حكاية مارتن تشبه آلاف الحكايات في مجتمعنا, لكن نهايتها لم تكن مثلها حكاية الابن الأكبر, الذي يسعي للرزق لمساعدة والديه وإخوته, الذي يترك مستقبله ليؤمن القوت اليومي اللازم لأسرته جنبا إلي جنب مع والده, فيشب علي الشعور بالمسئولية, لكن القدر أطاح بالأسرة كلها فجأة في مشهد مأساوي انتهي بذبح مارتن نهارا جهارا, بسبب لعبة زينة.
مارتن عيد إسحق شاب عمره 18 سنة, يساعد أسرته في نفقات المعيشة بالعمل بضع ساعات يوميا علي توكتوك, في منطقة روض الفرج, مارتن شاب محبوب, وطيب من أسرة بسيطة مسجل في أسرة شباب الجامعة في الخدمة الكنسية بكنيسة السيدة العذراء بمسرة, والتي شهدت جنازته المؤلمة.
بدأت القصة حينما سرق شاب يدعي أحمد عقباوي تعليقة زينة لإكسسوار من مقدمة التوكتوك الذي يعمل عليه مارتن, التعليقة اسمها طاقة شمسية, كان ذلك في شارع المدرسة الإنجليزية في روض الفرج, عرف مارتن أن عقباوي هو من سرق التعليقة من التوكتوك فذهب ليطلبها منه لأنها بمثابة عهدة في ذمته, سوف يسأل عنها صاحب التوكتوك. وعند ناصية شارع المنشية المتفرع من شارع ابن الرشيد, طلب مارتن من عقباوي الطاقة الشمسية, طبعا كان الرد أخدتها عافية اعمل ما بدا لك, مارتن صمم يسترد التعليقة فأمسك عقباوي بشلة نصل حاد صغير, وخدش مارتن في عنقه. فتراجع وخاف.
كان رد الفعل الطبيعي لولد في عمر مارتن وظروفه, أن يتصل بصاحب التوكتوك, ويدعي أسامة, الذي يحبه ويعتبر مارتن بمثابة أخيه الأصغر, طلب أسامة من مارتن, استكمال عمله علي التوكتوك, تاركا له أمر المناقشة مع عقباوي, وحينما وصل أسامة إلي مكان عقباوي وجده مستقلا دراجة بخارية, وخرج أمامه مسرعا وموجها الحديث إليه وقال هدبحلك مارتن يا أسامة… النية مسبقة.
حاول أسامة اللحاق بعقباوي, لكنه لم يلحق به, وكان عقباوي قد اتصل بمارتن وطلب منه أن يقابله, وقابل مارتن أسامة بالمكان, وهو ما جعل أسامة شاهدا علي الأحداث, وحينما وصل الجميع لموقع الحادث, فقد مارتن أعصابه وضرب عقباوي بعصا علي ساقه, لأنه جرحه بالبشلة في رقبته, ولم يكن مارتن يعلم شيئا عن نية عقباوي في ذبحه والتي أفصح عنها قبل دقائق أمام الجميع, فأخرج عقباوي سلاحا أبيض مطواة وطعنها ثلاث طعنات نافذة في بطنه, وطعنة في ساقه, وقطع في وجهه, وطعنة ذابحة في عنقه.
مثل الطير الذبيح جري مارتن لينزف داخل التوكتوك, مستنجدا بأصدقائه, لكنه مات قبل وصوله المستشفي.
هذه هي القصة الكاملة علي لسان شهود العيان في منطقة روض الفرج, التي أسردها هنا لثلاثة أسباب الأول هو الرد علي الأصوات المرتفعة والتي تصف الحادث بأنه ذبح علي الهوية الدينية وهذا غير صحيح, وإذا كان كذلك لكنت أول المفصحين, فمارتن ابن الخدمة الكنسية التي أنتمي إليها في كنيسة السيدة العذراء بمسرة, السبب الثاني هو الاغتيال المعنوي الذي يتعرض له مارتن بعد ذبحه, فلم يكن مارتن بلطجيا ولا متسولا كما يشاع عنه, ووالداه في حالة انهيار, بسبب تشويه سيرة ولديهما لصالح موقف الجاني.
ألا يكفي أنه مات ذبيحا؟ لماذا يمارس مجتمعنا الاغتيال المعنوي علي الضحايا الذين صاروا مجرد أسماء في كشوف الموتي؟ هذه ليست الواقعة الأولي التي تشهد اغتيالا معنويا للضحايا, لماذا توحش المجتمع هكذا؟ أم أن ثقافة التوحش المعنوي صارت جزءا من مجتمعنا؟
مارتن اغتيل مرة حينما قرر الجاني سلبه الحياة, والأخري حينما يحاول غير المنصفين إثبات استحقاق سلبه روحه وحياته, في محاولة لإنقاذ الجاني وإفلاته من العقاب والسطور الفائتة رد اعتبار لروح مارتن وأسرته.