يقول داود النبي في المزمور:لاتخف إذا أصبح إنسان ثريا وإذا ما زاد بيته جاها, لأنه لا يأخذ شيئا عند موته ولا ينزل مجده معه(48:17-18).
إنها كلمات تظهر لنا عدم التعلق بالمال, لأن هناك أشخاصا يتوكلون علي ما لديهم من مال ومقتنيات وثراء, دون التفكير في الله الذي يهبهم كل شيء حتي أنهم صاروا عبيدا لما يملكون ويمتنعون عن مساعدة الفقير والمحتاج.
وهناك أشخاص يلهثون وراء السعادة المزيفة الكامنة في بريق الذهب والمال طالبين المزيد والمزيد, هؤلاء تجاهلوا أن الغني والجاه يورثان الغم والهم للذين يصيرون عبيدا لهما, ويجعلون كل همهم وشاغلهم الأول في البحث عما يضاعف ثراءهم والحصول عليه بشتي الطرق دون شبع أو قناعة, يحكي أن رجلا ثريا جلس ذات مرة مع ذاته متساءلا: ماذا أنتفع بكل هذا الغني وأنا أشعر بفراغ مميت في داخلي؟ما الذي ينقصني؟ماذا تفعل نفسي لتستريح وتحيا في سلام؟ فذهب إلي حكيم المدينة ليشكو له مشاعره الدفينة طالبا منه المشورة, فأخذه الحكيم نحو النافذة ليتطلع كلاهما من الزجاج تجاه السماء, ثم سأله الحكيمماذا تري؟ أجابه الغنيأري السماء الزرقاء تشع بجمالها الخلاب, فقال له مرة أخري: انظر إلي الطريق, ماذا تشاهد؟, أجابه الغني:أري العديد من الناس يسيرون هنا وهناك, ثم قدم الحكيم له مرآة ثمينة, وسأله:ماذا تري الآن؟أجابه:أري وجهي عندئذ شرح له قائلا:من خلال الزجاج الشفاف رخيص الثمن تري السماء بجمالها الخلاب وتشاهد الناس أخوتك, بينما من خلال المرآة الثمينة فلا تري سوي وجهك, لأن لمعان وبريق الغني والذهب يحجبان عنك رؤية السماء ببهائها والتطلع إلي وجوه الناس, لتنشغل بوجهك فقط, ومن ثم تنحصر حياتك كلها في سجن الأنا المميت, هذه هي نتيجة محبة الغني والعبودية له!, مما لا شك فيه أن البغض والكراهية والحروب في العالم تنتج من حب التملك والأنانية, وينبع عنهما عدم الأمانة وظلم الأشخاص والتمييز في المعاملة, لأن الإنسان لا يشبع أبدا, بل يطلب المزيد والمزيد من الأشياء, ماذا نجني من حب المال والغني دون التفكير في مساعدة المحتاجين والمحرومين؟ وما هي السعادة التي نحصل عليها عندما نخالف ضميرنا في سبيل الحصول عليهما؟
لا ننكر أن هناك الكثير من الأغنياء الذين يستخدمون المال والثروات في أعمال الخير ومساعدة الفقراء والأيتام والمرضي, كما أنهم يريدون الحصول علي المال لتلبية احتياجاتهم ومعيشتهم دون أن يصيروا عبيدا لما يمتلكون, كل هذا بحاجة إلي إرادة صلبة وقناعة داخلية, لذلك يجب علي كل واحد منا ألا يلهث وراء سعادة مزيفة تأتيه من بريق الذهب والمال, والذي يورثنا الهم والغم لأننا صرنا عبيدا للماديات, كما يجب علينا ألا ننسي أن بريق الغني يحجب عنا رؤية جمال الخليقة والتطلع إلي وجوه البشر,حتي تنحصر حياتنا في سجن الأنا المميت, ومن ثم يدفعنا إلي الوقوع في رذيلة البخل وعدم الاهتمام بالآخرين, وعدم الشعور بمعاناتهم وحرمانهم من أبسط الأشياء لسد جوعهم وعلاجهم, ولا نستطيع أن نتخيل ما تجلبه هذه الرذيلة علي صاحبها من تعاسة ومرارة, كما أنها تحزن قلب الله واهب جميع الخيرات, لأن الإنسان الأناني والطماع يحرم الذين هم بحاجة إلي قوتهم اليوم, ولا يوفر لهم أبسط الرعاية الإنسانية, لذلك يجب علينا ألا نبخل إذا علي المحتاجين, بل نقدم لهم ما يحتاجون إليه سواء علي الصعيد المادي أو المعنوي, ونستطيع أن نحرم أنفسنا من أشياء بسيطة لا تكلفنا علي الإطلاق, ولكنها تعوضهم كثيرا, فالعطف علي الآخرين, هو سبيل إلي اكتساب رضا الله واحترام الناس وراحة البال, هذا فضلا عن البركات التي يفيضها الله علينا, لأن فعل الرحمة يحمل معه دائما بركته, وخاصة الشعور بالرضا والسعادة, كما يجب علينا أن ندرك جيدا بأن الحسنة أو الصدقة التي نقدمها للمحتاج, ليست سخاء نفس ومنة, بل هي واجب مقدس, ودين في أعناقنا نوفيه لصاحبه مقدمين له الشكر مع الاعتذار عن تأخرنا ومماطلتنا نحوه, والصدقة الحقة هي محبة المحتاجين واحترامهم, وتضحية ذاتنا من أجلهم, وإدخال المسرة في قلوبهم ومن المؤكد أنه ليست هناك فضيلة تمس قلب الله فيهتز فرحا وغبطة, مثل الرحمة التي نمارسها مع البائس والمحتاج, لأنها من صفات الله مع جميع خلائقه.
ونختم بالقول المأثور:ليس الفقير من يملك قليلا, لكن الفقير هو من يحتاج كثيرا.