اسمع يا بني تأديب أبيك, ولا تنبذ تعليم أمك, فإنهما إكليل نعمة لرأسك وأطواق لعنقك(أمثال1:8-9). نحتفل كل عام في شهر مارس بعدة أعياد عزيزة علي قلوبنا وعرفانا بالجميل كيوم المرأة العالمي والمصري وعيد الأم(عيد الأسرة) يحكي أن ملاكا أتي من السماء لزيارة كوكب الأرض في يوم مشمس من شهر الربيع, وكان يجول بين الحقول والمدن والقري, وعند غروب الشمس قبل عودته إلي داره, أراد أن يأخد معه تذكارا جميلا لهذه الرحلة الممتعة, فنظر إلي الزهور المبهرة بالحدائق, فأعجب بألوانها وعطرها فقطف أجملها, وهمس في داخله:هل يوجد أفضل من هذا المنظر المبدع؟! وبينما كان يسير رأي طفلا ووجهه أحمر كالورد, وعلي شفتيه ابتسامة بريئة, فأعجب به, وهتف:إنه أفضل من هذه الزهور, لذا يجب أن أخذه معي. ثم التفت مرة أخري وإد خلف مهد هذا الطفل أمه التي كانت تحنو عليه بحب صادق يفيض من قلبها, فقال:إن محبة الأم هي أفضل ما رأيت, لذلك يجب علي أن أخذها معي وطار بهؤلاء الثلاثة, وقبيل اقترابه من موطنه, ردد في داخله:يجب علي اختبار هذه التذكارات التي جبلتها معي من الأرض. فنظر إلي الزهور وإذ بها قد ذبلت فتركها بعيدا! وأمعن في ابتسامة الطفل, وإذ بها قد غابت! ولكنه تأمل في محبة الأم, فكانت تضيء في بهاء مجدها الكامل. فضم هذه المحبة الثمينة إلي قلبه ودخل بها عالم المجد قائلا:لن يبقي معك شيء تحتفظ به بزهوه مما تأخذه من الأرض سوي محبة الأم يالروعة ما توحي به الأمومة الصادقة من حنان وعطاء يسمو بالمرأة فوق مستوي البشر فهي التي تساعد أبناءها علي نسيان همومهم ومتاعهم ليشعروا بالراحة النفسية حتي تجعلهم يعيشون في سكينة. كما أنها تشعر وتعرف شكواهم قبل أن يتفوهوا بها فهي رمز العطاء والتضحية والحنان والحب الصادق. وبالرغم من أن العالم الذي نعيش فيه غارق في الماديات والتفكك الأسري إلا أنه شاعر بقيمة الأم ومكانتها في الأسرة وقوة تأثيرها علي خلق الأجيال. فالأم التي أنجبت أو تلك التي لم تحظي بهذه النعمة, هي عماد المجتمع لأنها تقوم بأفضل التضحيات من أجل خير أبنائها وأسرتها فالأم كالشمعة التي تبدد الظلام ويزدهر نورها. في كل أرجاء البيت وكالشمعة التي تذوب وتظل مضيئة لمن يحتاج إلي نورها, إنها كالشمعة لمن يتلمس الطريق إذا ضل في الظلام .يالروعة ما توحيه الأمومة الصادقة من حنان وعطاء يسمو بالمرأة فوق مستوي البشر! وكما يقول الشاعر العربي:الأم مدرسة إذا أعددتها…أعددت شعبا طيب الأعراق إذا لا توجد مدرسة كحضن الأم لتربية أبناء وبنات المستقبل ورجال الغد.
وما حياة الأم سوي سلسلة متصلة ومتواصلة من تضحيات وبطولات فلا النهار نهار ولا الليل ليل في حسابها, لا تتبع النتيجة اليومية أو أجندة المواعيدة, لأن همها الأول والأخير الذي يشغل بالها هو سعادة وراحة عائلتها. فالأم هي المخلوق الذي لايعيش لذاته بل للآخرين سواء الأبناء والبنات أو الزوج إنها رمز العطاء اللا محدود فقد منحها الله عينين تعبر بهما عن حبها دون كلام, وبهما تقول لكل شخص في أسرتها:أنا أحبك وأثق فيك وأصدقك وأقدر ظروفك وأشعر بآلامك وأقبلك مهما كانت عيوبك, وأفرح بنحاجك وأهتم بأمرك, وأري الجمال الكامن في داخلك, لذا ألتمس لك العذر في كل شيء. فالأم هي اللحن العذب في حفيف الأشجار والصفاء في زرقة الموجة والشعلة التي تدفئ القلوب وتضيء الحياة, وهي القوة التي تجعل من الظلام نورا, ومن اليأس أملا ومن الشتاء ربيعا.
وفي هذا السياق لا ننسي دور الأب الذي يضحي من أجل أسرته, لتصبح أفضل كنز في الوجود, ولكن للأسف كم من الأبناء الذين دمروا حياتهم بسبب عصيانهم لوالديهم؟ كم هؤلاء الذين اعتبروا والديهمموضة قديمة؟ لذلك نستطيع أن نجزم بأن نجاح الأسرة ينبع من دور كل واحد فيها, ليست تضحية الوالدين فقط, التي تكافئ أحيانا كثيرة بجحود الأبناء, ولكن تضحية الآباء والأمهات والأبناء وطاعتهم لهم ثقة عالمين بأنهم يريدون خيرهم الدائم. لذلك نطلب من الله أن يمنحنا روح العطاء والتضحية علي مثال الوالدين وأن يبارك جميع الأمهات والآباء, وكل امرأة ورجل ويمنحهم الصحة والسعادة والعمر الطويل, وأن ينير بصيرتنا وقلوبنا لنطيعهم ونحترمهم ونقدرهم.كل عام والجميع بخير وسلام وسعادة وصحة وبركة.