كان المفكر والكاتب والأديب عبدالله النديم (1842-1896م), واحدا ممن اهتموا بقضية الوحدة الوطنية والعلاقة بين المصريين بعضهم بعضا. وقد اشتهر النديم بأنه صحفي الثورة العرابية (1881-1882م) وخطيبها الأول وأهم عنصر في جهازها الإعلامي, وكان قد اختفي عقب فشل الثورة ووقوع الاحتلال البريطاني لمصر, لكنه عاد إلي الظهور في بداية التسعينيات من القرن التاسع عشر, وبالتحديد في عام 1892م, بعد فترة اختفاء دامت لمدة نحو عشر سنوات بعدها تم القبض عليه, ولكن صدر العفو عنه من جانب الخديو عباس حلمي الثاني (1892-1914م).
عاد النديم وعاد أيضا للعمل والتواجد في المجال العام, ولكن علي طريقته الخاصة, ففي يوم 24 أغسطس من سنة 1892م أصدر عبدالله النديم مجلة (الأستاذ) بمدينة القاهرة بالتعاون مع أخيه عبدالفتاح النديم, وكانت (الأستاذ) واحدة من أهم الصحف التي صدرت في تلك الفترة من تاريخ الوطن, حين كانت البلاد تئن تحت وطأة الاحتلال البريطاني, وكانت (الأستاذ) مجلة علمية تهذيبية فكاهية, أسبوعية, مديرها عبدالفتاح النديم الإدريسي ومحررها عبدالله النديم.
كان النديم ممنوعا من الكتابة في الأمور السياسية, فاهتم بالقضايا الاجتماعية, التي تؤثر حتما علي الوضع السياسي والاقتصادي, وتساعد في نهضة المصريين وتنوير عقولهم وتثقيف أذهانهم.
في مجلته (الأستاذ) كتب النديم مرارا عن الوحدة الوطنية التي تجمع بين المسلمين والأقباط من أبناء مصر, مؤكدا ضرورة الالتئام بينهما ومشيرا إلي خطورة التحزب والفرقة والانقسام.
في عدد مجلة (الأستاذ) الحادي والثلاثين من السنة الأولي والصادر في 21 مارس 1893م وتحت عنوان المسلمون والأقباط نشرت المجلة, وأغلب الظن أن عبدالله النديم نفسه هو كاتب هذا الموضوع, تدعو إلي تكوين جمعية تبحث في شئون الوطنية, حيث يقول كاتب المقال عن المسلمين والأقباط:
هم أبناء مصر الذين ينسبون إليها وتنسب إليهم لا يعرفون غير بلدهم ولا يرحلون لغيرها إلا زيارة, قلبتهم الأيام علي جمر التقلبات الدولية وقامت الدنيا وقعدت وهم هم إخوان الوطنية يعضد بعضهم بعضا ويشد أزره في مهماته يتزاورون تزاور أهل بيت ويشارك الجار جاره في أفراحه وأتراحه علما منهم أن البلاد تطالبهم بصرف حياتهم في إحيائها بالمحافظة علي وحدة الاجتماع الوطني الذي يشمله اسم مصري من غير نظر إلي الاختلاف الديني وقد كانوا كذلك أيام الجهالة والهمجية وأيام التقدم الأول وهم الآن أحوج للالتئام وتوحيد السير من أيام الجهالة فقد عمتهم المعارف وتحلوا بالآداب ووجد في الفريقين أعداد كثيرة من الفضلاء وأرباب الأقلام والملاعب الدولية تشخص أمامهم أدوارا توجب عليهم مجاراة الأمم في البحث عن حوافظ الوطنية والتمسك بما يؤيد سيرهم المصري تحت رعاية وعناية أميرهم المفخم السالك بهم سبل الخير والإصلاح..
ويقترح الكاتب تأسيس جمعية وطنية مصرية تبحث في الوطن وخصائصه فيقول: إنا وإن رأينا الألفة والمحبة علي ما كانتا عليه من عهد دخول الإسلام في مصر إلي الآن ونعلم أن ذكاء نبهاء الفريقين يبعثهم علي التمسك بحبل الارتباط الوطني ولكننا نحب أن تزداد علاقات الوطنية بعقد جمعية مصرية موضوعها البحث في الوطن وخصائصه وواجبات وضروريات حياته ولا تخرج في هذا كله عن الأدبيات والمحافظة علي ما بين المصريين وغيرهم من روابط المحبة..
ويضيف الكاتب قد رأينا كل جنس له جمعيات وطنية ونحن لا جمعية لنا تبحث في الوطنية فإن الجمعية الإسلامية والجمعية القبطية لا تعلق لكل منهما بما نحن في صدده فإنهما جمعيتا إعانة وتربية أيتام. ولا يشك عاقل في أن تكوين جمعية من الفريقين يفيدهما فوائد جمة أدبية ويحول بينهما وبين النزعات الأجنبية وما يمنع المصريين من ذلك وهم بين يدي أمير محب للفريقين لا يفرق بين تابع وتابع بل المسلمون والأقباط والإسرائيليون (يقصد اليهود) في حكم الفريق الواحد رعاية ودفاعا واستخداما وحكما فأولي بهم أن يؤيدوا سعيه المشكور في تأييد الوطنية بجمعية تحفظ النظام الوطني بمساعيها الأدبية وما يترتب عليها من تطهير البواطن وتوحيد الكلمة وظهور الوطنية بين رجال هم أحق الناس بخدمة بلادهم بآدابهم وعلومهم.
هكذا اهتمت مجلة (الأستاذ), لمحررها عبدالله النديم, التي أصدرها في تسعينيات القرن التاسع عشر, بقضية الوحدة الوطنية بين أبناء مصر بغض النظر عن اختلاف الدين, وكذا أهمية الالتئام والتماسك فيما بين المصريين, ودعت صراحة إلي تأسيس جمعية تبحث في هذا الشأن.