أول نقيب للأطباء و أول مصرى يحصل على الزمالة الفخرية
نشأته البسيطة كانت سببا في التحامه بأوجاع الناس وخاصة الفقراء
تشخيصه المبكر .. أعفي الريف المصرى من تفشي أوبئة
عشق الفنون والآثار فحول منزله الى متحف يضم العديد من المقتنيات
إعداد / سامية عياد
شق طريقه فى عالم الطب والجراحة بجد وكفاح، نحت فى الصخر مكانته بين الأطباء الأجانب مؤكدا قدرة الطبيب المصرى فى التفوق على نظيره الأجنبي، ثابر سنوات طويلة من أجل تحقيق هدفه، فى تمصير الطب فى مصر وتحقق له ما أراد، هو الدكتور علي باشا إبراهيم، الطبيب المصرى الذى استطاع بما يمتلكه من اصابع ذهبية النهوض بمستوى الجراحة فى مصر، حتى أصبحت العمليات الجراحية من أسهل ما يكون، هو أول عميد مصري لكلية طب قصر العينى وأول نقيب لأطباء مصر.
ولد الدكتور علي إبراهيم في أكتوبر عام 1880 بمدينة الاسكندرية ، والده ابراهيم عطا فلاحا من إحدى قرى مدينة مطوبس بمحافظة كفر الشيخ، وأمه هي مبروكة خفاجى كانت ايضا فلاحة من نفس القرية، نشأته البسيطة كانت سببا في تكوين شخصيته والتحامه بأوجاع الناس وخاصة الفقراء، فقد كافحت أمه من أجل تعليمه و كانت توفر له مصاريف الدراسة والكتب بصعوبة بالغة، وكانت تلك الفلاحة البسيطة تسبق تفكير عصرها، برؤيتها أن المستقبل للعلم والمتعلمين وقد كان ابنها على يساعدها على ذلك حيث كان دائما موضع اعجاب مدرسيه وأساتذته لتفوقه وحسن خلقه، فقد نال العديد من الجوائز التقديرية والتشجيعية وهو مازال في المرحلة الابتدائية ،
فى عام 1892 حصل على إبراهيم على الشهادة الابتدائية وكان ترتيبه الأول بين زملائه ، بعدها انتقل الى القاهرة ليستكمل تعليمه بمساعدة أحد أقاربهم وهى أسرة السمالوطى .. فالتحق بالقسم الداخلي في مدرسة الخديوية بدرب الجماميز ليكمل دراسته الثانوية ، وأظهر نبوغا فى الدراسة كعادته ، ثم التحق بمدرسة طب القصر العيني وتخرج فيها عام 1901 ..
عيادته الأولى
استطاع على إبراهيم أن يوفر مبلغ مائة جنيها اقتصادها أثناء عمله فى مصلحة الصحة بقسم الأوبئة فاتفق مع صديقه الدكتور عبد المجيد محمود أن يفتح عيادة وبالفعل تم لهم ، ولكن أتت الرياح بما لا تشتهي السفن حيث أن العمل كان صعب جدا فقد كان الأقبال كله على الأطباء الأجانب وكانت لهم الزعامة الطبية في مصر وكان الطبيب المصري غريبا في وطنه ..
مهارة فائقة فى تشخيص الأوبئة
عمل الدكتور علي إبراهيم بمصلحة الصحة ( وزارة الصحة حاليا) بقسم الأوبئة ، وفيها ظهر نبوغه وعبقريته المعتادة في تشخيص بعض الأمراض التي أصابت الريف المصري وحار فيها الأطباء ومنها تشخيص وباء الكوليرا الآسيوية و تشخيص وباء الجمرة الخبيثة فاستطاع أن يحصر تلك الأوبئة بفضل التشخيص المبكر للمرض ..
ونظر للمهارة الشديدة والنبوغ الذي أظهره علي ابراهيم في مجال مكافحة الأوبئة في الريف المصري كوفىء بتعيينه حكمباشى (مديرا) لمستشفى بني سويف.
