وأخيراً حقق ليونيل ميسي اللقب الذي طالما حلم به, فبعد ثماني سنوات من المشي مطأطأ الرأس أمام كأس العالم في ماراكانا، أصبحت اليوم بين يديه، هنا في لوسيل.
وفي فرحته، وفرحة زملائه في الفريق، وأكثر من ٥٠ ألف مشجع في المدرجات و٤٥ مليون مواطن في شوارع الأرجنتين، تجسدت رسالة أقوى بكثير من الانتصار والتتويج: الرمز المثالي للمثابرة.
ميسي لم يستسلم أبداً, إذا كان دييجو أرماندو مارادونا قد جسّد تألقه في شخصيته المتمردة، فسيظل البرغوث إلى الأبد رمزاً للروح القتالية التي سيحتضنها شعبه.
وذلك لأن صاحب القميص رقم ١٠، الذين توّج بفوزه بالكأس الأغلى أعظم مسيرة في تاريخ كرة القدم، لم يستسلم أبدًا بعد الانهزام في المباريات النهائية، وتوالي خيبات الأمل والأحزان المتكررة. فقد عرف كيف يتحمل وقع الضربات ولم يخفض ذراعيه أبدًا.
“هذا ما يدور حوله كل شيء، النهوض والمحاولة من جديد، في جميع جوانب الحياة. يتعرض الجميع للنكسات، ولكن الشيء المهم هو المحاولة مرة أخرى والقتال من أجل أحلامك. في مرحلة ما كانت لدي شكوك، لكن الحمد لله عدت لأستمتع بكل هذا”. كلماته بعد الفوز على كرواتيا في نصف النهائي تأخذ بعدا آخر مع حلمه الذي تحقق.
كان ليونيل سكالوني، المدرب الذي توّج للتو بطلاً للعالم، قلقًا حيال مصير لا ألبيسيليستي، كانت الأرجنتين قد فازت بلقب كوبا أمريكا وختمت لتوها التصفيات المؤهلة إلى قطر ٢٠٢٢ بالتعادل السلبي ضد البرازيل في سان خوان.
لقد كانت الحقبة بمثابة حلم، وبعد كسرت لعنة ٢٨ عاما من دون ألقاب، استحوذ الجنون والتفاؤل على المشجعين الذين كانوا يحلمون بالنجمة الثالثة، وفي ظل هذا الحلم، كان سكالوني يرى أن خيبة الأمل بنهاية حزينة في الدوحة ستشكل صدمة كبيرة للغاية للبلد بأكمله.
لذلك، فكرّ سكالوني في التحدث مع ميسي حول ذلك: “اتصلت للتحدث معه قبل أن يعود إلى باريس لأنني شعرت أن ما سيأتي سيكون صعبًا للغاية، كنا نعيش لحظات قوية للغاية، وكانت خيبة الأمل ستكون قوية جدًا، لكنه أخبرني أن ذلك لا يهم، وأنه يتعين علينا الاستمرار، لأنه بالتأكيد كل شيء سيسير على أفضل ما يرام. وإذا لم يحدث ذلك، فلا بأس، ولكن المهم هو المحاولة.
ومن خلال رده أدركت أن هناك شيئًا نقوم به بشكل جيد”. وقد واصل سكالوني القتال أيضًا: بعد خيبة الأمل كلاعب في عام ٢٠٠٦، تغلب على كل الانتقادات في بداية حقبته التاريخية كمدرب.
وبدوره، لم يستسلم أنخيل دي ماريا، النجم الساطع الآخر في نهائي لوسيل. قبل ثماني سنوات مزق رسالة أرسلها إليه ريال مدريد لمنعه من اللعب في نهائي ماراكانا: “أتذكر عندما تلقيت الرسالة من ريال مدريد. مزقتها قبل فتحها. خسرنا كأس العالم. كان أصعب يوم في حياتي”.
قاوم رغم بدايته المتعثرة مع سكالوني، وعرف كيف ينتظر فرصته ليستعيد مكانه في خطة المدرب، وفي الدوحة، بعدما تلاعب بجول كوندي وسجل الهدف الثاني لمنتخب بلاده، أخذ بثأره كذلك.
حملت أرجنتين سكالوني العديد من الصفات خلال رحلتها في قطر، ولكن أهمها كانت تلك الروح المتمردة وعزمها على تخطي الصعاب وقدرتها على قلب كل السيناريوهات السلبية. وكل واحد من أعضاء المجموعة كان مثالاً حياً على ذلك. ويكفي إلقاء نظرة على الخطف الخلفي لأبطال العالم: إميليانو مارتينيز خطف الأضواء بعدما تغلب على الشكوك والإعارات المستمرة من أرسنال الذي لم يكن يعتمد عليه، وناهويل مولينا عرف كيف يعود بقوة بعد البقاء على دكة البدلاء في بوكا جونيورز، وكريستيان روميرو لم يستسلم أمام الانتقادات التي تلقاها، ونيكولاس أوتاميندي أصبح قائدًا بعد تلك الهزيمة (٠-٤) ضد ألمانيا في جنوب أفريقيا ٢٠١٠، ونيكولاس تاغليافيكو فرض نفسه بعد أداء متواضع دفعه للجلوس على مقاعد البدلاء.
ويمكن أن تمتد القائمة لتشمل جميع اللاعبين الـ ٢٦ الذين تم استدعاؤهم؛ لاعبي الوسط والمهاجمين، الأساسيين والبدلاء، وحتى الجهاز الفني، الذي يتكون من لاعبين رائعين في تاريخ المنتخب الأرجنتيني الذي عانى أيضًا من خيبات الأمل في كأس العالم. ولكن روح المجموعة كانت حاضرة أيضًا: استعادت الأرجنتين توازنها بعد الهزيمة في ظهورها الأول أمام السعودية، وتخطت خيبة التعادل في الوقت الأصلي ضد هولندا، وأبانت مرة أخرى عن شخصيتها القوية أمام العودة المتكررة في النتيجة لمنتخب فرنسا الذي رفض التخلي بسهولة عن التاج العالمي.
كان سكالوني، الشخص الوحيد الذي تحدث في المؤتمر الصحفي بعد التتويج، واضحًا: “روح هذا الفريق هي عدم الاستسلام أبدًا. تلقينا صدمات على شكل أهداف فرنسا كما حدث في المباراة ضد هولندا. لكننا واصلنا القتال، مدركين أنه يجب أن نبذل كل جهد ممكن لتحقيق الهدف المنشود. فهؤلاء اللاعبون يلعبون من أجل الناس والجماهير الأرجنتينية. هنا لا يوجد مكان للغرور، ولا توجد منافسة، كلهم يسيرون في نفس الاتجاه. كنا متفائلين، وكان لدينا ما يدعو للتفاؤل. الرسالة الموجهة للناس هي الاستمتاع بهذا اللقب، لأنه علينا أن نستوعب أنه في بعض الأحيان قد لا تسير على أفضل ما يرام. غدا ستستمر الحياة، ومعها المشاكل التي نواجهها، لكننا سنشعر بسعادة أكبر قليلاً”.