يحتل البابا شنودة الثالث مكانة كبيرة جدا في قلوب جموع كثيرة من المسلمين, وذلك لتاريخه الكبير في التعايش المشترك ومساحات الحب والاحترام المتبادل بينه وبين من تعامل معهم, ما نورده هنا بخصوص علاقات الحب والاحترام ما هي إلا ومضات صغيرة من بين هذا الوهج العظيم, فقد كتب في هذا المجال الكثير من الكتاب المسلمين. ولا ننسي موائد إفطار رمضان التي دعا إليها البابا شنودة الثالث, وكيف كانت هذه اللقاءات فرصة لإظهار مساحات التعايش والمحبة, حيث ضمت ممثلي المسيحيين والمسلمين في جو محبة حقيقية وبهجة وسلام وكانت فرصة للتعبير عن عمق هذه الرابطة القوية.
وعلي سبيل المثال لا الحصر في مائدة إفطار مايو 1988م, حضر الإمام الأكبر الشيخ جاد الحق, شيخ الجامع الأزهر والذي قال إن هذا العمل الذي عمله البابا شنودة الثالث أصبح سنة لي في كل عام, وألقي قداسة البابا شنودة كلمة عن الأقباط والمسلمين, تكلم فيها كيف أننا نجتمع في الأفراح والأعياد والجميل في الأمر أننا نلتقي وجميعنا صائمون مسيحيين ومسلمين, ثم تكلم قداسته عن التعايش المشترك فقال: وأنا أشعر باستمرار أن حياتنا معا مسلمين ومسيحيين لم تبدأ من اليوم. نحن قد بدأنا طريق الحياة معا منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان, ثم عدد قداسته مواقف لتلك المساحات, وقال: هكذا عاش المسلمون والمسيحيون معا في تعايش سلمي عجيب. إن وجدت فترات شذ فيها البعض عن القاعدة, كانت تعتبر فترة شاذة, لكن القاعدة العامة كانت هي الحب باستمرار, وهكذا حاليا يرانا الناس, فلا يفرق بين مسلم ولا مسيحي عاداتنا الاجتماعية واحدة, وأسلوبنا في الحياة واحد, ولغتنا أيضا واحدة.
وذكر قداسته أنه حينما اضطر عرابي أن يحارب انضم الكل إليه يقاتلون معه, فوجد رجلا شيخا أشيب وسط المقاتلين.. فقال له: أيها الشيخ إن شيبتك تمنعك من القتال فيمكنك أن تستريح. فقال له: كيف تمنعني من أن أفدي بلادي بدمي أنا في هذا القتال أنا أولادي الثلاثة. فأحبه عرابي وقبله وسأله عن اسمه فقال إن اسمه جرجس بقطر من قري ملوي. وذكر قداسته مواقف كثيرة وختم قائلا: صدقوني يا إخوتي مجرد وجودنا في هذا الاجتماع من غير أن نتكلم كلمة واحدة, ومن غير أن تلقي أي عبارة من عبارات المحبة.. مجرد هذا الوجود كلنا حول مائدة واحدة هو أمر مفرح لوطننا مصر, وأمر يسجل لنا في تاريخنا عن محبتنا لبعضنا البعض.
وقداسته هو أول بابا للإسكندرية وقف يخطب في أحد المساجد, كما حدث في مسجد أبو النور في دمشق 1977م, حيث تحدث قداسته لجمع غفير حوالي عشرين ألفا من المصلين, وهو أول بابا قبطي يزور أبوظبي حيث تحدث هناك في قضية القدس, ومن مواقف قداسته في سبيل المحبة والسلاح لقب قداسته ببابا العرب. وفي الكاتدرائية المرقسية بالعباسية في أبريل 2002م نظم قداسته المؤتمر الوطني الشعبي من أجل تأييد الشعب الفلسطيني, بحضور قداسة البابا وفضيلة الإمام الأكبر الراحل د.محمد سيد طنطاوي, والرموز الوطنية المصرية والفلسطينية. وكان جو احتفالي بين المسلمين والمسيحيين, وفي جميع اللقاءات المسيحي الإسلامي كانت كلمات البابا شنودة تنير هذه المساحات الكبيرة من التعايش المشترك بل كان قداسته يضع خريطة لتلك المساحات ففي اللقاء المسيحي الإسلامي الذي دعا إليه السادات في 1977م, قدم البابا شنودة عدة نقاط تثري التعايش المشترك قال: أقترح -كناحية من تأكيد الوحدة الوطنية- أن تكون هناك لجنة دائمة مشتركة من الرؤساء الدينيين في الإسلام والمسيحية, وأن تجتمع باستمرار وتناقش ما بينها من أمور, لأن المثل يقول (البعد جفوة), وأضاف قداسته: وأنا واثق أننا كلما التقينا, كلما زدنا ترابطا, وزدنا تماسكا, وفهما بعضنا البعض بأسلوب واسع, وكان لهذا الأمر تأثيره علي أولادنا من المسيحيين والمسلمين, واقترح قداسته تكوين لجنة مشتركة فقال: مازلت أقترح -أنا شخصيا, لا مانع عندي من أن أشترك مع إخوتي الشيوخ المسلمين في وضع كتب دينية مشتركة, من المكمن أن نضع معا كتبا ضد الإلحاد, فكلنا نؤمن بوجود الله, ويمكننا أن نضع كتبا عن صفات الله الحسني.
ويمكننا أن نضع كتبا عن التوحيد, فنحن نؤمن بإله واحد, وإن كنا نقول باسم الآب والابن والروح القدس, إنما نقول بعدها إله واحد آمين.. يمكننا أن نؤلف معا كتبا في الفضيلة والأخلاقيات, ويمكننا أن نؤلف معا كتبا في الوطنية وفي قضايا بلادنا.. ويري عامة الشعب, ويري الطلبة, ويري أبناؤنا مسلمين ومسيحيين, كيف أن أسماء قادة الدين مسلمين ومسيحيين, مشتركة معا في كتاب واحد.. وثقوا أن الحب أقوي من القانون. في المسيحية يقول الكتاب المقدس: الله محبة. من يثبت في المحبة, يثبت في الله والله فيه. وأكمل قداسته: ونحن ننادي برسالة الحب باستمرار, ونريد أن نعلم أولادنا في المدارس الحب: نعلمهم حب الوالدين, ونعلمهم حب المدرسين, ونعلمهم حب القادة, ونعلمهم حب بعضهم البعض, الحب النقي الطاهر, الذي يرتفع فيه الإنسان فوق مستوي القانون. نريد أن نعلم أولادنا حب بلادهم: يحبون كل شارع في شوارعها, وكل مرفق من مرافقها, وكل مؤسسة من مؤسساتها.
ليتنا نتبني هذه الأفكار التي قدمها قداسة البابا شنودة الثالث لتزيد مساحات الحب والاحترام بين المسيحية والإسلام.