عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق عن البعد الموسيقي للحن القبطي التي جعلته مميزا عن أي لحن آخر وكان حديثنا عنه من ناحية التأليف والمقامات الموسيقية. واليوم سوف أتحدثمعك عن البعد الموسيقي للألحن القبطية من النواحي الأخرى.
فمن ناحية الأوزان والضروب الإيقاعية فقد حرصت الكنيسة القبطية أن تجعلها محدودة وبسيطة للغاية، فالكنيسة القبطية لا تعتمد فى تسابيحها على الإبهار الإيقاعي في الأوزان والضروب، لأنه من المعروف أن الإيقاع العنيف له تأثير قوى على الجسد وليس الروح، كما أنه كلما زادت الكثافة الإيقاعية فيالإلحان كلما كان لهذا مدلولاً على ضحالتها وضعف قيمتها الموسيقية والروحية. ويُستدل على ذلك بعدد الآلات الإيقاعية الذي لا يتعدى نسبة 5 في المائة في أكبر أوركسترا فيلهارموني إذا تم مقارنته بعدد الآلات في الفصائل الأخرى: الوترية والنفخ الخشبية والنحاسية. وكما أن دور هذه الآلات يكون محددا ومحدودا للغاية حتى أن عدد الموازير التي يصمت فيها الإيقاع قد يصل أحياناً إلى نحو 600 مازورة. هكذا في ألحان الكنيسة القبطية يتم توظيف الإيقاع والآلات الإيقاعية (الناقوس والمثلث) توظيفا دقيقا محدداً ولا يُستخدم إلا في ألحان محددة لأسباب معروفة.
والكنيسة القبطية لم تُقلص عدد ودور الآلات الإيقاعية فيالليتورجيا فحسب، لكنها قلصت أيضا الضروب والأوزان فلم تسمح بأكثر من الأوزان الآتية:-
* الأوزان الثنائية: وهي الأكثر شيوعاً
* الأوزان الرباعية: وهي موجودة في عدد كبير من الألحان القبطية.
* الأوزان الثلاثية: وهي نادرة الوجود مثل لحن ” Aripamev`i” الذي يقال قبل أمانة اللص اليمين يوم الجمعة العظيمة، ولحن Kvri`e `ele`3con الأسترحامية التي تقال قبل دورة الساعة الثانية عشر من نفس اليوم، ومثل مطلع لحن أللي القربان.
*الأداء الحر الأدليبي AdLibitumوعادة ما يتخلل بعض الألحان مثل لحن ” Apekran ” ولحن الآباء الرسل ” Ontoc ” واللحن الإدريبي الحزايني ” Kai vpertov “، كما هو موجود أيضاً في لحن مقدمة البولس والإبركسيس.
إلا أنه بالرغم من ذلك وظف المؤلفون الموسيقيون من آباء الكنيسة هذه الأوزان البسيطة توظيفاً متقناً وإستخدموا أحياناً تغيرات في السرعة والإيقاع أثناء اللحن الواحد في كثير من الألحانلتوصيل معنى روحي معين، كما حدث في لحن الأسبسمس الواطس السنوي ” Pu F5 ” الذي في الجزء الأخير منه يتغير الإيقاع ليعبر عن الوجود في حضرة الله القدوس رب الصاباؤت ( أي الجنود).
عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد إستطعت أن أشرح لك أهمية البعد الموسيقي كأحد أعمدة فهم اللحن القبطي من ناحية الأوزان والضروب الأيقاعية، فإلى أن ألقاك في مقال جديد نتحدث فيه عن بقية بنود البعد الموسيقي للحن القبطي، اتركك مستمتعا بتسابيح الرب الجميلة في كنيستنا القبطية.