يعلمنا السيد المسيح قائلا:وإذا صليتم فلا تكرروا الكلام عبثا مثل الوثنيين فهم يظنون أنهم إذا أكثروا الكلام يستجاب لهم.
فلا تتشبهوا بهم, لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه(متي6:7-8). لنقف لحظة مع الذات متساءلين:هل نشعر بتأثير قوة الصلاة علي حياتنا أم لا؟ هل نصلي بقلوبنا وعقولنا وأفواهنا معا, أم نكتفي بترديد الصلوات فقط؟ يحكي عن شاب ذهب إلي أحد رهبان الصحراء ليعرض عليه مشكلته التي تؤرقه نهارا وليلا. فقال له:أنا لا أفهم ما أقراه في الكتب المقدسة.
لقد حاولت مرارا وتكرارا أن أحفظها لكنني فشلت في ذلك, وإن أردت فهمها, استعصي علي الأمر, فتركت قراءتها لأنني شعرت بالفشل.
فنظر الراهب إلي الشاب بعيون أتعبها السهر والقراءة قائلا له:هل تستطيع طاعتي فيما أطلبه منك؟ وهل توفقني علي ما أنصحك به؟-أجاب:نعم! فدخل الراهب إلي مغارته المحفورة في الجبل, ثم أخرج قفة قديمة مصنوعة من الخوص وقال له:املؤها من ماء النهر, ثم عد إلي مرة أخري فنظر الشاب إليه باندهاش متساءلا:أتطلب مني أن أسير مسافة طويلة لعدة كيلو مترات نحو النهر حتي أملا هذه القفة بالماء, بالرغم من أنها مصنوعة من الخوص؟ أجابه الراهب:لقد وعدتني بالطاعة فيما أطلبه منك فاضطر الشاب بكل حسرة وندم أن يقطع كيلومترات من المغارة حتي النهر, وأنزل القفة في النهر ليملأها بالماء, ولكن ما أن يسير بضعة أمتار حتي يكون الماء قد تسرب من فتحات القفة.
فاضطر أن يكرر هذا الأمر عشرات المرات دون جدوي, وعندما تيقن من أن الأمر بات مستحيلا رجع إلي الراهب قائلا لهلقد أطعتك ولكن دون نتيجة لأن القفة لم تحتفظ بنقطة واحدة من الماء.
فنظر الراهب إلي القفة قائلا له: ولكن انظر إليها وأخبرني…هل تغير شيئا ما فيها؟ وبينما كان الشاب يتأملها وجدها مغسولة ونظيفة جدا, لأنه أخذها من الراهب وكان التراب يكسوها.
عندئذ أجابه الراهب: إن عقلك وقلبك مثل القفة, مياه القراءة تغسلهما حتي وإن لم تحتفظ بأي شيء في عقلك اذهب وعد للقراءة مرة أخري طالبا الفهم من الله, ولاتتوقف عن ذلك حتي لاتتلوث روحك ولايتترب عقلك.
نتعلم من هذه القصة كيفية الاستمرار في الصلاة وقراءة الكتب المقدسة,مهما كانت صعوبة حفظ كل ما بها, لأنها تطهرنا من كل الشوائب التي نحملها طوال النهار.
فالصلاة هي أداة لخيرنا العظيم, لأنها حديث شيق وحوار بنوي ممتع بين الإنسان والله أبيه.
وأي شرف نناله من حديثنا مع الله الخالق الأعظم! وكم من النعم والبركات التي تمطرها الصلاة علي حياتنا؟ فالصلاة هي السر العظيم الذي يجعلنا نتحلي بوجه مشرق عندما نتقابل مع الناس.
وإذا تركنا الله يعمل فينا بنعمته أثناء صلاتنا وحوارنا معه, تتغير حياتنا للأفضل, ولكن عندما نترك الصلاة تنقبض النفس ويظلم نور الوجه.
من يستطيع أن يتخيل ابنا لايتحدث مع أبيه الذي يضحي من أجله ويوفر له كل شيء يحتاج إليه؟ أو يقبل الابن الذي يفتح الحوار مع والده ويتحدث إليه, عندما يكون محتاجا له فقط؟ مما لاشك فيه أننا جميعا نرفض هذا التصرف المشين, لأنه يعبر عن علاقة مصالح شخصية فقط, ولا توجد فيها أي روح للبنوة واحترام الأبوة.
إن سر عظمة الإنسان ينبع من اتحاده الوثيق بالله, عندما يرفع له الصلاة الحقة المتجردة من كل المصالح الشخصية لأنها تقربه من الله خالقه ومعينه, فالإنسان عندما يدعو الله في صلاته يشعر بسعادة لا مثيل لها تغمره طوال النهار, وتغسله من الشوائب التي تعلقت بعقله وقلبه أثناء اليوم, ويها يتخطي العقبات التي تواجهه, كما أنه يسمو في معاملاته مع الآخرين, وتزداد محبته واحترامه لهم يوما بعد يوم, حتي يصل إلي اللحظة التي يتبدد فيها الخوف من حياته كل هذه الثمار والنتائج تغمر عقل وقلب الإنسان, عندما تكون صلاته نابعة من الداخل وتكون صادقة, والله لن يخذلنا أبدا إن بحثنا عنه بقلب نقي وروح مستقيمة, كما أنه لن يرفض لنا أي مطلب ما دام لخيرنا وسعادتنا والذي يتوكل علي الله سيشعر بوجوده الدائم في حياته, وسينعم بعطاياه كل حين ونختم بكلمات الفيلسوف أفلاطون:إن أفضل ما نعمله لجعل حياتنا مشرقة وعظيمة هي أن نحياها تحت أنظار الله.=