من دروس الميلاد: البساطة
نلاحظ في قصة الميلاد أن هناك أشخاصا اختارهم الرب.
وأعلن لهم مشيئته بينما هناك آخرون ـ علي الرغم من علو مكانتهم ومراكزهم ـ لم يقع اختيار الرب عليهم. فمثلا أعلن الرب بشارة الميلاد للرعاة. وللمجوس. فسمعوا وفرحوا. وذهبوا إلي هناك. وسجدوا..
حديث هذا. بينما لم تعلن هذه البشارة لكثيرين من القادة كالكتبة والفريسيين والكهنة وشيوخ الشعب… فلماذا؟
ذلك لأن أسرار الرب. تعلن لقلوب بسيطة تفرح بها.
المجوس والرعاة كانوا بسطاء. سمعوا فصدقوا ففرحوا وآمنوا. وذهب المجوس وقدموا هداياهم. وكما أرشدهم الرب في حلم. نفذوا ما أراد (مت 2: 12).
أما الكبار فلم تكن قلوبهم مستعدة. ولم تكن بسيطة.. ومثل ذلك هيرودس الملك. الذي لما سمع الخبر اضطرب وكل أورشليم معه. (مت 2:3).
واستخدم الفحص والاستقصاء. وأيضا الكذب والحيلة والتآمر.. أمامك النوعان من الناس. فمن أي نوع أنت؟
هل أنت من المستحقين أن يعلن لهم الرب أسراره؟
ولعلك تسأل: من أين لي إذن أن أعرف؟ فأجيبك أن الاستحقاق يحتاج إلي بساطة قالب كقلوب الرعاة البسطاء. فكالمجوس الذي علي الرغم من كونهم حكماء إلا أنهم كانوا بسطاء أيضا. ولم يكن في قلوبهم مكر كهيرودس وأمثاله: فلما أرشدهم النجم. صدقوا وتبعوه. ولما أعلن لهم في حلم ألا يرجعوا إلي هيرودس. صدقوا ونفذوا. ولما رأوا الرب كطفل. وفي مذود. لم يشكوا . بل آمنوا وصدقوا.. إن الإيمان يحتاج بلا شك إلي بساطة قلب..
العذراء القديسة. كانت لها بساطة قلب أيضا. فآمنت بما قيل لها من قبل الرب (لو1:45). وصدقت أنها ستلد وهي عذراء.
ويوسف النجار أيضا آمن بنفس الموضوع, لما أوحي له بذلك في الحلم.. ونحن في هذه المناسبة علينا أن نسأل أنفسنا:
هل نسلك ببساطة قلب. أم بتعقيد وشك؟
إن العالم المعاصر للأسف الشديد ـ في حياته الكثير من التعقيد. وإن كان للمدنية المعاصرة أخطاء. فلعل في مقدمتها أنها أفقدت العالم بساطة القلب والبساطة كنز عظيم. من الخسارة إن يضيع.
والبساطة غير السذاجة. ويمكن أن تكون بسيطا وحكيما ولقد دعانا الرب أن نكون بسطاء وحكماء بسطاء كالحمام. وحكماء كالحيات(مت 10:16) والمجوس كانوا بسطاء وحكماء فليتنا نحن أيضا نكون كذلك. نكون بسطاء في غير انقياد وفي غير جهل. إنما مع حكمة. ولكن في غير تعقيد..
من دروس الميلاد: ملء الزمان..
قيل عن السيد المسيح إنه جاء في ملء الزمان (غل: 4:4).
مع أن الوعد بالخلاص أعطي لآدم وحواء قبل ذلك بآلاف السنين. ونحن في ميلاد الرب نتذكر ملء الزمان هذا. وأن كل شيء يتم في حينه الحسن, حسب إرادة الرب الذي يحدد الأمنة والأوقات.
إيماننا بملء الزمان. يجعلنا نصبر. ول نقلق..
بل في طمأنينة كاملة, ننتظر الرب, من محرس الصبح حتي الليل (مز 129), عالمين أن السرعة ليست هي المقياس السليم. بل اختيار الرب للوقت المناسب. وعندما يأتي الوقت المناسب. لابد أن يعمل الرب عملا..
سعي الله لخلاصنا.
من المعاني الروحية التي نتعلمها من قصة التجسد والميلاد.
أن الله هو الذي يسعي لخلاصنا, وأن خلاص الإنسان هو عمل الله نفسه. حتي لو قصر الإنسان أو أهمل في خلاص نفسه. فإن الله يهتم به.
كانت البشرية الخاطئة عاجزة عن تخليص نفسها. فأتي الله ليخلصها.
قال القديس يعقوب السروجي. إنه كانت هناك خصومة بين الله والإنسان ولما لم يستطع الإنسان أن يذهب إلي الله ليصالحه. نزل الله إلي الإنسان لكي يصالحه..
إذن الله هو الذي بدأ عملية الخلاص هذه. هو الذي وعد بها, وهو الذي أعد لها. وهو الذي تمم العمل كله. وما كان ممكنا أن يتم الخلاص بدونه.
قصة الميلاد هي بداية عمل الخلاص كله. لما رأي سمعان الشيخ هذه البداية. قال الآن يارب تطلق عبدك بسلام. لأن عيني قد أبصرنا خلاصك (لو 2: 29ـ30).
إن ميلاد السيد المسيح ليس هو مجرد ميلاد عادي. إنما هو دليل الحب الإلهي العجيب هكذا أحب الله العالم, حتي بذل ابنه الوحيد (يو3:16). وطبعا أرسل ابنه لكي يبذله عن العالم. فهذا البذل أو الفداء هو سبب التجسد الإلهي.
هو مجيء محبة الله إلي العالم
وكلما ننظر إلي صورة ميلاد المسيح. نتذكر حب الله للبشرية.
نتذكر سعية لخلاصهم. نتذكر الرب الذي جاء يطلب ويخلص ما قد هلك (لو 19:10). من أجل خلاصنا أخلي ذاته. وأخذ شكل العبد. تجسد. واحتمل ضعف البشرية. وجاع وعطش وتعب. وتعرض للإهانات. وتحمل الآلام. صلب. وقبر وقام ـ أي حب أعظم من هذا ـ نتذكره كلما تأملنا ميلاده.. ولد في مذود بقر. لكي يرفعنا إلي العرش في الأبدية.
صار ابنا للإنسان. لكي يجعل الإنسان ابنا لله.
أخذ الذي لنا. لكي يعطينا الذي له. حمل خطايانا. لكي نحمل بره.
مجيئه إلي العالم. كان لونا من الافتقاد ومن الرعاية. افتقد به جنسنا اليشري. أرسل الأنبياء والرسل والملائكة لتعد الطريق قدامه. ثم جاء أخيرا بنفسه. وكل هذا يدل علي عمق محبته لنا. وإنه لا يشاء أن نهلك في خطايانا.
فإن كان الله يحبنا بهذا المقدار, فلنحبه نحن أيضا.
وإن كان الله يسعي إلي خلاصنا بكل هذه التضحية والبذل, فلنحرص نحن علي خلاصنا. ولنشترك معه في العمل.. نسعي لعلنا ندرك الذي لأجله أدركنا المسيح (في 3:12).
هذا أيضا درس آخر نتعلمه من الميلاد. وإن كنا لا نهتم بخلاصنا, لا تكون قد دخلنا إلي فاعلية الميلاد في حياتنا.
روح المناسبة
لابد أن هناك دروسا أخري كثيرة نأخذها من ميلاد الرب. ولكن الشيء المهم هو أن ندرب أنفسنا علي الاستفادة من هذه الدروس.
في هذا العيد, وفي كل عيد يمر بكم. وفي كل مناسبة روحية. ادخلوا في روح المناسبة. اكتشفوا روحياتها, وطبقوها في حياتكم. قولوا في أنفسكم: أي درس يريد الله أن يعطيه لنا في هذه المناسبة؟ وما هي رسالة الله إلينا فيها؟ استفيدوا من هذا اليوم المبارك. فلا يمر مرورا عابرا دون أن يكون له أثر في حياتكم العملية.
اشعروا أن العيد قد أحدث في حياتكم تغييرا إلي الأفضل: وأن العيد كانت فيه دفعة قوية. دفعتكم إلي قدام, وقربتكم بالأكثر إلي الله. واذكروا أن العيد هو أحد مواسم الرب وأعياده. وقد أعطانا الرب أن نفرح فيه فرحا روحيا. لتكون لنا فيه حياة. ويكون لنا أفضل.