يقول السيد المسيح:أحبوا أعداءكم, وأحسنوا إلي مبغضيكم, وباركوا لأعنيكم وصلوا من أجل المفترين الكذب عليكم(لوقا6:27) كم هو صعب تطبيق هذه الكلمات في حياتنا اليومية, ومن المحتمل أن تصبح مستحيلة للكثيرين, لأننا بشر ضعفاء.لنتأمل معا ما فعله داود النبي مع شاول الملك عندما رآه نائما في سبات عميق كما أن الحرس كلهم كانوا نياما, لم يستغل داود هذه الفرصة للقضاء علي عدوه الملك مستندا إلي كلمات أبيشاي (أحد أبطال داود المحاربين) الذي قال له:قد دفع الله اليوم عدوك إلي يدك, فدعني أطعنه بهذا الرمح إلي الأرض طعنة واحدة, ولا أثني عليه, فكان رد فعل داود قائلا:لا تقتله فمن الذي يمد يده إلي مكرس الرب ويكون بريئا؟ واكتفي داود بأن يأخذ معه الرمح وإناء الماء من عند رأس شاول, ثم انصرفا….(سفر صموئيل الأول26) نستخلص مما حدث أن داود حين شاهد خصمه أثناء النوم ومعه الحرس, لم يستمع إلي أبيشاي مغتنما هذه الفرصة التي كان يعتبرها من لدن الله, ولكنه اكتفي بحمل بعض الأشياء ليكشف لعدوه بأنه لم يمسه بضرر بالرغم من الظروف المتاحة له للانتقام من خصمه إذا ماهي الدروس المستفادة من هذه الموقف في التعامل مع الأشخاص الذين نتقابل معهم معتبرين إياهم أعداء لنا؟ أولا:محبة الآخر الذي نعتبره عدوا لنا حسب تصنيفنا, فلم تكن نظرة داود لشاول الملك كشبح ولكن كإنسان مثله ضعيفا وواهنا إذا علينا أن ننزع القناع الذي نري الآخر به كعدو لنا ونغير القالب الذي وضعناه فيه,مما يجعلنا نكرهه, حتي أصبح الإنسان ذئبا لأخيه, لكن الصفح هو من شيم الكرام, وما أروع هذه العاطفة التي عبر عنها داود النبي, ولاسيما في عصرنا هذا المشحون بالأنانية والبغض والحقد والقتل والدمار! ثانيا: نتعلم من داود الذي لم يستمع لنصائح أبيشاي التي حاول بها أن يقنعه بأنها إرادة الله الرحيم والمحب. لذلك لم يقتنع داود بكلام المحارب أبيشاي مفضلا أن تكون هذه الفرصة لإنقاذ حياة خصمه وليست للقضاء عليه, واحترامه لا التغلب عليه إذا…فهم داود جيدا بأن عدوه ليس عدو الله, لأن الله ليس له أعداء أبدا حتي الذين يرفضونه أو يجاهرون بعدم الإيمان به, وعلاوة علي ذلك رأي داود في شاول نذيرا لله ومكرسا, لأن الله وضع بصمته ونفخ بروحه في كل إنسان, إذا من المستحيل أن يؤذيه أو ينتقم منه. من يريد أن يدافع عن الله إن صح القول,يفعل هذا بالمحبة والتواضع والوداعة واحترام الغير,لأننا في اللحظة التي نفعل ضررا مع الغير حتي وإن كان بالكلام, نسيء لله صورته, لأن محبة الغير هي تعبير عن حبنا لله والعكس صحيح إذا لا يستطيع أحد أن يدعي الدفاع عن المبادئ أو الشرائع بالانتقام من الآخرين, فعلينا إذا ألا ننسي بأنه لا يوجد سلاح أمضي من الحب ومقاومة الشر بالخير, ومقابلة الإساءة بالصفح, والامتناع عن إيذاء أي شخص, فالمحبة أقوي من البغض واللين أكثر صلابة من العنف, لأن الحق لابد له أن ينتصر في النهاية نستطيع أن نسترد كرامتنا من الخصوم الذين نصنعهم لأنفسنا بالمحبة واحترام كرامة الإنسان والتواضع والوداعة, لا بالسيف والنار ولا بالمكر والغدر ولا بالبغض والانتقام. وكما يقول أحد الأشخاص:إذا كان القريب أعور, فانظر إليه من جانب حتي لا أري إلا عينه السليمة ويخفي علي عورة وكان نابليون بونابرت إمبراطور فرنسا الشهير يكتب أفكاره وتأملاته التي اكتسبها وهو في المنفي في جزيرة القديسة هيلانة وكان يقول في إحداها:إن الإسكندر الأكبر وقيصر وشارلمان وأنا أسسنا إمبراطوريات عظيمة جدا, ولكن ما هو الأساس الذي اعتمدنا عليه؟مما لا شك فيه علي القوة لذلك انهارت وزالت لكن السيد المسيح وحده أسس إمبراطورية علي الحب فبقيت حتي يومنا هذا وستبقي إلي الأبد, لذلك ملايين من البشر لا يحصي عددهم يموتون حبا فيه وهياما به إذا فكل هذه التعاليم صعبة ومستحيلة علي الذين يتبعون أهواءهم وميولهم الفاسدة لكن أولئك الذين جعلوا الله نصب عيونهم فلا شيء صعب عليهم ونختم بالقول المأثور:السعادة ماهي إلا سلام مع الله وسلام مع الغير.