تنشر وطني في هذا العدد سجلا وثائقيا بمناسبة مرور 110 أعوام علي تأسيس نقابة المحامين, التي تعد واحدة من أعرق النقابات المهنية في مصر, وتمتلك إرثا وطنيا عظيما في الدفاع عن الحقوق والحريات تجاوز حقوق الأفراد والمواطنين ليمتد إلي الدفاع عن حقوق الوطن مصر علي امتداد معاركها من أجل التحرر والاستقلال.
وفي جولة عبر هذا السجل التاريخي المشرف أقدم الملامح الآتية:
** بعد عدة محاولات لم يصبها التوفيق لتأسيس نقابة ترعي شئون مهنة المحاماة تجدد الأمل عام 1910 عندما استجاب الزعيم سعد زغلول الذي كان يشغل منصب وزير الحقانية -العدل حاليا- لطلب عزيز بك الخانكي المحامي وتولي رعاية نص مشروع قانون نقابة المحامين وعرضه علي مجلس الوزراء.
** بناء علي دعوة يحيي باشا إبراهيم رئيس محكمة الاستئناف الأهلية اجتمع 336 محاميا بتارخ أول نوفمبر 1912 في سراي محكمة الاستئناف الأهلية حيث تم الإعلان عن تأسيس أول نقابة للمحامين وانتخاب 15 عضوا لمجلس النقابة رغم اختيار إبراهيم بك الهلباوي أول نقيب للمحامين… وفي يناير 1913 ـ في مثل هذا الشهر منذ 110 أعوام ـ اجتمعت أول جمعية عمومية لنقابة المحامين حيث وافق الأعضاء علي نظامها الأساسي.
** بعد ست سنوات علي تأسيس النقابة ومع نهاية الحرب العالمية الأولي عام 1918 شارك نقيب المحامين عبدالعزيز فهمي بك الزعيم سعد زغلول ورجل المال علي باشا شعراوي في الوفد الذي ذهب لمقابلة السيرونجت المعتمد البريطاني في مصر, وكان ذلك في 13 نوفمبر 1918 لمناقشته حول مستقبل مصر بعد الحرب واستقلالها عن بريطانيا.
** شاركت النقابة بقوة في أحداث ثورة 1919 مساندة لمطالب الوفد المصري ومن ورائه الشعب نحو الاستقلال وانضم نقيب المحامين عبدالعزيز فهمي إلي الوفد المصري الذي سافر إلي باريس للتفاوض حول حق مصر في الاستقلال برئاسة الزعيم سعد زغلول ورفاقه بعد عودتهم من النفي.. وبناء عليه قررت النقابة التي ودعت نقيبها المنضم للوفد أن تنتخب نقيبا يحل محله, وتم انتخاب مرقس حنا نقيبا, وكان ذلك بمثابة لطمة علي وجه محاولات الإنجليز التفرقة بين المصريين بالتلويح بحماية الأقليات وترسيخا لدعائم الوحدة الوطنية وربطا للنقابة بالكفاح الشعبي.
** في وجه محاولات الحكومة منع وصول مكرم عبيد إلي منصب نقيب المحامين باعتباره قطبا من أقطاب حزب الوفد المعارض لها ـ وكان ذلك علي أثر قيام رئيس الوزراء إسماعيل باشا صدقي عام 1930 بحل البرلمان وإنهاء العمل بدستور 1923 ـ قامت النقابة بتحدي الحكومة وانتخاب مكرم عبيد نقيبا… واستمر بعد ذلك الصراع بين النقابة والسلطة عبر العصور المتعاقبة حيث دأبت السلطة علي الفصل بين النقابة والعمل السياسي وحصرها في العمل المهني فقط للمحاماة بينما حرصت النقابة علي مواصلة كفاحها السياسي من أجل الوطن مصر.
*** ما من شك أننا إزاء هذا السجل المشرف الوطني العظيم نحمل كل التقدير والاعتزاز لنقابة المحامين العريقة ونثمن دورها الراسخ في منظومة القضاء المصري كركن لا غني عنه في تحقيق العدالة وتفعيل القانون.. لذلك تبقي بعض الملاحظات التي تعتمل في نفسي والتي أسجلها وأرجو أن تجد طريقها نحو تنقية مسار المحاماة من شوائب تكتنف ثوبها الناصع البياض:
* أثق تماما في وجود ميثاق شرف لمهنة المحاماة يعلق في صدر كل من ينال شرف الانضمام إلي هذه المهنة السامية ويتصدي للدفاع عن حقوق المظلومين… كما أثق أن النقابة لديها من الآليات الخاصة بتفعيل ميثاق الشرف ومحاسبة كل من يخالفه… فلماذا تصادفنا بين الحين والآخر بعض الممارسات التي لا تتسق مع معايير الذود عن الحق وابتغاء العدالة؟
* ماذا نقول إزاء زهو نفر من المحامين بقدرتهم علي تبرئة موكلين لهم مدانين بمخالفة القانون في قضايا شتي بفضل قصور في الإجراءات أو خطأ في التسبيب؟… قد يسمح القانون بذلك لكن يجب أن يظل ضمير المحامي يقظا في البحث عن العدالة لصالح المجتمع وليس متربصا بتقاعس إجرائي للفوز بتبرئة متهم!!
* أين ضمير المحامي الذي يقبل أن يصيغ عريضة دعوي تكيل الاتهامات للخصم دون أن تقدم الأدلة الدامغة لها أو المستندات المؤيدة لها؟… وإذا كان قانون الإجراءات الجنائية يسمح بذلك, وإن كان مصير تلك الدعوي أن ترفض في ساحة القضاء لعدم توفر الأدلة فتبقي مغبة تعطيل منصة العدالة واستنزاف وقتها في نظرمثل تلك الدعاوي.. فهل تتابع نقابة المحامين مثل هذه التجاوزات؟ وهل تمتلك آليات محاسبة المحامين من أعضائها الذين تسول لهم أنفسهم خداع موكليهم بذلك؟
* يتم ترويعنا بين الحين والآخر ونحن نتابع تداعيات جرائم رهيبة تحدث في الشارع المصري ـ بين جرائم حوادث السيارات التي يقودها شباب متهور مخمور بسرعات جنونية تودي بحياة أبرياء, وجرائم تتصل بالتطرف والإرهاب, وجرائم تحرش وهتك عرض… وغيرها وغيرها… وكلها جرائم يروع المجتمع منها ويتوقع من منصة العدالة الانتفاض للإدانة وإنزال القصاص بالمتهمين ـ لأن في مثل تلك الجرائم نعرف أن علي جهات التحقيق الذود عن حقوق الضحايا ومعهم حق المجتمع ـ إذا لا فكاك من العدالة والقصاص ـ فما بالنا نتابع بكثير من الاستنكار والتعجب تصدي نفر من أساطين المحاماة للدفاع عن أولئك المتهمين المجرمين في حق الضحايا والمجتمع علي السواء ـ خاصة إذا كان المتهم سليل أسرأو جماعات الأثرياء وأصحاب النفوذ ـ وفي ذلك يستبيح المحامون أن يلجأوا إلي شتي وسائل تزييف الأدلة أو إغراء الخصوم بالخضوع للمصالحة مقابل التعويض المادي أو تهديد الخصوم وإرهابهم للتنازل عن دعاواهم.. ونقف جميعا إزاء تلك الممارسات المعوجة نبحث عن العدالة الناجزة ونتساءل: هل تقبل نقابة المحامين تلك الممارسات لترسيخ العدالة؟… وهل تدرك نقابة المحامين ما تصدره تلك الممارسات لمجتمع يعول عليها كثيرا؟