بقلم: م. منــير وصـــفي بطـــــرس
باحث في موسيقى الألحان القبـطية
مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي
بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة
نستكمل بنعمة ربنا دراسة لحن التوزيع الكيهكي.
الفكرة الموسيقية الثالثة ونسميها (F1-F2-F3…..F12)(المزمور المائة والخمسون) (من الدقيقة 5:09 – 11:13):
في الطقس الكيهكي تُبنَى الجُملة على أسلوب “النيوماتيك”، وهو وسط مابين الأسلوب “السيلاباتي”(الدمج أي كل حرف أو حرفين لفظيين يقابلهم نغمة واحدة)، والأسلوب “الميليسماتي” (التطويل النغمي فترات طويلة على حرف لفظي واحد)، فأسلوب “النيوماتيك” هو أن كل حرف لفظي يقابله حوالي ثلاث أو أربع نغمات كما هو موجود في هذا اللحن، وهذا الأسلوب يجمع مابين الغناء بكلمات كثيرة، والتطويل البسيط في كل كلمة على حدة،وهذا يُحَقِّق معنى النشاط التسبيحي، كما يُحَقِّق فكرة التأمل في الكلمات أيضاً، وفي هذا اللحن تُتَكَّرر هذه الفكرة 12مرة، وفي كل مرة تنقسم الفكرة إلى جزئين الجزء الأول آية من المزمور، والجزء الثاني هو المرد “الليلويا”، أما من حيث المقام الموسيقي فهو يتحول إلى “الجهاركاة” أحد فروع مقام العجم، وفيه إحساس الفرح الوقور، كما أن سرعته المتأنية (حوالي 110-120 نبضة في الدقيقة)، وله ميزان رباعي ذو نبضات قوية فخمة، تحمل داخلها الفرح والنشوة.
ختام المزمور المائة والخمسون ونسميه (G) (من الدقيقة 10:56 – 11:13):
ينتهي المزمور بجُملة أخيرة في التكرار الثالث عشر عندما يقول “كى نين كى آإي….” (الآن وكل أوان ….)، فيها تثبت النغمات على نغمة الأساس، لتصبح مجرد نبضات في نهاية هذا الجزء، حاملةً معنى التأكيد على فكرة إستمرار تمجيد وتسبيح الله المثلث الأقانيم إلى الأبد قائلين “هلليلويا”.
الفكرة الموسيقية الرابعة المُكَرَّرة ونسميها (H1) (هلليلويا الرابعة) (من الدقيقة 11:14 – 13:29):
وبعد التسبيح بالمزمور المائة والخمسين بأسلوب “النيوماتيك” يستكمل الملحن أفكاره الموسيقية بأسلوب “الميليسما” (الإطناب النغمي) مرة أخرى، قائلا “الليلويا” للمرة الرابعة وهنا يُعِيد للأذهان لحن التوزيع نفسه ولكن بالطقس السنوي، واستخدم اسلوباً ذكياً في إدخال اللحن بسلاسة، فقد أدخل جملة صغيرة منه (حوالي سبع موازير) (من الدقيقة 11:20 – 11:40)، حتى يُهَيِّيء الأذن إلى هذا التحول من اللحن الكيهكي إلى اللحن السنوي، ثم أضاف وَصلَة موسيقية وهي أيضا إقتباس من لحن “شيرى نى ماريا” الذي يقال في التسبحة، ليَرجِع مرةً أخرى بذكاء إلى جزء أكبر وأوضح من لحن التوزيع السنوى (حوالي 18 مازورة منه) (من الدقيقة 11:58 – 12:48)، ونحن نستغل هذه الاقتباسات في هذه الفكرة لنَخرُج بتأمل من واقع موسيقية هذا الجزء، وكأن الكنيسة تقول لنا أن التسبيح لا يقتصر على شهر التسبيح كيهك فقط، بل لابد أن يستمر تسبيحُنا خلال السنة كلها، فلجأت إلى الطقس السنوي (الذي يُمَثِّل أكثر من 200 يوم)، وكأن وصولنا إلى شهر كيهك يكون هو الحافز لنا حتى نستكمل باقي أيام حياتنا في تسبيح وشكر دائم لله على إحساناته خلال السنة، وتكون طبيعة صلواتنا هي اعتياد التسبيح والشكر والتمجيد لله، بل لا تخلو مواقف أو مناسبات في حياتنا عن التسبيح، فهو العمل الوحيد الذي سيبقى معنا حتى بعد موتنا في الحياة الأبدية، وفي هذه الجزئية أيضا نتذكر والدة الإله العذراء من خلال الاقباس للحن “شيرى نى”التسبحة (من الدقيقة 11:47 – 11:56)، ونحن نحتفل بتذكارها في شهر كيهك (الشهر المريمي) مُتذَكِّرين أنها عاشت حياة التسبيح الدائم، بل صارت هي نفسها سماء لله، وكأن الكنيسة تشجعنا بأعظم مثال نقتدي به حيث قالت في تسبحتها الخالدة “تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي”، ونحن نقول معها تُعَظِم أنفسُنا الرب، وتبتهج أرواحُنا، وينطق لسانُنا بالتهليل قائلين (هلليلويا)، لربنا الذي تجسد لكي يخلصنا من خطايانا.