أولى عملياته الجراحية
وكانت أولى العمليات الجراحية التي أجراها الدكتور على إبراهيم هى عملية استئصال كلية التى أقدم عليها دون سابق خبرة أو تجربة ولم يكن ذلك اندفاعا منه او غرورا بل كان ثقة في توفيق الله سبحانه وتعالى له أولا وفي قدرته على اتمام العملية بنجاح ثانيا فهو يرى أن نجاح العملية هو شفاء للمريض وأنه لا فائدة من نجاح عمليه اذا توفى المريض وبالفعل فقد نجحت العملية نجاحا تاما ،
أيضا من أبرز العمليات التي أجراها الدكتور علي إبراهيم في بداية حياته ، عملية تفتيت حصوة في المثانة دون إجراء جراحة كبيرة ومن هنا انطلقت شهرة علي ابراهيم تدوي في أنحاء بني سويف
جهوده لتمصير الطب والبداية فى أسيوط
فى عام 1904 عين علي إبراهيم مديرا لمستشفى أسيوط الميري وهنا انطلقت جهود علي ابراهيم نحو تمصير الطب المصري ، ففي الوقت الذي استحوذ فيه الأطباء الأجانب على ثقة المرضى المصريين أخذ علي إبراهيم الطبيب الشاب يشق طريقه وينحت في الصخر مكانته بين الأطباء الأجانب فقد كان من النادر أن يذهب مريض الى طبيب مصري لاعتقادهم بتفوق الطبيب الأجنبي ، ولعب القدر دوره في معرفة الناس بالدكتور علي إبراهيم كطبيب بارع فقد حل فصل الصيف ورحل الأجانب في أجازتهم السنوية كل الى موطنهم ، فلم يجد المرضى مفرا من اللجوء الى الطبيب المصري علي ابراهيم ،
وعندما عاد الأطباء الأجانب من اجازتهم واقروا ما أشار به علي إبراهيم من رأى زادت ثقة المصريين به وبدأت تنتشر أخبار العمليات الضخمة التي كان يجريها بنجاح في مستشفى أسيوط الأميري من عمليات استئصال للطحال او تفريغ خراريج الكبد أو استئصال جزء من الأمعاء وتفتيت الحصوات وغير ذلك من العمليات الكبرى فزادت شهرته وأصبح ينعت بعلي ابراهيم الأسيوطي ..
ادخال التمريض
أولى على إبراهيم عناية فائقة بالتمريض فهو أول من أدخل الممرضات في المستشفيات المصرية حيث قام بالاتفاق مع أحد الأديرة على إرسال راهبات للتمريض بالمستشفى الأميري في أسيوط واتفق معهم على مكافأة شهرية .. وهكذا كانت أسيوط مشوارا من الكفاح فى جذب ثقة المرضى نحو الطبيب المصرى ..
محطة أخرى فى مشواره المهنى
أراد الدكتور على إبراهيم أن يفعل فى القاهرة ما فعله فى اسيوط وفضل العودة الى القاهرة لإثبات مكانته بين الأطباء الأجانب وبالفعل عاد وشغل وظيفة مساعد الطبيب الشرعى فى الفترة من (1909- 1924) حيث تدرج فى منصبه الى أن أصبح أستاذ الجراحة فى القصر العينى ، ويذكر أنه فى عام 1912 نشبت حرب البلقان وتأسست جمعية الهلال الأحمر المصرية التى قامت بإرسال بعثتين من الأطباء المصريين الى مواقع الحرب ، وكان على ابراهيم على رأس البعثة الثانية التى توجه بها الى اسطنبول وأنشأ مستشفى مركزيا هناك يجرى فيه كبرى العمليات الجراحية واستطاع أن ينقذ حياة آلاف من الجرحى والمصابين ، وتقديرا لجهوده التى بذلها فى حرب البلقان منحته الحكومة المصرية لقب الباشوية عام 1913
الوقاية خير من العلاج
كان حريصا على التوصل إلى أسباب المرض وتجنبها ورفع شعار الوقاية خير من العلاج ، فقد حدث ذات مرة أن انتشر مرض القيلة المائية و شرع على ابراهيم في إجراء بحوث عملية وبالفعل تمكن من التوصل لأسباب المرض ، ومن الأمراض أيضا التي اهتم بها علي إبراهيم بدراستها والبحث عن أسبابها هي البلهارسيا وقد حصل بموجب هذا البحث على شهادة ماجستير الجراحة من كلية الطب وعين استاذا فى الكلية فى يوليه عام 1924 وازدادت شهرته أكثر فاكثر ، كما زاد حب الناس له حتى أنهم قرروا ترشيحه لعضوية البرلمان وبالفعل تم انتخابه مارس عام 1925 عن دائرة قسم عابدين ..
فى عام 1928 تم تعيين على ابراهيم وكيلا لكلية الطب وهو نفس العام الذى أنعمت عليه كلية الجراحين الملكية بإنجلترا لقب الزمالة الفخرية وكان بذلك أول مصري ينال هذا اللقب واقيم احتفال كبير فى كلية الجراحين الملكية كما أقيم له احتفال آخر حضره الملك فؤاد الأول تكريما له وعرفانا بفضله ..
أول عميد لكلية الطب
فى عام 1929 تم تعيينه عميدا لكلية الطب فكان أول مصري يتم اختياره لعمادة كلية الطب فقد كان العرف السائد حينئذ أن يكون العميد من الأساتذة الإنجليز ، وما أن تولى على إبراهيم عمادة الكلية حتى شرع فى تطوير مستشفى القصر العينى ، كما اهتم بإرسال البعثات العلمية الى الخارج و مضاعفة أعداد المبعوثين لاستكمال دراسة الطب فى الخارج ، كما سعى الى بناء مستشفى جديد بمساحة شاسعة تتسع لآلاف المرضى وهى مستشفى القصر العينى الجديد وفى عهده التحقت الفتيات بكلية الطب وكانت أول دفعة طبيبات تخرجت من كلية طب القصر العيني عام 1934 ،
وفى أكتوبر 1930 منحه الملك فؤاد الأول لقب مستشار لحضرة صاحب الجلالة الملك ، واستمر على إبراهيم فى عمادة كلية الطب والعمل على الارتقاء بمستوى أدائها الى أن تم تعيينه وزيرا للصحة حتى عام 1941 حيث انتهت فترة توليه بعد أن ترك فيها البصمة النبيلة .. عقب خروجه من وزارة الصحه صدر مرسوم بتعيينه مديرا لجامعة فؤاد الأول في سبتمبر 1941 ، واستمر توليه لمدة خمس سنوات ..
تأسيس نقابة الأطباء
كان للدكتور على إبراهيم دور الريادة في التوفيق بين الأطباء ورفع المستوى الفكري بينهما ، بدأت أولى خطواتها بإصدار المجلة الطبية المصرية سنة 1917 ثم تأسيس الجمعية الطبية المصرية 1920 ثم سعيه فى إصدار القانون الخاص بمزاولة مهنة الطب فى مصر وفى عام 1940 تأسست نقابة الأطباء وانتخب على إبراهيم أول نقيب لها.
عملية جراحية للسلطان حسين كامل
ازدادت شهرة على إبراهيم عندما أصيب السلطان حسين بمرض عجز الأطباء الأجانب عن علاجه ، فاستطاع هو أن يعالجه بإجراء عملية جراحية ناجحة للسلطان حسين شفى على أثرها ، فكافأه السلطان نظير ذلك بمبلغ ألف من الجنيهات الذهبية ومن هنا ذاع صيته وبدأت آلاف المرضى يفدون الى عيادته التى لم تكن عيادة فحسب إنما كانت بمثابة مستشفى خاصة بمفهومنا الآن فكان يجري عملياته الجراحية فيها ، وفى يناير 1918 تم منح على ابراهيم لقب جراح استشاري للحضرة العليا السلطانية تقديرا لجهوده وقدرته الفائقة فى فن الجراحة ..
الملك فاروق يستدعيه
ولهذا وثق فيه الملك فاروق وطلب شخصيا استدعائه والإشراف على علاجه ، فقد تعرض الملك فاروق لحادث كبير كاد أن يودي بحياته عام 1943 ، أثناء عودته من رحلة صيد طريق الإسماعيلية ، وعلى الفور تم استدعاء الدكتور على ابراهيم وخصص رئيس الديوان الملكي طائرة خاصة لتنقله من القاهرة لإجراء عملية جراحية طارئة لإنقاذ الملك فاروق و بمجرد أن ارتائه فاروق حتى فاض صدره بالارتياح ، قائلا له : “الحمد لله أنك وصلت يا باشا أنت عارف ثقتي فيك بلا حدود ..توكل على الله يا علي باشا وشوف شغلك ” ، ابتسم علي باشا ابتسامة الأمل و رد على الملك قائلا : “اطمئن يا جلالة الملك كل شيء هيكون على ما يرام” ..
متحف الدكتور علي إبراهيم
كان على إبراهيم شغوفا بالفنون والآثار ، فحرص على اقتناء التحف الأثرية النفيسة واستمر فى جمعها ما يقرب من أربعين عاما ، وتم اختياره عضوا فى اللجنة الاستشارية للفنون الجميلة فى مارس 1931 وأيضا تولى رئاسة المجلس الأعلى لدار الآثار العربية ، شارك فى تحويل القصور القديمة الى متاحف منها قصر المانسترلي وقصر الروضة وقصر الجوهرة وغيرها ، وقد أراد تنسيق مجموعته الفنية فى متحف يشمل عدة قاعات من منزله وظل يشرف على هذه المهمة حتى النفس الأخير من حياته ، ويضم هذا المتحف مائتي قطعة من السجاجيد النفيسة التى صنعت فى إيران وتركيا والهند ومصر والأندلس ، كما يضم ثلاثمائة تحفة من الخزف القاشاني المصنوع فى إيران ، ونحو مائة تحفه من الخزف المصرى فى عصر الفاطميين والمماليك ، قام بإهداء مجموعة من التحف الخزفية الى متحف الآثار بكلية الآداب بكلية فؤاد الأول ، كما قام بإهداء ثلاث قطع من الأقمشة القبطية القديمة الى المتحف القبطى عام 1939 .