تتكتم, تخفي, تتساءل في حيرة: هل ارتكبت ذنبا أم أنني أنا الذنب, فقط لأنني أنثي؟. إنه لسان حال الناجيات من العنف الجنسي, تحيا بين بواطن الألم المنسية, وجروح الماضي المختبئة, خلف ابتسامات الحاضر, بالجهد والعناء, تنطوي صفحات حياتهن صفحة تلو الأخري, وتستقر المواجع, فيعيش مع رصيد مرعب من اليقين السلبي, ذلك اليقين الذي يسعي النشطاء في مجال النسويات لتحويله إلي يقين إيجابي صنيع الألم, صانع الأمل, لكن المعطيات لا تسمح, فالناجيات لن يفلتن من شباك القهر القائم علي استغلال ضعفهن بسهولة, فالمجتمع وكل سلطة تعلو فوق رؤوسهن, تمزق نفوسهن قبل أجسادهن بالتحقير والتكدير, بالشك, والمطامع, بالابتزاز, والاستنزاف, وتبقي الأنثي في نظر المجتمع مجرد حالة تواطؤ فقط لأنها أنثي, ولا أحد ينظر أبعد من موقف العنف الجنسي الواقع عليها لا أحد يلتفت لشعورها بالخزي بسبب ما حل بها.
تخرج الناجية من تجربتها بمخزون من مشاعر التجنب والانسحاب حينا والعنف والغضب حينا والاستسلام حينا وما بين الخزي الجسدي والنفسي يطل الخزي الروحي برأسه, ليوهم الناجية أنها غير مستحقة في نظر الله أيضا,لأن الإساءات الجنسية والاعتداءات تفرز اضطرابا وحزنا وخزيا وقطيعةبحسب تيوفان در فيل مؤلف كتاب من الخزي للسلام وتشوه صورة القدير لدي الناجية إذ تخلق أسئلة وترسم علامات استفهام ضخمة بلا إجابات, أولها لماذا لم يتدخل الله؟ حينما اقتطفت البراءة الأولي لدي؟ هكذا تتسائل الناجية وتتكتم علي الأمر, خشية الوصم, تفتش عن العتق من الخطايا, ويتعمق الألم, ويصير غائرا حتي يمتد لعقود طويلة لما بعد الزيجة تهدد الرباط المقدس, وينضج الخزي ويصبح جزءا من المرأة, فتورث المفاهيم التي تأصلت بأعماقها لابنتها أو ابنها, وتدور الدوائر جميعها ردود أفعال لخزي لم يكن معلوما أو طافيا فوق السطح, خزي لم يختبر السلام ولا الأمان ولا الثقة بسبب عناد المجتمع لوقف العنف الجنسي ضد المرأة, لأن استجابة الشخص للخزي وارتباطها بحجم المخزون الداخلي منه, تكتسبها الضحية أو الناجية من القيم المجتمعية, ومن الأسرة ومن الإخفافات الشخصية والإساءات, وإدانتها لنفسها ربما لا نستطيع تغيير كل هذه العوامل المعقدة, لكن المعجزات التي تحدث في تحول الضحايا إلي ناجيات تخبرنا أن الأمل موجود, لكنه يحتاج إلي العمل الدءووب, الذي لا يمكن إتمامه في حملة ال16 يوما لمناهضة العنف ضد المرأة, التي انتهت أمس, وكتبنا عنها الأسبوع الماضي,لأن التحرك نحو المأمول يسير بسرعة السلحفاة, والعنف يتصاعد بسرعة الصاروخ. فلتكن كل أيامنا مناهضة للعنف الجنسي ضد المرأة, لنخلخل الأفكار المتجذرة كالوصم وثقافة التعتيم, والإخفاء, فلنكف عن إبراز كل سلطة في حياة الأنثي باعتبارها قدس أقداس لا يجب المساس به, ولنقلع عن الإصرار علي تقديم تلك الصورة المغلوطة لمجتمع يعشق تابوهات ويقدسها بلا مراجعة, نحن لا نريد جيلا من الأمهات المشوهات نفسيا, بسبب استمرار تعرضهن للعنف الجنسي بلا رادع يدرن في حلقة مفرغة من الكتمان, والخوف من الإفصاح وتصب الواحدة منهن كل معتقداتها السلبية عن الحياة في وجدان جيل جديد منوط بها تنشئته.
هل حقا يدرك من يتبنون حمل معاول الهدم للحركة النسوية المناهضة للعنف ضد المرأة أنهم يدمرون الأجيال القادمة؟ للأسف سوف تستمر الأوضاع علي ما هي عليه, وسيظل كل معتد أيا كان سواء من أصحاب السلطة أو من أصحاب الثقة الذين خانوا الثقة, يعتدي ما دام الصمت سيد الموقف, ولا عقاب رادع للمعتدين وما دامت عادات المجتمع وثقافته تؤيد أنماط الإساءة الجنسية بالتكتم والسرية بدلا من تناولها بانفتاح.