نتكلم بنعمة الله في هذا المقال عن لحن من ألحان الكنيسةالصغيرة ولكنه لحن رائع وخشوعي.. وهو لحن “فول إيفول”
وكلماته كالآتي: “فول إيفول كو إيفول أريسين خورين نان إفنوتي إننين بارابتوما، ني إيتان آيتو خين بين أووأوش نيم ني إيتان آيتو خين بين أووأوشآن، ني إيتان آيتو خين أووإمي نيم ني إيتان آيتو خينأووميت أتئيمي، ني إتهيب نيم ني إثؤوأنه بشويس، إك إيكاف نان إيفول”، (حل واغفر واصفح يا الله عن زلاتنا،التي صنعناها (عملناها) بإرادتنا والتي عملناها بغير إرادتنا، التي عملناها بمعرفة والتي عملناها بغير معرفة،الخفية والظاهرة يارب إغفرها لنا).
كلمات هذا اللحن نُصَلِّيها حسب ترتيب الكنيسة في صلوات الأجبية، سبع مرات كل يوم في كل صلاة من أوقات الصلاة (باكر والثالثة والسادسة …..) بعد كيريليسون 41 مرة، كما يُصَلَّى بها في القداس الغريغوري في الأعياد السيدية خلال السنة، وذلك لأهمية موضوعها ومعانيها في حياة المؤمنين الروحية، وقبل أن نتأمل في هذا اللحن العميق نريد أن نأخذ فكرة تاريخية عن القداس الغريغوري،وعن المُؤَلِّف الذي وَضَعَ كلماته.
لمحة تاريخية عن القداس الغريغوري:
أن هذا اللحن ضمن ألحان القداس الغريغوري وهو أحد القداسات المشهورة التي تصلي به كنيستنا القبطية، ويذكر الأرشيدياكون الدكتور رشدي واصف بهمان في بحثه “الليتورجية الإلهية للقديس غريغوريوس اللاهوتي”: يُقال أن زمن القديس غريغوريوس والقديس باسيليوس هو زمن تكوين (إبداع) الليتورجيات، في فترة من أعظم فترات الكنيسة ويسمونها في التاريخ الكنسي (العصر الذهبي) وهو القرن الرابع الميلادي، وقد كان قبل ذلك التقليد الليتورجي بالأكثر تقليداً شفاهياً (يُقال عن ظهر قلب حسب مقدرة القائد الذي يُتَمِّم السِر) في ذلك الوقت، ثم تبلور وكُتِبَ، وأول المخطوطات التي ظهرت للقداس الغريغوري ترجع إلى مابين القرنين الثامن والعاشر الميلادي.
القديس غريغوريوس الناطق بالإلهيات كاتب القداس الإلهي:
هو القديس غريغوريوس النيزينزي الملقب بال”ثيئولوغوس” أي (الناطق بالإلهيات)، ولم يأخذ هذا اللقب في الكنيسة سوى القديس يوحنا الحبيب، والقديس غريغوريوس (329 – 391م) هو من منطقة كبادوكيا (في تركيا حاليا)، وهو مُعاصِر لبعض الآباء العِظام مثل القديس أثناسيوس الرسولي، والقديس باسيليوس الكبير، والقديس ديديموس الضرير، والقديس الأنبا أنطونيوس.
قد كان هذا القديس مُحِباً للوحدة والتأمل، كما كان له مَيل إلى قَرضِ الشِعر وكتابة المسرحيات الدينية المسيحية،وكان يحب الطبيعة، وقد تَنَقَّل في أماكن عديدة مابين كبادوكية وفلسطين والأسكندرية وأثينا، حيث تعلم علوم الخطابة والبلاغة والأدب الإغريقي والفلسفة، كما أنه نال درجة الأسقفية، ولقد ألقى عظاته وكَتَبَ كتاباته من خلال حياة وعِشرَة عميقة مع الله، وحياة تقية، واختبار لعمل الله في حياته؛ ولذلك فإننا حينما نُصَلِي هذا القداس نشعر بروحانية خاصة مُغَلِّفَة لكلمات وألحان هذا القداس الرائع.
