تنشر وطني ضمن مواد هذا العدد تحقيقا شاملا عن حديقة الحيوان في الجيزة, التي بلا شك حفرت ذكريات عزيزة في ذاكرة أجيال متعاقبة من المصريين, والتي كانت تعد ضمن أعرق حدائق الحيوان في العالم وفق تاريخ نشأتها الذي يواكب حدائق فيينا في النمسا, وباريس في فرنسا, ولندن في إنجلترا.
التحقيق يحمل عنوان مخطط شامل لتطوير حديقة الحيوان واستعادة رونقها.. وهو يستفيض في عرض الوضع المؤسف الذي وصلت إليه الحديقة من التردي والإهمال سواء في مرافقها أو في ثروتها النباتية والشجرية والحيوانية, ثم يحاول مصالحة القارئ برصد آراء كافة المسئولين حول ملامح تطوير الحديقة التي أسجل منها الآتي:
** السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي: جار تطوير حديقتي الحيوان والأورمان بالشراكة مع خبرات محلية ودولية, وتستهدف تحقيق طفرة في الخدمات الترفيهية المقدمة للمواطنين.
** الدكتور خالد العادلي محافظ الجيزة: التطوير يستهدف إعادة الحديقة إلي رونقها والاستفادة منها كمتنزه.. ومن المخطط إقامة أنفاق وإعادة تخطيط الحركة المرورية, مع ترميم المباني ذات الأهمية الأثرية التاريخية, وتقديم أنواع جديدة ومثيرة من الحيوانات.. ويشمل التطوير إنشاء خط تليفريك طائر للربط بين حديقتي الحيوان والأورمان, وإنشاء منطقة الخيمة الشبكية وفندق ومخيم بيئي وتطوير مناطق البلازا.
** المهندس ماجد السرتي رئيس مجلس إدارة الشركة مطور حديقة الحيوان: الحديقة ستكون بلا حواجز مع تطبيق أعلي معايير الأمان العالمية التي تتيح للمواطن الاستمتاع بالحيوانات كأنها في البرية دون أدني خطورة.
*** تعددت وتشعبت الآراء التي يقدمها التحقيق وتبارت في عرض أوجه تطوير الحديقة وربطها بحديقة الأورمان مع تحديث مرافقها ومبانيها وممراتها… لكنني في الحقيقة كنت أبحث عن أمر آخر أعتبره مربط الفرس وسبق أن كتبت عنه تفصيلا في هذا المكان… إنه مبدأ فك أسر حيوانات الأقفاص هذا المبدأ الحيوي والحضاري الذي يزحف منذ عقود علي القائمين علي حدائق الحيوان في العالم ليغير من نظرتهم إلي حدائق الحيوان التقليدية مهما كان قدمها ومهما كانت عراقتها, فقد آن الأوان ليتخلي الإنسان عن غروره وزهوه بالاستحواذ علي مجموعات كثيرة متنوعة من الكائنات البرية والبحرية والطيور والزواحف والحشرات وغيرها ليضعها داخل أقفاص ويعتدي علي حريتها وينصب نفسه وصيا علي فطرتها ويتولي إعالتها وتغذيتها ورسم حدود حركتها في الإطار الذي يغتصب بيئتها الطبيعية لحساب ضمان إسعاد الإنسان في تمتعه بها وزيارتها بين الحين والآخر… ويالها من متعة قاسية بائسة إذا نظرنا إلي صالح كافة أشكال الحياة البرية التي نعتدي عليها.
في هذا الإطار استوقفني ما صرح به المهندس ماجد السرتي الذي قال: الحديقة ستكون بلا حواجز مع تطبيق أعلي معايير الأمان العالمية التي تتيح للمواطن الاستمتاع بالحيوانات كأنها في البرية دون أدني خطورة… وهذا عينه ما كتبت منذ سنوات مستعرضا الأنماط الحضارية الحديثة التي حلت محل حدائق حيوان الأقفاص والتي زحفت علي الكثير من منتجعات الحياة البرية حول العالم, وإذ أعيد استعراضها أقول إن ذلك لا يمثل القضاء علي إرث حديقة الجيزة أو حديقة الأورمان اللتين ستظلان محميتين نباتيتين وشجريتين رائعتين بما تضمانه من مجموعات نباتية ثرية ومتنوعة تجتذب المصريين والزائرين وتحتفظ كل منهما بدورها كمتنفس مبهج للعاصمة. أما فكر إيواء الحياة البرية بكافة أشكالها وتنوعها فآن الأوان ليتجه إلي أي من البديلين الآتيين:
** حدائق السفاري: وذلك عن طريق إخراج حديقة الحيوان خارج الكوردون العمراني الضيق الذي يحاصرها ويخنق تطويرها للحيوان وليس للإنسان.. إخراجها إلي رحب متسع ومساحات شاسعة تستطيع توفيرها أرضنا المصرية خارج المدن… هناك يتم تخطيط منطقة رحبة تضم مساحات مفتوحة تلائم سائر الأنواع للحيوان والطيور والزواحف والحشرات وغيرها من فصائل ومجموعات الحياة البرية بحيث تتيح لكل منها حرية الحركة والانطلاق والتنقل عبر بيئة تحاكي البيئة الطبيعية التي تنتمي إليها, ويتاح للزائرين التجول بين هذه المساحات خلال ممرات آمنة معدة خصيصا لهم لا تتعارض مع الحركة الطبيعية للحياة البرية… وشريطة تحريم الأقفاص وتجريم اتصال الإنسان بالحياة البرية سواء بإطعامها أو بامتطاء ظهورها أو التصوير الفوتوجرافي معها!!!
** المحميات الطبيعية: وهذه هي قمة الرقي والتحضر الإنساني في مجال اتصال الإنسان بالحياة الطبيعية, حيث لا يمتلك الإنسان الحق في استضافة أي من الكائنات بعيدا عن بيئتها الأصلية لمجرد إتاحتها للزائرين من البشر.. فلا يمكن أبدا قبول استضافة أنواع لا تنتمي إلي الطبيعة الجغرافية أو المناخية للدولة مثل جلب الحيوانات القطبية المنتمية إلي المناطق الثلجية أو الحيوانات والطيور الاستوائية أو الحياة البحرية الغريبة عن بيئتها… إنما ما يتم احتواؤه هو رصد المناطق الجغرافية الغنية بفصائل محدودة من الحياة البرية وترسيم حدودها دون أي تدخل إنساني وحماية الحياة البرية فيها وتجريم التدخل في مسار فطرة الحياة الطبيعية فيما يخص المأكل أو التكاثر أو الافتراس حتي تأخذ الحياة البرية مسارها الطبيعي دون تدخل إنساني… ويكون لمرتادي هذه المحميات الطبيعية متعة معاينة المنظومة الطبيعية التي أرادها الخالق القدير دون أدني تدخل أو عرقلة من جانب الإنسان وغروره وصلفه.