إذا رغبت في الإقامة باليابان أو حتي زيارتها فعليك باتقان فن الاعتذار.. فكلنا تجولت في شوارع المدن اليابانية سوف يصل لمسامعك عبارة سومي ماسين ومعناها معذرة.
وهناك عشرون وسيلة اعتذار يعبر بها اليابانيون عن الخجل من الخطأ.. فالاعتذار ثقافة لها أدبياتها الطاغية في الحضارة اليابانية.
برع اليابانيون في ترسيخ هذه الثقافة الأخلاقية ضمن مناهجهم التعليمية كمادة إلزامية نظريا وعمليا بالسنوات الأولي من الدراسة إدراكا منهم أن التعليم في الصغر كالنقش علي الحجر.
بالفعل نجحت اليابان في سن سياسة تعليمية ترتكز علي غرس مفاهيم التربية السليمة لبناء الشخصية اليابانية منذ نعومة الأظافر وبناء الضمير الأخلاقي الذي يقف خلف الأمانة في العمل ووراء كل سلوك داخل المجتمع.. ولذلك يعتبر المجتمع الياباني من أكثر المجتمعات أمنا وأمانا بالقياس بغيرهم.
ففي الغرب الصورة مختلفة كثيرا.. في الولايات المتحدة علي سبيل المثال شهدت الولايات الأمريكية خلال العقد الأخير فقط 948 حادث إطلاق نار داخل المدارس ووقع في الشهور الأخيرة 690 حادث إطلاق نار جماعي!! وإحصائيات يموت 12 طفلا كل يوم من جراء الإطلاق الجنوني للنار.
ويسهب كتاب موت الغرب لمؤلفه بات يوكانان في سرد ما أصاب المجتمع الأمريكي من انحلال خلقي, وهو الذي عمل مستشارا لثلاثة رؤساء أمريكيين (ريتشاد نيكسون- جيرالد فورد- رونالد ريجان) بثمانينيات القرن الماضي.. ويقصد بموت الغرب ذلك الموت الأخلاقي, ويقول المؤلف: الغرب بدأ الانكماش, فاليوم هناك 17 بلدا أوروبيا تكثر فيه الوفيات عن المواليد.
في المقابل يشتهر مؤخرا خبر توبيخ أم لابنها وهو سيجي كيهار نائب رئيس الوزراء الياباني بعد أن شاهدته علي الشاشة يضع يديه في جيبه أثناء التجوال برحلة رسمية للولايات المتحدة, واعتذر سيجي كيهار عن فعلته, وهو الذي صرخ بتوبيخ والدته له بعد أن أخبرته بخجلها من فعلته.. إنها ثقافة اليابان.
فما أجملهم اليابانيون في أخلاقهم التي يغرسونها في النشء منذ الصغر وفيها يتعلم الصغير أن الاعتذار ليس امتهانا للذات أو للشخصية, وإنما هي ثقافة احترام وتوقير وترسيخ صحيح للعلاقات الإنسانية وغرس الأمانة الأخلاقية في العمل ومن ثم تلهث الدول لمحاكاة التجربة اليابانية في تدريس النشء.
لدينا في مصر 51 مدرسة يابانية بعدد من المحافظات وهي آخذة في الانتشار أملا في انتشال النشء المصري من سلوكيات العصر الهدامة لكل المبادئ والمثل الأخلاقية وسعيا لغرس الأمانة والإخلاص في العمل وبث السلوك الأخلاقي الذي نحن في أمس الحاجة إليه هذه الآونة.