إنه كان ـ رجل أوجاع ومختبر الحزن ـ (أش 53 ـ 3).
تعرض للإهانات الكثيرة, وللاتهامات ومرة أمسكوا حجارة ليرجموه, ووقف ضده الكتبة والفريسيون والصدقيون والكهنة ورؤساء الشعب بل منذ طفولته أراد هيرودس قتله فهرب إلي أرض مصر.. وقام عليه شهود زور, وتعرض لمحاكمات, وأخيرا أحصي بين أثمة (أش 53:12).
فهل أنت اشتركت في آلام المسيح؟ وهل كنت مثله في صمته واحتماله: شتموه أما هو فلم يشتم عوضا, بل كان كشاة تساق إلي الذبح.. هكذا لم يفتح فاه..
آلامك علي الأرض, هي أمجاد في السماء. والذي لا يأخذ حقه علي الأرض, يأخذه في السماء.
والكتاب يشرح لنا هذه الحقيقة في قصة الغني ولعازر المسكين ـ فأحدهما استوفي خيراته علي الأرض. أما الآخر فاستوفي البلايا. لذلك كان في السماء يتعزي… إن عدل الله لا يسمح أن تتألم هنا وهناك. فإن تألمت لأجل البر فطوباك, إن أجرك عظيم في السماء.
هناك معني آخر جميل للصليب وهو حمل خطايا الآخرين.
كان المسيح علي الصليب هو حمل الله, الذي يحمل خطايا العالم كله.
وكما قال القديس إشعياء النبي:
هو مجروح لأجل معاصينا, مسحوق لأجل آثامنا… كلنا كنغم ضللنا, ملنا كل واحد عن طريقه. والرب وضح عليه إثم جميعنا (أش 53: 6,5).
فهل ننظر إلي الصليب في انسحاق قلب, وتشكر الرب الذي حمل خطاياك؟
وهل تقول له إن كأس المر الذي شربته, كانت أكثر قطراته مرارة هي خطاياي. وكذلك كانت أقسي أشواك صليبك وجلداته, كلها بسببي…
وهل آلام المسيح علي الصليب, تزيدك حبا له, وتزيدك انسحاق قلب!
وهل كما حمل المسيح خطايا الناس, تستطيع أنت أن تحمل خطايا غيرك؟
هل تقبل أن ينسب ذنب غيرك إليك وتدفع أنت الثمن عنه, وتحسب نفسك خاطئا بدلا منه, كما فعل المسيح؟
سهل أن يقبل إنسان أن يضحي بذاته من أجل إنسان بار, ولكن هل يمتلك أن تضحي بذاتك حتي من أجل أخطي الخطايا كما فهل المسيح, البار لأجل الإنسان (رو5).
إن القديس يوحنا ذهبي الفم يقول: إن لم تستطع أن تحمل خطايا غيرك, وتنسبها في حب إلي إلي نفسك…
فعلي الأقل لا تشهر بغيرك ولا تدينه وتعلن خطاياه.
إن منظر يسوع المصلوب البار الذي يحمل خطايا الأثمة, هو منظر مؤثر للجميع. وقف أمامه الزعيم غاندي وبكي.
ونحن ننظر إلي صورة الصليب, ونتخذها شعارا لنا, شعار المحبة الباذلة التي أحبنا بها الرب, حتي مات عنا.
ولذلك في كل مناظر حياة المسيح المتعددة, لم نتخذ سوي هذه شعارا لنا ومن أجل هذا, قال بولس الرسول:
حاشا لي أن أفتخر, إلا بصليب ربنا يسوع المسيح, الذي به صلبت العالم, وصلب العالم لي.
إننا نفتخر بهدا الحب, وبهذا البذل ونعجب أن لنا إلها له كل هذا الحب. هكذا أحب الله العالم, حتي بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به, بل تكون له الحياة الأبدية (يو 2:16).
ولن ليس معني وجود الصليب في حياة المؤمن, إنها كلها ألم, بل فيها الفرح, ويقول الرسول افرحوا في الرب كل حين, وأقول أيضا افرحوا, فالألم هو الطريق للفرح الحقيقي بل إننا نفرح في الألم وبالألم.
لو عرفت مقدار البركة, التي يكافأ بها الإنسان نتيجة لآلامه من أجل الرب, ما كنت تعتفي إطلاقا من الألم, بل كنت تطلب منه مزيدا وتفرح به…
وفي الألم تفرح أيضا, إذ تتأكد تماما أنك سائر في طريق الرب, لأن كل الذين يعيشون بالتقوي في المسيح يسوع يتألمون ويعيشون في شركة آلامه.
وهكذا كان آباؤنا الشهداء يغنون ويسبحون داخل السجون. وكانوا يسيرون في الطريق إلي الاستشهاد فرحين, يغنون أغانيهم الروحية.
كانوا يرون في الألم أكاليلهم التي لا تفني.
ولما أراد أهل رومة أن ينقذوا القديس أغناطيوس الأنطاكي من إلقائه إلي الأسودالمفترسة, توسل إليهم قائلا يا إخوتي أخشي أن محبتكم تسبب لي ضررا. وهذا الضرر كان إنقاذه من الألم ومن الموت لأجل الرب, ومنع الصليب عنه…
ومات شهيدا, وتكلل بالمجد…
يا أخي, لا تبحث عن المجد في المظاهر والعظمة الخارجية, وإنما في الألم من أجل الرب:
إن لم يكن في ألم الاستشهاد, فعلي الأقل تعب الخدمة والصوم والنسك وتداريب الاحتمال وضبط النفس.
اسأل نفسك أيهما تحب:
النور المبهر علي جبل طابور حيث التجلي, أم الدم المسفوك علي جبل الجلجثة, والعرق المسفوك كقطرات الدم في بستان جثسيماني..؟
ليتك تصلي علي الدوام وتقول:
أريد يارب أن أتعب وأن أتألم من أجلي. هبني نعمة الألم.
وثق أنك إن ثقل الصليب عليك, وإن خار جسدك تحت ثقله, فإن الله لابد سيرسل لك قيروانيا جديدا يحمله عنك, ولو جزءا من الوقت.
والله لا يمكن أن يجعلك تتألم فوق ما تطيق, بل هناك نعمة خاصة بالألم تسند جميع المتألمين.
إن الصليب خطوة بعدها أفراح القيامة وبعدها أمجاد الصعود, والجلوس عن يمين الآب في السماء.
وعليك أن تجتاز المرحلة الأولي, وستجد المراحل الأخري في انتظارك, في آخر الطريق…
وليكن الرب معك.