ما أجمل الكلمات التي نقرأها في سفر الأمثال في سبيل الأشرار لا تدخل وفي طريق أهل السوء لا تنهج حد عنه ولاتعبر فيه تحول عنه واعبر(4:14-15). هل نستطيع أن نتعلم من المثل السييء أو النماذج الردئية التي نلتقي بها في حياتنا؟ مما لا شك فيه أننا مدينون لأشخاص لا حصر لهم تركوا بصمة في حياتنا وأثروا علينا وتعلمنا منهم الكثير والكثير, ونعتبرهم القدوة الحسنة والمثال الصالح لنا. وعلي رأسهم والدان اللذان قاما بتربيتنا وتهذيبنا علي أكمل وجه, ولا مقارنة لهما مع أحد, ثم يأتي بعد ذلك المعلمون والمربون والأصدقاء والأوفياء وغيرهم. ولكننا نتوقف اليوم عند الأمثلة السيئة والقدوة الردئية, هل نستطيع أن نجزم بأننا مدينون لهم؟ إنهم لم يفعلوا معنا خيرا,ولكن تصرفاتهم أجبرتنا ودفعتنا لتجنبها.كل شخص منا لديه أمثلة ونماذج مشرفة وحسنة ومضيئة في حياته يتعلم منها الخير والحب والجمال والصلاح, والتي نطلق عليها القدوة الحسنة أو المثال الصالح, ومع ذلك نصطدم بآخرين يتصرفون بطريقة غير لائقة, ولكنهم بدون قصد زرعوا فينا القدرة والطاقة الهائلة لتجنب ما يقومون به, وأعطونا التطعيم اللازم ضد هذا الفيروس لندافع به عن أخلاقنا وسلوكنا وتربيتنا التي ترعرعنا عليها نستطيع أن نوضح ذلك ببعض الأمثلة: فمن الشخص الغامض والمتلون في كلامه وأحاديثه, نتعلم معني الصدق وجمال الحقيقة, ومن الشخص الذي يعتبر نفسه الكل في الكل(سي السيد) ويفرض علي الجميع أن يخدمونه ويكونون تحت طوعه في كل لحظة, متخيلا أن العالم كله خلق لتحقيق أمنياته ورغباته, حتي أنه يستغل غناه في فرض نفوذه علي الآخرين ويعتبرهم كأنهم سلعة, والويل لمن يخالف أوامره أو يعارض ما يقول, تعلمنا منه فضيلة خدمة الجميع وأهمية المكان الأخير وروعة العمل التطوعي والمجاني, وكما يقول السيد المسيحمن أراد أن يكون كبيرا فيكم فليكن لكم خادما. ومن أراد أن يكون الأول فيكم فليكن لكم عبدا…(متي20:26-27). ولا ننسي ذلك الذي يخاف من الأقوياء جاعلا لهم ألف حساب ولكنه مع الضعفاء يفرض قوته وسطوته ونفوذه حتي أنه يظلمهم في كل شيء,لأننا نتعلم منه الدرس الأساسي في الاحترام المقدس لكل شخص. كما أننا نعترف بالجميل لتلك الجماعة التي نتقابل معها ولكنها تعمل دائما في غموض وتتخفي وراء كل تصرفاتها وتقوم بمكالمات غامضة, لأننا تعلمنا منها الصراحة والوضوح, وكيفية العيش في سلام نتيجة أعمالنا في النور وعلي المكشوف أمام الآخرين دون أي خوف أو حساب. أيضا لا ننسي أن نشكر الشخص الانتهازي الذي يحمل الأقنعة في كل مكان يذهب إليه أو مع أي شخص يتواجد معه, لأننا بسببه عرفنا المعني الحقيقي في احترام كرامة وحرية الغير. حتي الفضولي استفدنا منه الكثير, فكلما ازداد في اقتحام حياة الآخرين, شعرنا بطعم الرزانة والكتمان وعدم التدخل في شئون الغير. كما يجب أن نقدم الشكر من قلوبنا لهؤلاء الذين لم يتعلموا أبدا فضيلة الشكر والعرفان بالجميل تجاه الغير وخاصة الضعفاء والفقراء والمحتاجين والمرضي, لأنهم منحونا الفرصة الذهبية لنشكر في كل لحظة دون استثناء أو محاباة, ولا ننظر للآخرين حسب الشكل الخارجي أو ما يملكون, فكم هي ثمينة كلمةشكرا عندما نتفوه بها للجميع وبنوع خاص للذين هم محرومون منها ولا يسمعونها بسبب فقرهم وحرمانهم ومكانتهم الاجتماعية. كما أننا نتعلم الجدية من السطحي والمستهتر, والابتسامة من الكئيب. قياسا علي ذلك, نستطيع أن نسرد أمثلة لا حصر لها في حياتنا اليومية تساعدنا علي تغييرها إلي الأفضل دون قصد منهم. إذا…ليس لنا عذر أو حجة موجهين الاتهام لتصرف الكبار أو المسئولين الخاطئ, معلنين بأنه سبب عثرة وشك لنا, فكل واحد منا يجب أن يكون مستعدا في انتهاز الفرص حتي السيئة منها ليخرج بشيء إيجابي وبناء حتي يصير أفضل مما قبل.لأن الإنسان الناضج والمنزن يتقبل هذه النماذج والحالات ساعيا إلي تغيير ذاته.فكل شخص يطمح في أن يصير أفضل, سيجد جميع الوسائل التي تخدمه في ذلك, مهما كانت المعوقات لذلك يجب علينا ألا نتذمر من الأمثلة أو النماذج السيئة التي تواجهنا, ولكن نعتبرها فرصة عظيمة تحرك فينا الطاقة الكامنة الإيجابية, لنصير أفضل ونتخلص من عيوب وسلبيات عديدة في حياتنا. ونختم بكلمات البابا يوحنا بولس الثانيإن أول كتاب ديني يقرؤه الأبناء:الوالدان.