر واحد سناً يدخل البرلمان، وكان من أعضاء الوفد المشهورين وكان محامياً وكان له ثلاث مساعدين له وهؤلاء الثلاثة أصبحوا وزراء في الحكومة لاحقاً. وكان له دور كبير في ثورة 1919م التي تزعمها سعد باشا زغلول.
أتذكر أن أهلي كانوا دائما حريصون على تواجدنا ونحن صغار سناً لمقابلة أي ضيف، وكان عمري 7 سنوات عندما زارتنا أم المصريين – زوجة سعد باشا زغلول – فدخلت عليها وسألتها ببساطة طفل هو حضرتك أم المصريين فردت وقالت نعم، فسألتها كيف ولدت كل هؤلاء.. فشرحت لي ببساطة وكانت كلما تزور أهلي تمتحني فيما كانت تشرحه لي.
ومن ضمن الناس الذين كان لي حظ كبير في مقابلتهم وأنا صغير، كان الأنبا يؤانس (19) وكان يزورنا البيت كثيرا وكان يعز الأطفال في أسرتنا قبل الكبار.
وببراءة الأطفال كلما زارنا وزير في بيتنا، كنت اعتقد أن وظيفة الوزير هي زيارة الناس والسؤال عليهم ويتحرك من بيت إلى بيت، حتى كبرت وأدركت وعرفت.
ومن ضمن الشخصيات العامة الذين تقابلت معهم في مصر، الامبراطور هيلا سيلاسي، عام 1935 مكث مدة في القاهرة قبل ذهابه إلى انجلترا، وأتذكر أن بعد الحرب العالمية الثانية الامبراطور الوحيد الذي عاد إلى مملكته هو هيلا سيلاسي، وكل من طردوا لم يعودوا مرة أخرى.
كل واحد يحمل إسم دوس من عمامي وأبويا وأولاد عمامي وأخويا، كلهم اتولدوا في بيت واحد في بيت العائلة في الضاهر.. أنا الوحيد ولدت في بورسعيد.
وكنا نعيش في مصر الجديدة والتحقت بمدرسة الفرير في شارع كليوباترا، ثم ذهبت إلى مدرسة الليسيه عام 1937م وتخرجت منها بالتوجيهية ثم دخلت كلية الحقوق بالقاهرة عام 1943م، لكن لم تروق لي وسط مناخ مظاهرات، فالتحقت بكلية الطب من جامعة بوبلييه في فرنسا وكان لها فرع بالقاهرة عام 1945م وهناك استهواني فكرة القنبلة الذرية التي اطلقت على هيروشيما فانجذبت لفكرة دراسة الذرة والكيمياء فقررت إني اسافر فرنسا والتحق بجامعة تولوز وأدرس كيمياء صناعية، وأخذت شهادة مهندس كيماوي وماجيستير في الكيمياء العضوية وهي كيمياء الكربون.
أيام دراستي في فرنسا كنت شاب متعطش للتعليم، وإلى الأن أحب القراءة وأواظب على القراءة أربع ساعات يومياً من قراءت علمية..
كيف كانت علاقتك بأسرتك الصغيرة وأسرتك الأكبر؟
كان لي أخ أصغر مني بثلاث سنوات إسمه جورج، وهو تزوج ولديه ابنتين وحفيدة جميلة وموهوبة في مجالات متعددة ودائما تدهشني بمدى معرفتها وقدرتها وهي في السابعة من عمرها.
أما والدتي وأخواتها كانوا متقربين من بعض، وبالتالي كنت أنا وأولاد خالاتي كالأخوات، ولا أنسى أولاد عمي وبنات عمي وكنت دائما مواظب على رؤيتهم.
ولا أنسى أنبا كيرلس الخامس الذي كان يحب جدي، وهو الذي نصح الجمعية الخيرية القبطية الكبرى ليلتحق جدي ويكون معهم لخبراته الكبيرة في العمل. وعندما توفي جدي عام 1947م فتحت مكتبه وفرزت الأوراق فوقع في يدي جواب من زيوار باشا يقول فيه أنه يقترح عليه أن يكون وزيرا بوزارة جديدة للمواصلات وتضم مصلحة السكة الحديد والتليفونات والتلغرافات. أما الجواب الثاني فكان من نفس الشخص وقال له فيه أنه عندما عرضنا إسمك على الملك فؤاد رفض بشدة. لأنه كان بين جدي والملك فؤاد حزازات حتى عندما جاء جدي رئيساً للجمعية القبطية الكبرى والتي قامت ببناء المستشفى القبطي بشارع رمسيس (شارع الملكة ناظلي سابقا وشارع الملك سابقا) قال له الملك فؤاد أن يسميها مستشفى فاروق وأعطيك الباشوية، ولكن جدي رفض وقال له المستشفى القبطي تمت بسبب تبرعات الأقباط وستسمى المستشفى القبطي، أما الباشوية فأنا لا تميزني بشئ.. وبعد مرور وقت أخذ جدي لقب الباشوية لأن البرنس محمد علي الذي كان ولي عهد وأخو الخديوي عباس الثاني، فبعد وفاة الملك فؤاد وقبل وجود الملك فاروق كان هناك مجلس الوصاية الذي أعطى اللقب الباشوية لجدي. وكان كل مرة جدي يسافر أوروبا يزور الجديوي عباس الثاني، وأتذكر يوما تلقيت مكالمة تليفونية من الديوان الملكي لإبلاغ جدي بوفاة الخديوي عباس الثاني، لمعرفتهم أنه كان من أعز أصدقاؤه. وأن الملك فاروق يتقبل العزاء، بالطبع جدي كان في العزاء.
