بقلم: م. منــير وصـــفي بطـــــرس
باحث في موسيقى الألحان القبـطية
مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي
بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة
نستكمل التأمل والدراسة في الخمسة أعياد السيدية التي تَخُص ربنا يسوع المسيح التي نحتفل بها في بداية السنة الميلادية، وهي أعياد الميلاد، والخِتان، والغطاس، وعُرس قانا الجليل، وعيد دخول السيد المسيح الهيكل وهو طفل.
أساس الأعياد الخمسة تاريخياً:
بالنسبة لعيد الميلاد وعيد الغطاس المجيدين فقد أمر الآباء الرسل: “يا اخوتنا تحفظوا في أيام الأعياد التي منها عيد ميلاد الرب وكملوه في اليوم ال25 من الشهر التاسع للعبرانيين الموافق 29 من الشهر الرابع للمصريين (كيهك)،ولا تشتغلوا في يوم ميلاد المسيح لأن النعمة أُعطِيَت للبشر في ذلك اليوم وليكن عندكم جليلاً عيد الظهور الذي هو الغطاس لأن الرب بدأ يُظهِر فيه لاهوتَهُ في معموديته في الأردن من يوحنا، واعملوه في يوم السادس من الشهر العاشر للعبرانيين الموافق 11 من الشهر الخامس للمصريين (طوبه)، ولا تشتغلوا في عيد الحَميم لأن فيه ظهرت ألوهية السيد المسيح وظهر الذي شَهَدَ له القيام أن هذا هو الإله الحقيقي وابن الله”.
ويذكر أحد العلماء أن مسيحيي الشرق في الثلاثة القرون الأولى كانوا يحتفلون بعيدي الميلاد والغطاس معاً تذكاراًلظهور سر التثليث ولكن لما تَعيَّنَ اليوم الذي وُلِدَ فيه المُخَلِّص، وكذلك يوم عماده من مؤلفات اليهود التي جمعها تيطس الروماني ونقلها من أورشليم إلى رومية جعلوهما عيدين يحتفلون بهما في وقتين مختلفين وقد ذكر القديس باسيليوس (329 – 379م) “أما يوما الميلاد والغطاس فإن آباء مجمع نيقية قرروا أن يتقرب فيهما بالليل.
أما عن عيد الختان فقد كان عهد بين الله وابراهيم، ثم تجدد لموسى ولم يُسمَح لإنسان غير مختون أن يأكل من الفصح وأصبح من الطقوس اليهودية، ولكن المسيحية غيرت هذه الشريعة لأنها كانت علامة للتطهير وأصبحت رمزاًللمعمودية التي بدونها لا يدخل إنسان عضوية كنيسة المسيح وقد كان المصريون في القديم يمارسون الختان،ولكن أصبح الآن بالنسبة للذكور هي مجرد عملية طبية صحية للنظافة الشخصية، وليس لها دور طقسي أو كنسي، كذلك ذكر ابن العسال في المجموع الصفوي عن هذا العيد “أن القبط جوزت لهم بطاركتهم الختان للضرورة والمنفعة”.
وعن عيد الميلاد المجيد فهو مربوط زمنياً بثلاثة أعياد أخرى تلتزم بهم الكنيسة، عيد البشارة 29 برمهات وهو قبل عيد الميلاد 29 كيهك بتسعة شهور مدة حمل السيدة العذراء لرب المجد، ويكون الختان 6 طوبه بعد الميلاد بثمانية أيام، ثم عيد دخول المسيح الهيكل في 8 أمشير بعد الميلاد بأربعين يوما.
أما عن عيد عرس قانا الجليل فقد سجل القديس إبيفانيوس (315 – 403م) إهتمام الكنيسة منذ القديم بهذا العيد،ويقال تاريخياً أن سمعان القانوي كان هو نفسه العريس وأنه بعد هذه المعجزة ترك كل شيء وتبع الرب يسوع كما ذُكِرَ في مصباح الظلمة لابن كبر،.
الخمسة أعياد طقسياً وموسيقياً:
هذه الأعياد الخمسة منها الأعياد السيدية الكبرى (الميلاد والغطاس) حيث أنها أعياد لها علاقة مباشرة بالخلاص،أما الأعياد الصغرى (الخِتان، وعُرس قانا الجليل، ودخول السيد المسيح الهيكل) فلها علاقة بأعمال المسيح ومعجزاته والتي لها معانيها الروحية العميقة، وبصورة عامة فقد أَظهَر السيد المسيح لاهوتَهُ في عيدي الغطاس وعُرس قانا الجليل، وأوضح ناسوتَهُ في أعياد ميلاده وختانه ودخوله طفلاً إلى الهيكل.
تتميز هذه الأعياد الخمسة بطقس واحد وهو الطقس الفرايحي، وتظهر نغماتُهُ المُمَيِّزة لهذا الطقس في بعض ألحان معينة مثل الإبصاليات، ولحن إبؤورو، وأرباع الناقوس، والذكصولوجيات، والمزمور السنجاري، والثلاثة تقديسات، ومردات الانجيل، ولحن هلليلويا التوزيع،بالإضافة إلى مجموعة من الألحان الطويلة التي تُضاف في هذه المناسبات تتميز بالإطناب النغمي (الميليسما) التي تُمَيِّز ألحاناً بذاتها من ألحان الأعياد السيدية، تكون قوالبُها الموسيقية مُرَكَّبة ومقامتُها مُتَغَيِّرة، كما أن جملَها الموسيقية تتنوع مابين النغمات المُستَرسَلَة والقفزات الموسيقية، كذلك تحتوي على إقتباسات متعددة من ألحان أخرى؛ ليعيش فيها الإنسان مع الكنيسة أحداث المناسبات من خلال جوانب عديدة تشرح أحداث مناسبات هذه الأعياد، وبصورة عامة فإن كل هذه الألحان تتميز عن باقي طقوس الكنيسة الأخرى بالنغمات التي لها طابع الفرح والطرب والإيقاع النشيط.
أما بالنسبة للألحان الثابته التي لا تتغير نغماتُها طوال السنة مثل الهيتنيات، ومردات الإبركسيس، والأسبسمسات الأدام والواطس، وختام الصلوات، فنجد أن كلماتِها تكون مُتَغَيِّرة حسب مواضيع مناسبات الأعياد السيدية.
وفي هذه الأعياد السيدية الخمسة تَذكُر الكنيسة أيضاًبعض القديسين الذين لهم علاقة بهذه الأعياد السيدية،وتَضَع لهم ألحاناً خاصة، مثل القديسة العذراء مريم،والملاك غبريال، والقديس يوحنا المعمدان، والقديس يوسف النجار، والقديسة سالومي، والقديس سمعان الشيخ.
وبالنسبة لطقس عيدي الميلاد والغطاس يُوجَد مَوكِب للحَمَل يقال فيه لحن إبؤورو الفرايحي، استقبالاً خاصاً بالحَمَل الذي سيتحول إلى جسد المسيح والذي نحتفل به في هذين العيدين المجيدين، كما يتميز عيد الميلاد المجيد بدَورة خاصة في الكنيسة مع الشموع والصلبان والألحان بالناقوس والمثلث، إعلاناً عن فرحة الميلاد، ومن الطقوس المُمَيِّزة لعيد دخول المسيح الهيكل دَورة للكهنة والشمامسة تتم داخل الهيكل، فيها يَحمِل الكاهن البشارة الملفوفة بستر أبيض، إشارة إلى حَمل القديس سمعان الشيخ للسيد المسيح في الهيكل، ويقال لحن “تي جاليليئا” الذي يُمَثِّل قالبُهُ المُوسيقِي أيضاً فكرة الدوران حول أفكار موسيقية متكررة، ويتمَيَّز عيد الغطاس كذلك بطقس اللقان تذكاراً لمعمودية السيد المسيح من يوحنا المعمدان.
ومن الأمور الطقسية أيضاً إتحاد القراءات الكَنَسيَّة في عِيدَي الخِتان ودخول المسيح الهيكل، على أساس وِحدَة الفكرة حيث أن المسيح هو مِحوَر العَهدَين القديم والجديد،ومن حيث إتمامِهِ للشريعة التي وَضَعها هو بنفسِهِ من جهة لاهوتِهِ، وكَعُضو في شعب الله من ناحية ناسوته.
رابط الألحان الفرحة: