أعرف تماما أننا نعيش مرحلة يسيطر فيها الإعلام المرئي علي الإعلام المقروء, وأن أيام الإعلام المقروء باتت معدودة… لكنني أستشعر أهمية تسجيل وتوثيق بعض ما يصلني من إسهامات الإعلام المرئي المصري أو الأجنبي في مناقشة قضايا محلية أو دولية لها ثقل في إيقاظ الوعي نحو حقائق مغيبة يلزم إدراكها, وقناعات راسخة ينبغي تصحيحها.
في هذا الصدد أجد لزاما علي أن أشارككم اليوم شهادة قيمة جدا قدمها الكاتب والمفكر الدكتور وسيم السيسي في حديث له مع برنامج القاهرة علي فضائية TEN بتاريخ 21 يناير الماضي.. الحديث جد خطير, وحرصي علي توثيقه نابع من إدراكي أن من فاتهم متابعته علي الهواء, قد لا يدرون عنه شيئاـ وذلك مصير الكثير من المواد الإعلامية المرئية ـ بينما الكلمة المقروءة تستمر متاحة في أي وقت وفي كل وقت.
كانت القضية المطروحة منصبة علي الواقع المعاش للشباب المصري الذي تتبلور مواقفه بناء علي معايير وقتية سطحية وقصور النخبة المثقفة عن الاضطلاع بدورها إزاء توعية أولئك الشباب بالجذور والحقائق التي تساعدهم علي تبصر ماضيهم وحاضرهم وحسن تدبر مستقبلهم.. فماذا قال الدكتور وسيم السيسي؟
تتحدثون عن دور المثقفين, وأنا أسألهم: هل نشرتم ثقافتكم علي جموع الشباب؟.. هذا الشباب الساخط الذي ينتقد مصر ويلعنها ويهاجمها بلا هوادة ويتشدق قائلا: أنا لا أؤمن بنظرية المؤامرة.. أطلب منكم أن تبعثوا بمراسليكم للشارع ليسألوا الشباب ماذا تعرف عن مخطط موشيه شاريت وبن جوريون؟.. ماذا تعرف عن مخطط برنارد لويس الذي يحمل عنوان الشرق الأوسط الجديد والذي قدمه إلي زبيجنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأمريكي الذي قدمه بدوره إلي الكونجرس الأمريكي عام 1983 وناقشه واعتمده الكونجرس مسجلا في جلسة سرية أنه ينطوي علي خطة استراتيجية منهجية مستقبلية علي الحكومات الأمريكية المتعاقبة تنفيذها بغض النظر عن الحاكم؟…
هذا المخطط هو ما نعايش تنفيذه منذ ذلك التاريخ وحتي أيامنا هذه وهو يتضمن الآتي:
ـ تقسيم العراق إلي ثلاث دويلات: دولة شيعية عاصمتها البصرة, ودولة سنية عاصمتها بغداد, ودولة كردية عاصمتها الموصل… وهذا تحقق.
ـ تقسيم السودان إلي دولة سنية عاصمتها الخرطوم, ودولة مسيحية في الجنوب عاصمتها جوبا (وهذا تحقق عام 2011), ودولة شرقية في إقليم دارفور.
ـ تقسيم مصر إلي قطاع سيناء وشرق الدلتا تبتلعه إسرائيل في إطار تحقيق حلم إسرائيل الكبري من النيل إلي الفرات مع ترحيل أهل غزة إلي مصر, دولة مسيحية في شمال الدلتا والساحل الشمالي عاصمتها الإسكندرية, دولة إسلامية ممتدة من جنوب الدلتا حتي أسيوط في صعيد مصر عاصمتها القاهرة, دولة نوبية ممتدة من جنوب الصعيد عبر إقليم النوبة وحتي النوبة في شمال السودان عاصمتها أسوان.
نجحت فصول ذلك المخطط اللعين في العراق ثم سوريا ثم ليبيا ثم اليمن وتتواصل في السودان, لكن استعصت عليها مصر وهو ما يعوق تحقيق جزء أساسي من المخطط, ويؤدي إلي أن يجن جنون واضعيه!!
جذور ذلك المخطط تعود إلي حديث موشيه شاريت مع بن جوريون والذي قال فيه: نحن في إسرائيل قطرة تعيش في محيط من الكراهية.. وهكذا حيكت المؤامرة التي تستهدف تأمين إسرائيل بواسطة الصهيونية العالمية التي كانت أهم أدواتها أمريكا, حيث قال ويليام فولبرايت عضو الكونجرس الأمريكي منذ نحو عشرين عاما: اليهود في بلادنا يسيطرون علي كل ما يسيطر علي العقل والمعدة والغرائز ولم يعد لدينا إلا أن نغير اسم نيويورك إلي جويورك (في إشارة إلي اليهود)!!.. وكانت النتيجة أنه تم إقصاء فولبرايت عن موقعه بعد عدة شهور من تصريحه هذا.. وأعود إلي حديث شاريت مع بن جوريون الذي استرسل فيه قائلا: السلاح النووي الذي نمتلكه لا قيمة له لأنه سلاح يحمل في طياته موانع ومخاطر استخدامه, لأنه في حالة إطلاقه علي أية عاصمة عربية سيعود غباره الذري علي إسرائيل.. إنما الحل هو تدمير ثلاث دول كبري حولنا: العراق وسوريا ومصر, ووسيلتنا في ذلك خلق وتفجير النزاعات الطائفية والدينية علي أن نراهن علي أن نجاحنا في هذا الصدد لا يعتمد علي ذكائنا بقدر اعتماده علي غباء الطرف الآخر… وذلك عينه ما حدث وشاهدنا ومازلنا نشاهد كيف تنهار وتتفتت الدول العربية بفضل غباء شعوبها وانزلاقها في مستنقعات الصراعات الطائفية والدينية والميليشيات ا لمسلحة.
ويستطرد الدكتور وسيم السيسي: إنني أري إزاء كل ذلك أن هناك تقصيرا خطيرا من جانب الشريحة التي تطلق علي نفسها النخبة المثقفة في بلادنا ولا أجد إسهاما إيجابيا منها في اتجاه توعية الناس بحقائق التاريخ والمؤامرات التي تحاك ضد منطقتنا لتفتيتها وتدميرها, علاوة علي تسليط الضوء علي عظمة مصر التي نجت من تلك المؤامرات بفضل تماسك شعبها ووحدته مع قيادتها وجيشها.
*** حرصت علي عرض ما قال الصديق العزيز الدكتور وسيم السيسي حتي نعيه جميعا ونتمسك بوحدتنا التي تحطمت عليها المؤامرات والمخططات الشيطانيةـ تلك المؤامرات التي لم ولن تنتهي وستظل تحاول إخضاع مصر والقضاء عليها.. ودعونا ألا ننخدع أمام توالي اللقاءات الرئاسية بين قيادتنا الحكيمة وبين قيادات تلك الدول التي تدعي ظاهريا بأهمية مصر وثقلها الاستراتيجي وحرصها علي التعاون معها علي كافة الأصعدة, بينما تختفي وراء هذه التصريحات الزخرفية نوايا شيطانية تحاك داخل الغرف المغلقة ومخططات لا تيأس من محاولة النيل من مصر… لكن الحمد لله أن قيادتنا تعي ذلك تماما وتدير علاقات مصر وأمنها القومي مع تلك الدول بكل حكمة وحنكة.