ماذا عن حياتك الخاصة وكيف تعرفت على زوجتك؟
عندما وصلت أمريكا كان تعداد المصريين ومتحدثي اللغة العربية قليلون جدا، وكذلك كان قليلون يتحدثون أي لغة غير الإنجليزية، أما أنا فقد تخرجت من مدرسة وجامعة فرنسية فكنت أتحدث الفرنسية بطلاقة..
وفي يوم كنت أسير في شارع هوليوود وسمعت سيدتين يتكلمان باللغة الفرنسية وهذا كان نادراً، فبدأت بالتحدث إليهما بالفرنسية ونمت صداقة بيننا وبأزواجهم وكنت أزورهم في بيوتهم، وفي يوم دلوني على مركز الثقافة الفرنسي بلوس انجلوس، فرحبت بزيارة المركز وهناك وجدت كتاب للزوار لتدوين البيانات الشخصية فكتبت بياناتي، وبعدها تلقيت تليفون من رجل إسمه جورج دعاني لحفل في بيته وسط أسرته، وهناك قابلت حوالي 30 شخص، وكانت والدته قد أعدت أكلات فلسطينية ومصرية، وزوجته الفرنسية عزفت لنا على البيانو، وتوطدت علاقتنا وأنضم معي في جمعية الصحفيين الأجانب، وتدرج في أعمال كثيرة حتى أصبح مصوراً بالتليفزيون الأمريكي وكان له شعبية كبيرة بين الممثلين وكسب 8 جوائز من “الإيمي” عن أعماله كأحسن مصور تليفزيوني في التليفزيون.
وفي مرة من حفلات العشاء التي كان يقيمها في بيته تقابلت مع “جولييت” إبنة عمته، وطلبت منها أننا نخرج لنتعرف على بعض، فقالت أن والدها لن يقبل خروجنا سوياً، وهو رجل فلسطيني متشدد، ولكن والدتي ربما تسمح لنا، وفي أول مرة خرجنا للعشاء كنا في مطعم إسمه “بيسز أوف أيت” Pieces of eight وأتذكر أني طلبت يومها أطباق اللحوم سواها بسيط “بدمهم” فاعترضت على طلبي وقالت أنها تفضل اللحوم مستوي جيد جدا. لكنني أصريت على طلبي وقلت لها أن تجرب وتتذوق وإن لم يروق لها يمكن إعادة تسوية اللحوم أكثر، وفي النهاية عجبها اختياري!
وبعد شهرين تمت خطوبتنا وتزوجنا بكنيسة مارمرقس على يد أبونا تادرس يعقوب ملطي في 16 يناير عام 1971م، ومازال له محبة خاصة في قلوبنا.
ومن ضمن تخوفاتي من الزواج أنني كنت رجلاً منظماً جدا وأحب أن يكون كل شئ في مكانه، وكنت أخاف أن تكون زوجتي غير منظمة، لكنها طلعت منظمة جدا في كل شئ وتحب كل شئ يكون في محله بالمللي..
زوجتي جولييت سيدة متدينة وتحب الكنيسة ولها نشاط كبير في الكنيسة ومسئولة عن مطبخ الكنيسة لاعداد وجبات ليوم الأحد من كل أسبوع. وفي وقت عيد الميلاد وعيد القيامة تعمل كحك وغريبة وبسكويت وتعرضهم للبيع.
في الحقيقة لم أخطط أن يكون لي أولاد وهي لم تعارضني وقت ما صارحتها بهذه الحقيقة، وربنا أيضا لم يرزقنا بأولاد فتقبلنا إرادته بصدر رحب.
ومرت السنوات ومضينا أيام سعيدة سوياً وزرنا أماكن كثيرة في العالم سوياً واستمتعنا بحياتنا معا سنوات طويلة وكانت خليلتي في الدنيا..
وسط كل رحلاتك حول العالم هل زرت مصر بعد أن تركتها للهجرة؟
أول مرة أرجع إلى مصر كان بعد 14 سنة من هجرتي لأمريكا، ووقتها كنت متزوج منذ عامين فقط.. وبوصول الطائرة لمطار القاهرة الساعة 2 صباحاً، فوجئت بوجود 80 شخص في انتظاري!! منهم من القاهرة والإسكندرية وطنطا وأبوقرقاص، كلهم حبايب وقرايب، وخالتي وقفت تدعوهم جميعا للسهر في بيتها احتفالا بقدومي لمصر. ومكثت في مصر هذه المرة حوالي شهر ومن بعدها توجهنا إلى القدس لنوال البركة.
ولم تنقطع زياراتي لمصر ابداً وأخر مرة زرت فيها مصر كان عام 2010م حيث استمتعنا برحلة في بحيرة ناصر ومكثنا في القاهرة في فندق كنت استمتع فيه بمشاهدة نهر النيل من شرفته. وكانت لنا زيارات للأهرامات عديدة والكثير من الأثار الجميلة وكنوز مصر.