ثم يكمل اللحن باقتباسات أخرى، مثل لحن “طاي شوري السنوي” (من الدقيقة 12:55 – 13:02)، وهنا أيضاً يُعِيد للأذهان هذا اللحن؛ حتى يوضح لنا أن التسبيح هو صلاة مثل البخور المتصاعد الذي يرتفع إلى السماء حاملاً داخله رائحة العِطر الزكية، وكأن تسبيحَنا الدائم والمستمر من قلبٍ مستعد، يكون بمثابة البخور الذي يَشتَمَّهُ الله في حالة رِضا وسرور، حينما نُقَدِّم ذواتِنا لله وتَتَوافق مشيئتُنا مع مشيئته في كل شيء، كما فعلت أمنا العذراء.
وبعد ذلك يَمُر في الجزء الأخير من هذه الفكرة باقباس آخر من لحن الطَرح الذي يُقال في أسبوع الآلام (من الدقيقة 13:10 –13:29)، فيها نتذكر شيئين، الأول: وهو آلام المسيح لأجلنا التي احتملها في تجسده لكي يفدينا، فنسبحه قائلين: “مستحق هو الحَمَل المذبوح أن ينال القُدرة والغِنَى والحكمة والقوة والإجلال والمجد والبَرَكَة” (رؤ 5: 12) لأنه اشترانا بدمه، والشي الآخر وهو أن تسبيحنا يُمَثِّل ذبيحة لله حينما نُخضِع مشيئتَنا لمشيئة الله،فنسبحه في كل الظروف حتى في وقت آلامنا وأتعابنا، ونتذكر أنه إن كنا نتألم معه فلكي نتمجد أيضاً معه، مختتمين هذا الجزء كله بعبارة “ذوكصاصي أوثيئوس إيمون” باللغة اليونانية التي تعني (المجد لإلهنا) .
تكرار الفكرة الموسيقية الرابعة ونسميها (H2) (هلليلويا الخامسة) (من الدقيقة 13:30 – 15:42):
وكل هذه الفكرة السابقة تُكَرَّر مرة ثانية فننطق كلمة “الليلويا” للمرة الخامسة بأسلوب “الميليسما” مختتماً هذا الجزء بعبارة “بي أوأوو فا بينوتي بى” ولكن هذه المرة باللغة القبطية وتعني أيضاً(المجد لإلهنا)، وهذا مناسب جداً عندما نسبحه ونعطيه المجد في أكثر لحظات ضعفه جسدياً في آلامه وعلى الصليب، فبموته داس الموت، وبموته انتصر على الشيطان، وبموته أخرج الذين في الجحيم وأرسلهم إلى الفردوس، وبموته أعطانا الفداء والخلاص من خطايانا، ونحن حينما نسبح ونحن أيضاً في حالة ضعفنا نتصل بالله مصدر القوة فنتقوى به .
الفكرة الموسيقية الخامسة ونسميها (I) (هلليلويا السادسة) (من الدقيقة 15:43 – 16:12):
وهي عبارة عن جملة موسيقية تكرر مرة أخرى ولكن بتذييل قصير،وهي آخر هلليلويا، وتعتبر السادسة بأسلوب “الميليسما” كما أنهاالمرة العشرون التي نردد (هلليلويا) في اللحن كله، ونغماتها تعلو في طبقات عالية فنكون في تسبيحنا وصلنا إلى عنان السماء،لتعلو وتتواصل مع تسابيح الملائكة، طالبين من الله أن يستجيب ويستمع إلى تسبيحاتنا فنأخذ النعمة والبركة من عُلُوِّهِ .
ختام اللحن ونسميه (J) (من الدقيقة 16:13 – 16:45):
وينتهي اللحن مثل باقي ألحان التوزيع بالعبارة الشهيرة (يسوع المسيح ابن الله اسمعنا وارحمنا)، طالبين من ربنا يسوع المسيح مَن تجسد لأجلنا، أن يسمع صلاتنا وتسبيحنا، وأن يرحمنا فيتغاضى عن خطايانا وآثامنا وضعفاتنا، ويتعامل معنا حسب رحمته وحنانه المُمتَزِج بِعَدلِهِ .
رابط اللحن بصوت المعلم الكبير إبراهيم عياد: