عقد مركز جسور للدراسات الاستراتيجية جلسة حوار بحضور مجموعة من الخبراء المعنيين بقضايا الإرهاب والجماعات المتطرفة تحت عنوان “الإرهاب في سوريا وتفاعلاته الداخلية وتأثيراته الإقليمية” بهدف إعادة رسم خريطة للتحركات الإرهابية والمتطرفة الحالية في الداخل السوري وتحديد إمتداداتها الإقليمية سواء تأثيرًا وتهديدًا أو دعمًا وتشجيعًا.
في بداية الجلسة قدم الدكتور مصطفى صلاح الباحث في العلاقات الدولية والأمن الإقليمي تصورًا عامًا عن حالة الجهادية في سوريا، وأبرز العوامل المحيطة بانتشار الجماعات الارهابية بسوريا ببعضها يتعلق بالجماعات نفسها والبعض الآخر يتعلق بالنظام السوري والبعض يتعلق بقوي خارجية خاصة القوى الإقليمية بشمال سوريا.
وأشار صلاح إلى ظهر نوع من أنواع الاندماج الجهادي بين بعض الجماعات المتطرفة والتي تحولت لاحقًا إلى صراع بينهم. فهيئة تحرير الشام تمكنت من بسط نفوذها في شمال غرب سوريا وأضفت على نفسها الطابع المحلي مما ساعدها على التفاوض مع الولايات المتحدة الامريكية. هذا المنظور الذي بدا أن يظهر بتحويل الجماعات الارهابية إلى جماعات محلية تستطيع من خلالها التفاوض وبالتالي نحن أمام نموذج شبيه بطالبان أفغانستان عندما تتحول الجماعات الإرهابية إلى هيئات مسلحة تبسط نفوذها العسكري والسياسي ويتم الإعتراف بها والتفاوض معها.
وحذر صلاح من قدرة الجماعات الإرهابية على التحرك وبناء مجتمعات حاضنة لهم في الإقليم في ظل هشاشة النظام السوري الداخلي وهو ما سيطال دول الإقليم وعودتهم إلى بلدانهم الأصلية خاصة الدول العربية سيمثل تهديدًا لاستقرارها.
من جهة أخرى أبرز السيد رامي عبد الرحمن مدير المرصد السوري لحقوق الانسان، أن النظام السوري استفاد من المنظمات الجهادية لكن هناك أطراف اقليمية داعمة للإرهاب في سوريا حيث أن أول عملية ارهابية في سوريا من تنظيم القاعدة وجبهة النصره وداعش جاءت من العراق من خلال تسهيل الأطراف الإقليمية المتورطة لهم. كما أن هيئة التحرير الشام قتلت اللاجئين السوريين وقامت بخطف الراهبات.
وأشار إلى أن داعش أرسلت إرهابيين إلى ليبيا وكانت تستهدف مصر لولا وضع خط سرت كخط أحمر من قبل القيادة المصرية وهو ما منع تمددها شرقًا في الاتجاه المصري.
وإتهم رامي عبد الرحمن بعض الأطراف الاقليمية داخل سوريا ونوه على أن خطر الأطراف الاقليمية هو الخطر الأكبر على سوريا والشرق الأوسط ويجب على دول المنطقة وضع ذلك دائما في الاعتبار.
أما الأستاذ منير أديب الباحث المتخصص في شئون الحركات الإرهابية والجماعات المتطرفة، أشار أن منظمات الجهاد هي صناعة عدد من الأطراف الدولية واستخدمت ووظفت ذات التنظيمات لتوجيه نفس الضربة للولايات المتحدة فهذه التنظيمات لم تنشأ بعيدا عن القوي الدولية بل بدعمها وتحت أعينها. هناك بعض الأطراف الإقليمية المتداخلة في سوريا ما زالت موجودة وترى أن دعم أمنها القومي في دعم تلك التنظيمات. وهو دعم ليس مصلحي ولكن بعض الأنظمة ترى أن أمنه الحقيقي في دعم تلك التنظيمات واستمرارها.
يرى منير أيضا أن التنظيمات الداعشية أبنة البيئة العربية ووجدت فيها حاضنة لها بسبب انتشار خطاب الكراهية والذي يجب مكافحته على كافة المستويات لأن استمراره يغذي الإيديولوجيا المبررة لوجود هذه الجماعات الإرهابية.
واستنكر أديب أن يتم وضع قوات سوريا الديمقراطية على قوائم الإرهاب عند بعض الدول وهي القوات الوحيدة التي أثبتت جدارتها في محاربة التنظيمات الجهادية وعملت على استقرار المناطق التي حررتها.
وشدد أديب علي أن مصر لديها تجربة ناجحة في مواجهة الإرهاب لذا لابد من تعميم تلك التجربة وكذلك التجارب الناجحة في مواجهة الإرهاب لذا على الجميع أن يتعاون ويواجهه، فلكي نقضي على الإرهاب لابد من أن تكون المواجهة دولية وحاسمة.
وعبر تقنية الزوم شارك السيد فرهاد شامي المتحدث الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، وقام بعرض الموقف الحالي في الداخل السوري حيث إنتشار الجماعات الإرهابية في البادية السورية وأن هناك حملة عسكرية لتطهير منطقة الرقة من الجماعات التي تتخذ من العمليات الفردية تارة والعمليات الجماعية تارة أخرى لإعلان تواجدها بالداخل السوري.
وأكد السيد فرهاد شامي علي أن استراتيجية القضاء على الجماعات الإرهابية تقتضي وجود نظام سياسي سوري يمثل كل السوريين ومتفق عليه من الجميع لأن الإرهاب يستفيد من التشرذم السياسي وينفذ إلى العمق السوري ويعيش على اختلالاته السياسية. كما أشار إلى أهمية البعد الاقتصادي والاجتماعي في محاربة التنظيمات المتطرفة في إيجاد بيئة مستقرة ونمو اقتصادي يؤدي إلي رفض الحاضنات الإجتماعية لنمو أو تعايش هذه الجماعات.
وفي كلمته أشار النائب عاطف مغاوري عضو مجلس النواب ونائب رئيس حزب التجمع، أنه منذ 2012 عندما كان عضو في لجنة الشئون البرلمانية بمجلس النواب وكان وقتها تشكيلته سلفية إخوانية حذر من دعم للجماعات الإرهابية الذي ظهر جليا منذ اليوم الأول للأزمة السورية، كما أنه رفض الموقف المصري وقتها بطرد السفير السوري من القاهرة وسحب السفير المصري من سوريا لأن انسحاب مصر من الملف السوري سوف يعطي المساحة للقوى الأخرى بالتواجد والتغلغل على حساب أمن مصر القومي.
ويشير النائب عاطف مغاوري، إلي رصد عدد 169 تنظيم إرهابي نشط في الداخل السوري وهذا يمثل تهديد حقيقي ووجودي للأمن الإقليمي بمفهومه الضيق والواسع ولابد من دعم كافة الجهود التي تحافظ علي وحدة سوريا وعلي تخليصها من الإرهاب وتجفيف منابعه خاصة من جانبه التركي، ونوه إلي أنه ضد أي عمل عسكري من جانب تركيا يستهدف الشمال السوري فهذا اعتداء مرفوض ويعطي فرصة لإعادة الحياة لبعض التنظيمات الإرهابية التي تتعايش على هذه التدخلات العسكرية التركية.
الأستاذة ليلى موسى ممثلة مجلس سوريا الديمقراطية بالقاهرة أكدت أن هناك خطر يهدد أمن المنطقة عموما والعالم أجمع بوجود الجماعات الإرهابية. ففي سوريا لا يوجد بيت واحد لم يقدم شهيدا في الحرب ضد الإرهاب والتطرف. وحذرت من “أن الإرهاب لم ينتهي وداعش لم ينتهي لأنه مشروع فكري أيديولوجي لذا نحن بحاجة إلى مشروع فكري حقيقي يتصدي للإيديولوجيا المؤسسة للتنظيمات الجهادية.”
ونوهت السيدة ليلي أن تركيا دائما تهدد باجتياح سوريا اجتياح بري وعسكري وهو ما يزعزع الشمال السوري ويعزز من تواجد الجماعات الإرهابية التي تجد في الدعم التركي طوق نجاة لها واستمرار لوجودها.
وفي نهاية اللقاء أشار الدكتور هاني إبراهيم رئيس مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، أن الجلسة تناقش الإرهاب في سوريا ولا تناقش الوضع السياسي السوري حيث أنه شديد التشابك ويحتاج إلى سلسلة من الجلسات التي يتم فيها دعوة كافة الأطراف الممثلة للداخل السوري. لكنه أشار إلي ثلاث نقاط رئيسية: (1) الدولة المصرية نادت في كافة المحافل بضرورة تجفيف منابع تمويل الإرهاب وعلي الدول الراعية للجماعات المتطرفة أن تتوقف عن تمويلها لهذه الجماعات إذا كنا نريد للإرهاب أن يختفي، (2) الإرهاب في سوريا يتواجد بسبب هشاشة النظام السياسي الداخلي وعدم تمثيلة التمثيل العادل لمختلف مكونات الشعب السوري، (3) الأهم هو المحافظة على وحدة سوريا مع الإنصات لمطالب الداخل السوري وطرح مشروع الإدارات الذاتية للأقاليم السورية داخل الدولة السورية وهو ما يمكن أن نسميه لا مركزية الحكم في سوريا وهو حل ديمقراطي أخذت به العديد من الدول لتنمية أقاليمها الداخلية والحفاظ علي وحدتها العامة، وقد يكون هذا هو طريق القضاء على التنظيمات الإرهابية.