يقول الرب:أتنسي المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها؟ حتي ولو نسيت النساء فأنا لا أنساك(إشعياء49:15), الله حلقنا جميعا لا لكي يهملنا, فإذا حدث شر أو حلت مصيبة فالله أب رحيم لا ينسي خلائقه,ولكن نحن لا نلتجأ إليه عند الشدة والضيق,وأحيانا نيأس بسبب الظروف الصعبة والمحن والآلام التي نمر بها, لذلك يجب علينا أن نتكل علي رحمة الله الواسعة, ونستسلم لتدبيره ولا نخف الظروف الصعبة مهما قست,وكما يقول المثل الشعبي: افتقاد الله رحمة ومعناه أن الله يسمح أحيانا بالآلام والضيقات كوسيلة تطهير لنا قبل أن يمنحنا نعمة وبركاته,إذا أردنا أن نحول قطعة من الحديد ثمنها خمسون جنيها إلي حدوة للحصان, ستصبح قيمتها أكثر من خمسين جنيها, وإن صنعنا منها إبرا بلغ ثمنها مئتا جنيه, وإن حولناها إلي سلاح بلغت قيمتها أكثر من خمسة آلاف جنيه, لكن أن صنعنا منها عقارب للساعات, فإن ثمنها قد يصل إلي خمسين ألف جنيه, وإن كان لهذه القطعة لسان وسألناها:ما الذي جعل قيمتك تزداد ارتفاعا علي هذا النحو؟ لأجابت:هو الصبر علي وضعي في الأفران المتقدة,أيضا الصبر علي كثرة الضرب والطرق, فكلما زاد علي الضرب والصقل, ارتفعت قيمتينستطيع أن نطبق هذا المثل علي حياتنا, فكلما تحملنا آلام الحياة ارتفعت قيمتنا وزاد نفعنا, ولكن عندما نتشكي منها نكشف ضعف إيماننا بحب الله الساهر علينا دائما أبدا, لأن الله لا يسمح بأن نجرب فوق طاقتنا, ومما لا شك فيه أنه يجعل مع الضيقات والآلام مخرجا, كل هذا نكتشفه أن ألقينا عليه همنا, وتوكلنا علي عونه, وشمرنا عن ساعد الجد بدلا من التذمر والتشكي, وستكون النتيجة أن المر يصير عذبا وحلوا, والصعب يصبح سهلا, والمستحيل ممكنا, لكن للأسف كثيرا ما نرفض قبول إرادة الله في حياتنا وخاصة عندما يصيبنا ما لايروق لنا أو يحلو لأعيننا, نقرأ في كتاب Petit Trott Leوهو عبارة عن رواية رائعة تعبر عن الذكاء وروح الدعابة مع انتقاد لاذع لمواقف كثيرة يمر بها الإنسان, وبطلها الطفل Trott الذي أخبروه بأن الله أرسل له أختا صغيرة لتحبه ويحبها, فركض للتو نحو أمه ليشاهد أخته المولودة حديثا, وعندما نظر إليها متأملا وجهها احتفت الابتسامة من علي وجهه ثم توجه إلي أمه قائلا لها:ألا تعتقدي يا ماما إننا لو أرجعنا أختي حالا, يوافق الله علي تبديلها لنا بأخت أقل منها بشاعة؟! هذه الأمثولة البسيطة تعبر عن حالنا اليومي تجاه إرادة الله التي تتجلي في ظروفنا الحياتية, كم من المرات طلبنا فيها من الله ألا يسمح بما نمر به؟ وكم من المرات رجوناه أن يبدلها بغيرها؟ وكم من المرات تمنينا أن يستشيرنا قبل أن يقرر شيئا؟ لكن كل من يثق في إرادة الله وحبه له, سيشعر بأنه ينبوع تعزية للنفوس المؤمنة به, المتوكلة علي رحمته والواثقة بعنايته الأبوية, يعبر أحد الأشخاص الذين تخرجوا من مدرسة الآلام والتجارب قائلا:إن العناية الإلهية تصل دائما متأخرة ربع ساعة,لكنها في لحظة تعوض عن سنين, مما لا شك فيه أن الله يتأخر أحيانا لنعمل ما في وسعنا ويكافأ كل منا علي تعبة وعمله وجهده, وكما تفعل الأم مع طفلها التي تجعله ينمو في الحياة عندما يختبر أشياء كثيرة ولكنها لا تفارقه أبدا ولا تغمض عينيها أمامه, بل تراقبه حتي لا يتعثر ويصيبه أي أذي, وكما يقول داود النبي:إني ولو سرت في وادي الظلمات لا أخاف سوءا لأنك معي (مزمور23:4), فكل ما يحدث لنا هو سماح من الله أبينا, ويجب أن نعتبره بركة ونعمة, ونقبله بفرح وطمأنينة مادام من يد الله,كما يجب أن نستسلم لإرادته واثقين بحبه وعنايته كل هذا سيعود علينا بالتعزية السماوية, ومن الممكن أن نعتبر لحظات الآلام والصعوبات فاتورة تسديد ما تراكم علينا من ديون للعزة الإلهية بسبب ما ترتكبه من أخطاء في حقه, إذا يجب أن نثق في الله ونلوذ إليه ونتكل عليه اتكال الواثقين, ونطرح عند قدميه جميع همومنا وأثقالنا ومتاعبنا, حتي يرفعنا فوق ضباب الحياة, ويحلق بنا في آفاق الخلود الصافية, ونستريح هانئين بين يديه, ونختم بكلمات د. آرثر سيكورد: إذا حل الظلام أمكنك رؤية النجوم.