وألحان القداس الغريغوري بصورة عامة تميل إلى الفرح،خاصة في النهاية المشهورة التي تنتهي بها فقرات هذا القداس العظيم، ويتركب القداس الغريغوري من أجزاء أساسية وهي كالآتي: (بداية القداس “إي أغابي” –آجيوس – صلوات التقديس وحلول الروح القدس – الطلبات والأواشي – مجمع القديسين – الترحيم – صلوات ما بعد الترحيم – القِسمَة ومقدمتها – صلوات الخضوع والتحليل – الرشومات الأخيرة والاعتراف – التوزيع – صلوات الشكر والبركة والتسريح)، ولحن فول إيفول يقع ضمن جزئية (صلوات ما بعد الترحيم).
جزئية مابعد الترحيم:
وهذه الجزئية بصورة عامة في الثلاثة قداسات يتكلم موضوعها عن ذِكرِ الكاهن لكل المتنيحين الذين رقدوا، الذين ذُكِرُوا أو لم يُذكَرُوا، لنطلب لهم النياح ونطلب لأنفسنا الحفظ والسلام والاهتداء إلى ملكوت السموات، وبذلك يتمجد اسم الله المثلث الأقانيم، فيصلي الشعب بروح الخشوع والنسك أن يغفر لنا الله خطايانا وزلاتنا بكل أنواعها، فالله الرحوم الذي لا يشاء موت الخاطي روحياًيحب رجوعه إليه؛ ليحيا ويتمتع بالخلاص من خطاياه، وهو سوف يصنع معنا أكثر مما نسأل أو نفهم، لأنه يعرف إحتياجاتنا وطلباتنا قبل أن نطلبها، ولذلك فإننا نجدالكاهن في هذه اللحظات يُعطي البركة والسلام لكل الشعب حتى يطمئنهم، ويصل لهم سلام الله الذي يفوق كل عقل، فيتجاوب معه الشعب قائلين: ولروحك أيضاً، ونلاحظ طقسياً هنا أن الكاهن لايرشم الشعب، إذ بعد حلول الروح القدس على الأسرار لا يجوز الرشومات، لأن الله بنفسه على المذبح يُعطِي البركة، ولا يجوز أيضاً أن ينظر إلى الغرب أو يعطي ظهره للذبيحة، احتراماً وتبجيلاً للذبيحة المقدسة.
شرح وتأمل روحي موسيقي للحن “فول إيفول”:
بهذا الفكر الروحي الموجود في صلوات القديس غريغوريوس لهذه الجزئية الهامة نجد أن لحن “فول إيفول”ليس لحناً حزيناً، ولكنه لحن وقور روحاني تأملي، على مقام موسيقي يُعتَبَر من المقامات الكبيرة التي تصلح لمعاني العظمة والفرح والانتصار، ولكن هنا مع كلمات هذا اللحن ينطبع إحساس عام في موسيقى اللحن بأجواء التوسل والترجي بروح الرجاء والإيمان، بأن الله الرحوم سيغفر خطايانا التي ندمنا عليها وتبنا عنها واعترفنا بها، فنحن أمام عظمة الله نخضع له ولكن في روح المحبة، التي تجعلنا نتوب عن خطايانا حتى لا نُحزِن قلب الله، الذي أحبنا إلى المنتهى وبذل نفسه لأجلنا، خاصةً أننا نُخَصِّص هذا القداس لمخاطبة أقنوم الابن المتجسد، وهنا يكون الدافع للتوبة هو محبتنا له، وبهذه الأحاسيس ننطلق في هذا اللحن الروحاني طالبين الغفران من محب البشر الصالح.
وللمقال بقية بإذن المسيح.
ونستمع إلى هذا اللحن من أداء روحاني متميز لكورال شباب الأنبا رويس.
رابط اللحن: