عجيب هو وضع المرأة عالميا, فمع أننا بدأنا في نهاية الربع الأول من القرن الحادي والعشرون, بما يتمتع به من حضارة وتقدم وحقوق الإنسان, إلا أن وضع المرأة ومكانتها مازال غريبا عجيبا جاهلا كاريكاتوريا, بعيدا عن الإنسانية الحقيقية. في العالم الآن نساء قد وصلن بفضل جهادهن وتفوقهن ومساواتهن بالرجل تماما إلي أن يعتلين مناصب كبيرة, مثل أساتذة ومدير الجامعات والعمل في الشرطة والجيش, بل هناك وزيرات للحرب والشرطة, والأهم من ذلك هناك رئيسات لمجلس الوزراء, ورئيسات للجمهورية وهكذا.
وهذا شيء طبيعي لأننا جميعا ـ رجل وامرأة ـ متساوون في كل شيء, وبخاصة العقل الذي يفرق بين الإنسان والحيوان. ومع ذلك نجد بعض الدول المتخلفة, بل والمتخلفة جدا, تنظر للمرأة علي أنها مخلوق درجة ثانية, أو مخلوق أقل من الرجل! وأنا أعتذر عن هذا القول ولكن هذا ما يحدث للأسف في أفغانستان الدولة التي كانت متحضرة قوية في النظم السياسية, والحكام الذين وصلوا في غفلة من الزمان, جعلوها تتقدم إلي الخلف وتصعد إلي القاع, وتعيش في العصر الحجري أو ما قبله. السبب الحقيقي هو نظرتهم إلي المرأة المتخلفة فعلا!! والتي لا تؤمن إيمانا قويا بالله, عز وجل, فالله العادل وهو العدل لا يمكن أن يخلق الرجل كاملا والمرأة ناقصة, وإنما هو عدم فهم حقيقي للدين وإرادة الله.
استولت منظمة (طالبان) علي السلطة في أفغانستان ودخلت كابول في أغسطس سنة 2021 بعد انسحاب القوات الأمريكية الفوضوي, هكذا لا يخرج الاستعمار من أي بلد إلا ويتركه ضعيفا مهلهلا منقسما علي ذاته تعهدت الحكومة الجديدة بإعطاء النساء حريتهن وحقوقهن كاملة في الحياة والتعليم والعمل, ولكنها بعد ذلك تنكرت لتصريحاتها وأصدرت قوانين تقيد حياة المرأة وتتنكر لإنسانيتها بحجة التشدق بالإسلام وهم لا يعرفونه حقا, أو قل لم يدرسوا تاريخه وحياة رسوله الكريم وكيف كان يعامل زوجاته؟ وكيف كانت السيد خديجة المعروفة بأم المؤمنين سيدة أعمال ناجحة.
أصدرت حكومة طالبان أوامرها بعدم خروج المرأة إلا للضرورة القصوي وإذا خرجت فلا تخرج إلا بصحبة محرم. وهي ممنوعة من الذهاب إلي الحمامات العامة أو الحدائق أو التسوق. هذا غير التدخل في ملابسها وأحذيتها وحيائها بشكل عام وخاص. آخر ما قررته طالبان هو حرمان المرأة الأفغانية من التعليم الثانوي والجامعي بما فيها كليات الطب التي تخرج الطبيبات الضروريات للكشف وعلاج المرأة نفسها! وقد أدي هذا القرار الأخير إلي انفجار المرأة الأفغانية وخروجها ثائرة في شوارع كابول وأفغانستان حاملة لافتة مكتوب عليها بخظ كبير كلمة, اقرأ لتذكر المسئولين في الحكومة بأن القرآن الكريم وهو دستور الإسلام ينادي ويشجع علي التعليم. العجيب حقا أن السيد محمد نديم وزير التعليم العالي في طالبان رد علي ثورة شعب بلاده وثورة حكومات العالم كله علي هذا القرار بتحد سافر ينم عن جهل وعند ضد الحضارة الإنسانية كلها وقال في هذا:
إن حكومته لن تغير رأيها في حصول الفتيات علي التعليم حتي لو ألقوا قنبلة ذرية علينا:! وحكومته مستعدة للعقاب من قبل المجتمع الدولي..!!
من الطبيعي أن يثور العالم المتمدن والمتحضر علي هذا القرار الجاهل في أفغانستان والذي ينشر الجهل والظلام والأمراض في المجتمع, والمرأة الجاهلة هي في الواقع في دولة جاهلة, وهي تنشر الظلام في كل المجتمع, وهي تشل هذا المجتمع فيصبح نصف مجتمع محروما من عمل نصف أبنائه وهكذا. وقد أعربت دول العالم عن سخطها علي هذا القرار, فقالت وزيرة الخارجية الألمانية
إن تدمير مستقبل فتيات أفغانستان هو في الواقع تدمير لمستقبل الدولة الأفغانية, واقترحت وضع هذا البند علي جدول أعمال مجموعة السبع دول الصناعية الكبري, GV, كما أدانت مفوضية الأمم المتحدة في أفغانستان هذا القرار, ولعبت الدول الإسلامية دورا مهما في هذا الخلاف, فقد طالبت كل من وزارة الخارجية في باكستان وقطر حكومة طالبان بإعادة النظر في قرارها, وتطبيق ما يطالب به الإسلام فعلا فيما يتعلق بحقوق المرأة, كما أعربت المملكة العربية السعودية عن أسفها ودهشتها وهما ما يعبر عن القرار الجاهل الهوجائي لطالبان وكيف أنه ضد التعاليم والشرائع الإسلامية. لعل من المهم أن نذكر هنا رأي جامعة الأزهر الشريف وهي أقدم جامعة في العالم حفظت للإسلام مكانته ودوره التعليمي. يحذر إعلان الأزهر صراحة من الاعتقاد أن عدم تعليم المرأة يتماشي مع الإسلام. ويؤكد أن هذا الزعم يتعارض مع الشريعة الإسلامية. لأن الإسلام يطالب الجميع مسلمين ومسلمات بالمعرفة والبحث من المهد إلي اللحد. وهذه العقول المتعلمة هي ما حققت مجد الإسلام, كما أن القرآن يذكر العلم والمعرفة ومشتقاتها أكثر من مائة مرة, كما يستنكر الإعلان تجاهل دور المرأة المسلمة الرائدة في مجالات عدة من العلم إلي السياسة ويدين جهل طالبان بنحو 200 حديث نبوي شريف عن أهمية العلم والمعرفة للمؤمنين والمؤمنات. هكذا يدافع الأزهر الشريف, والمنظمات الإسلامية والعالمية عن المرأة ضد الجهل والتخلف واللا إنسانية, وفي النهاية أقول: إن تعليم البنات كالماء بالنسبة للنبات.