ليس الاحتفال بالعيد هو إنهاء صومنا. أو مجرد تبادل التهاني والمجاملات. أو فرحنا فرحا عالميا في مظاهر معينة. إنما العيد الحقيقي, وفرحته, واحتفالاته في أن ننال الفضائل التي يوحي بها العيد. فتكون له فاعليته فينا فكيف يكون ذلك؟
بسم الآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين.
أهنئكم جميعا بعيد الميلاد المجيد. راجيا لكم حياة مقدسة مباركة. كما أرجو أن يكون هذا العيد سعيدا عليكم. تنالون البركات التي فيه. وتشعرون بفاعلية العيد في حياتكم. وبهذه المناسبة. أحب أن نتأمل معا بضعة أمور. لعل في مقدمتها.
الله رتب لنا أعيادا.
إن الله أراد لأولاده أن يفرحوا. فرتب لهم أعيادا.
إنه شيء جميل حقا. يليق بالتأمل. إن الله يحدد أياما معينة للفرح. ويوجد مناسبات تحسب أعيادا. يعيد فيها الناس ويفرحون.
لم ينس الله هذه النقطة. بل اهتم بها. وعندما أعطي البشرية شريعة. لم تكن شريعته مجرد أوامر ونواه.. إنما وضع ضمن الشريعة أياما للفرح. وأياما للأعياد. لأنه يريد لأولاده أن يفرحوا. وأن يعيدوا. وتبتهج قلوبهم.
وهذا واضح في الأصحاح الثالث والعشرين من سفر اللاويين.
حيث نقرأ فيه. وكلم الرب موسي قائلا: كلم بني إسرائيل وقل لهم مواسم الرب التي فيها تنادون محافل مقدسة. هذه هي مواسمي.. هذه مواسم الرب…( لا 23: 1ـ4).
فالأعياد في الكتاب المقدس. هي مواسم للرب. أيام للرب. ومن ضمن هذه الأعياد. يوم الرب. يوم الراحة الأسبوعي.هذا اليوم هو أول عيد إذ يقول الله. ستة أيام يعمل فيها عمل. أما اليوم السابع ففيه سبت عطلة. محفل مقدس. عملا ما لا تعملوا. إنه سبت للرب (لا 23:3).. وبهذا المعني تكلم الرب أيضاعن باقي الأعياد. إنها أيام للرب. أيام للراحة. ولا يصح أن يكون يوم العيد يوم عمل. لأنه يوم للرب. والعمل فيه كسر للوصية الإلهية.
حيث إن يوم العيد يوم مقدس. مخصص للرب.
العالم ليس له نصيب فيه. لا من جهة العمل. ولا من جهة اللهو والعبث. إنه يوم عطلة. ولكن عطلة للرب. ولعل الترجمة الإنجليزية للكلمة تعطي معني أجمل:
يوم العطلة ترجمته HOLIDAY أي يوم مقدس.
إذن أيام الأعياد. مع يوم الراحة الأسبوعي. هي أيام مقدسة حسب الشريعة, وهي أيام مخصصة للرب. يتبقي أن نشعر فيها تماما أنها كلها من نصيب الرب. وقد كانت للأعياد قديما طقوس دينية معينة تمارس فيها مثلما كان يحدث في عيد الفصح وعيد الفطير (خر12). وفي عيد الحصاد وغيره من الأعياد (لا23). ومازالت للأعياد طقوسها وصلواتها في العهد الجديد.
ولكن لا يصح أن نكتفي في تقديس يوم العيد. بالصلوات التي تقام في الكنيسة. إنما يجب أن نحرص علي أن تكون له قدسيته الكاملة. وكيف ذلك؟ إن أهم ما يجعل للعيد قدسيته هو:
أن نتذكر الفضائل التي يوحي بها العيد. ونحياها..
فما هي الفضائل التي يقدمها لنا عيد الميلاد مثلا. حتي ننفذها ونحيا بها:.. وبهذا يكون ليوم العيد فاعليته في حياتنا وسلوكنا. ونحتفظ بقدسيته.. لأنه ما الفائدة أن نحتفل بالعيد, وليست للعيد فاعلية نشعر بها. ويشعر الناس, في حياتنا العملية.
عدم الاهتمام بالمظاهر.
من الدروس الهامة التي نتعلمها في عيد الميلاد. عدم الاهتمام بالمظاهر فالسيد المسيح لم يهتم بها إطلاقا. وإلا. فبماذا نفسر إرادته في أن يولد ببلدة صغيرة هي بيت لحم. وفي مكان حقير هو مذود بقر, وفي يوم لا يعلن للناس.. وبدون احتفالات..؟!
كان في إمكانه أن يأتي إلي العالم في موكب مهيب علي مركبة من الشاروبيم والسارافيم. ولكنه لم يهتم بالمظاهر. وولد في يوم شديد البرودة لم يجد فيه أقمطة كافية ولا دفئا. فعلينا إذن أن نتأمل هذه النقطة ونأخذ منها درسا. فإن بعدنا عن المظاهر العالمية ندخل في فاعلية الميلاد.
فالعظمة الحقيقية. ليس في المظاهر الخارجية من غني وملابس وزينة.. وباقي أمثال هذه الأمور التي فيها إعلان عن الذات إنما العظمة الحقيقية هي في القلب المنتصر المملوء بالفضائل…
ابحثوا إذن ما هي المظاهر الخارجية التي تقعون في حبها وتجنبوها…. إن أردتم لن تكون للميلاد فاعلية في حياتكم.. وماذا أيضا؟
من دروس الميلاد: الاتضاع..
إن ميلاد السيد المسيح هو أكبر درس في الاتضاع. وقصة الميلاد بدون الاتضاع. تفقد جوهرها الإلهي. تأملوا إذن في اتضاع الرب. الذي في تجسده أخلي ذاته, وأخذ شكل العيد. وصار في الهيكل كإنسان(في2:8,7), وتأملوا في صورة الميلاد أيضا, أمنا العذراء التي قالت عن اختيار الرب لها. نظر إلي اتضاع أمته. (لو 1: 48).
فإن أردنا الاحتفال بالميلاد. فلنحتفل بالاتضاع فيه وفينا. ولنبحث ما هي أعماق الاتضاع. وكيف تكون. وكيف نحياها؟ وما هي الأمور التي تضاد الاتضاع في حياتنا لكي نتجنبها؟ لأنه ما الفائدة أن ننتظر إلي اتضاع المسيح. دون نقتني هذا الاتضاع. ونشابهه فينا. إذ قد ترك لنا مثالا (يو 13:15).
حتي كما سلك هو. ينبغي أن نسلك نحن أيضا (1 يو 2:6). وماذا غير الاتضاع والبعد عن المظاهر؟