أضواء … زينة … كرات ملونة …. نجوم … منظرثلج أبيض … أجراس …. شجرة …
شخصية بابا نويل… هذه هى مظاهر عيد الميلاد عند كل العالم.
لكن فى المقابل… الكنيسة القبطية رأت صورة أخرى للميلاد، بعيدة جداً عن الأضواء والزينة والنجوم والأجراس والمهرجانات والكريسماس كارولز…..
رأته كـ “سر عجيب” سر التجسد، هل من المعقولأن الله يظهر فى الجسد؟… فحينما طلب موسى النبي من الرب قائلاً: “أرني مجدك”… فقال له “لا تقدر أن ترى وجهي” (خر18:33)، فكيف يحدث هذا؟
وكأنه فى منتصف الليل والبرد القارس، يأتىالخبر العجيب يهمس فى آذان الرعاة قائلاً لهم:
“اليوم البتول تلد الفائق الجوهر والأرض تقرب المغاره لغير المقترب إليه”
وهذا هو لحن “إيبارثينوس” الذى تمكنتالكنيسة ببلاغة شديدة أن تصور فيه أحداث سر التجسد العجيب بلحن داكن رصين يبدأ بدون ناقوس أو مثلث، (وهما الآلتان اللتان من المفترض أن نسمعهما فى لحن الميلاد المفرح).
أولاً: البعد التاريخي للحن:
قصة تأليف لحن إيبارثينوس
مؤلف لحن إيبارثينوس إسمه رومانوس Romanos وهو شاعر سوري اشتهر بأناشيده وتراتيله الكنسية باللغة اليونانية في العصر البيزنطي، ولا يُعرف الكثير من تفاصيل حياته غير أنه ولد في مدينة حمص Emesa لكنه انتقل إلى مدينة القسطنطينية في أيام الإمبراطور أنسطاسيوس الأول والبطريرك أُوفيميوس (490 ــ 496) وتوفي فيها سنة 530م، وبدأ حياته شماساًDiakon في بيروت، وبعد ذلك سيم كاهناًPresbyter في القسطنطينية، وقد بدأ إبداعه الفني يظهر في نظم وتلحين الأناشيد الدينية الكنسية Kontakion فلُقّب بـ (المغني Melodos)، وعرف باسم “رومانوس ميلودوس”، وطوبته الكنيسة اليونانية كقديس يُحتفل به في أول شهر تشرين الأول (أكتوبر).
ويحكي كتاب المينايون Menaion قصة لطيفة عن رومانوس ولحن إيبارثينوس فيقول: أنه في ليلة عيد الميلاد ظهرت العذراء القديسة مريم لرومانوس وهو نائم وأعطته ملف من ورق (roll of paper) وقالت له: “خذ هذا وكله”، بعدها استيقظ من نومه في نشوة روحيّة كبيرة ونزل إلى كنيسة “كلية القداسة أم الله” لكى يحضر قداس عيد الميلاد، وحينما كان الإنجيل المقدس على وشك أن يُحمل بوقار إلى الهيكل، صعد رومانوس إلى الإنبلوارتجل بالسليقة بالروح لحن إيبارثينوس، وهكذاأخدت كنيستنا القبطية هذا اللحن ومصرته (جعلته حسب الطابع المصري في التلحين).
كم ترنيمة ألفت ولحنت للميلاد؟… كثير لا يعد، ولكن كم ترنيمة منها استخدمت تعبير بلاغى رائع مثل: “الأرض تقرب المغارة لغير المقترب إليه”، وهىإستعارة مكنية شُبِهَت فيها الأرض بإنسان عملاق يحمل على ذراعيه المغارة التى فيها طفل المزود.
طبعا ليس المقصود التقليل من شأن الترانيم الجديدة، ولكن القصد هو لفت النظر للجمال الموسيقى واللغوى والروحانى الذى فى الألحان القبطية.
ثانياً: البعد الطقسي للحن:
متى يقال اللحن:
فى ليلة عيد الميلاد المجيد، بعد ما ينتهى الشماس من قراءة الإبركسيس، حيث يقف الشمامسة ليترنموا بهذه القطعة الرومية بكلماتها اليونانية البليغة بكل صور البلاغة، وبلحنهاالمصرى الأصيل.
ثالثاً: البعد الموسيقي للحن:
المقام الموسيقي للحن إيبارثينوس:
مقام لحن إيبارثينوس هو مقام “بياتي”، وهذا المقام مشهور جداً في الكنيسة القبطية، وهناك ألحان كثيرة جداً نجدها مُصاغة من مقام بياتي.
وللعلم، لو بحثنا عن معنى كلمة “بيات” في القاموس سنجدها: “أتاهم الأمر بياتا… أي فجأةً في جوف الليل”. وسنجد معناها أيضاً “فن”: فرع من فروع السلم الموسيقي الكثير الإستعمال، وهذا المقام يرتكز على درجة ال “دوكاه” أى على نغمة ال RE.
رابعاً: البعد اللاهوتي للحن:
الحقيقة لحن إيبارثينوس هو لحن صَوّر الميلاد “المبهم” الغامض، بكلمات أكثر غموضاً
“اليوم البتول تلد الفائق الجوهر والأرض تقرب المغارة لغير المقترب إليه”
كيف وهي “بتول” “تلد”، وكيف حينما “تلد البتول” يكون طفلها “فائق الجوهر” وكيفاستطاعت الأرض العملاقة أن تحمل على ذراعيها المفتولتين هذه المغارة وبها ذاك الذي قال:
“الإنسان لا يراني ويعيش” (خر20:33)، فتقربه إلى كل البشر فيصبح عمانوئيل الذى تفسيره الله معنا، الله معنا؟؟ نعم ألم تصدقوا، الآن يمكنكمرؤيته في بيت لحم اليهوديه.
بركة ميلاد ربنا يسوع المسيح
وبركة أمنا العذراء مريم وبركة هذا اللحن الجميل العميق تكون معنا
آمين
رابط اللحن: