بمناسبة مرور 130 عام على إنشائه
· شاهد طفولة الملك فاروق وأخواته الأميرات
· تحول الى مستشفى للقوات البريطانية أثناء الحرب العالمية الأولى
· كشك الموسيقى وبرج الساعة .. أشهر معالمه الأثرية
· “أبى فوق الشجرة” .. أبرز الأفلام السينمائية التى تم تصويرها داخل القصر
إعداد / سامية عياد
لا يكاد الإنسان يدخل قصر المنتزه حتى يشعر أنه أمام تحفة فنية تعانق مياة البحر الأبيض المتوسط ، بناه الخديوي عباس حلمي الثاني عام 1892 بمدينة الإسكندرية ، تلك المدينة التى عشقها فكان يقضي معظم شهور السنة فيها ، ظل القصر على مدار ستون عاما مقرا صيفيا للاسرة المالكة بداية بالخديوي عباس وصولا الى الملك فاروق ، ويحتوى القصر على العديد من التحف والتماثيل واللوحات الفنية التى جعلته متحفا يضاهى المتاحف الفرنسية ، فضلا عن غرفه وأجنحته الفريدة في بنائها ، علاوة على حدائق القصر البديع التى حوت على أندر وأبهى الأشجار والزهور والغابات، بالإضافة الى ذلك المبانى الملحقة به مثل كشك الموسيقى وبرج الساعة وكشك الشاي وغيرها ، وقد شهد المنتزه العديد من الأحداث التاريخية ، ومازال المنتزه واحدا من القصور الرئاسية التى تستقبل مصر ضيوفها من الملوك والرؤساء وأصبح القصر أكثر جمالا بعد ترميمه وتجديده…
حينما كان الخديوى عباس حلمى الثانى يتنزه على شاطئ الإسكندرية برفقة فرقة موسيقية وقع بصره على منطقة على طرف مدينة الاسكندرية الشرقي على ساحل البحر الأبيض المتوسط ، فقرر أن يبني فيها قصرا وحدائق للاصطياف أطلق عليها اسم المنتزه لتكون مصيفا له ، فقد انبهر الخديوى عباس بجمال هذه المنطقة فهى منطقة على ربوة مرتفعة عن البحر بمقدار 16 متر ، وهبتها الطبيعة ميزات لا مثيل لها ، وتليها منطقة أخرى صخرية يتوسطها منخفض أعد لتربية الغزلان وبه مجموعة كبيرة منها ، وحول هذا المنخفض حديقة فريدة في نوعها ، ثم تلى ذلك منطقة تتميز بجمالها الطبيعي ، وبها مجموعة كبيرة من الصبار وأنواع المزروعات البحرية التي تتخلل الصخور ، وبها جبلايات وجسور طبيعية وأكشاك من جذوع الأشجار والنخيل جميلة المنظر تساعد في مجموعها على النزهة والترويح عن النفس ..
في نهاية هذه المنطقة مبنى للبحرية وبرج للقفز ، علاوة على رصيف لرسو اللنشات ، ثم تأتي بعد ذلك جزيرة الأحلام مساحتها حوالي أربعة افدنة يربطها بالشاطئ جسر يتميز بطابع معماري فريد ..
أشرف الخديوي بنفسه على إنشاء القصر وحدائقه وكان ذلك عام 1892 ، وأمام القصر أنشأ الخديوي العديد من المبانى والتماثيل والتحف وقد شهد القصر وحدائقه إضافات من قبل الأسرة المالكة المتتالية ، سنلقى الضوء عليها فى السطور التالية ..
حدائق المنتزه
تبلغ مساحة الحدائق 350 فدان منها 80 فدان الفاكهة وخمسة وأربعين مغروسة زهورا ومتنزهات و125 فدانا مغروسة بأشجار غابات و قد سمح للجمهور بزيارة هذه الحدائق بمبلغ 10 قروش للفرد الواحد.. تطل حدائق المنتزه على خمس شواطئ هي عايدة وكليوباترا ، و فينيسيا ، وسميراميس ، بالإضافة الى شاطئ خاص بفندق “فلسطين” الذي استضاف القمة العربية الثانية في سبتمبر عام 1964.
تضم الحديقة منحل العسل الذى يضم مجموعة من خلايا النحل بتشتري ملكاته سنويا من الخارج ، كما يوجد أيضا معمل للألبان مجهز بأحدث الآلات اللازمة ، كما يوجد حظائر للكلاب الخصوصية وقد سلم بعضها إلى حدائق الحيوان ، فضلا عن مزرعة للدواجن تحتوي على أنواع مختلفة من الطيور الجميلة والتي سلمت ايضا الى وزارة الزراعة..
يعود الفضل الى محمود باشا شكري رئيس الديوان في عهد الخديوي عباس حلمي الثاني في إطلاق اسم (المنتزه)على تلك الجنه التي أضاف لها كل حاكم من حكام الأسرة العلوية إضافة نسبت إليه منها :
السلاملك
هو أول قصر أنشىء فى حدائق المنتزه عام 1892 ، قام بإنشائه الخديو عباس حلمى الثانى الذى أوكل بنائه الى المهندس اليوناني ديمترى فابريشيوس وأن يبنى على الطراز النمساوي السائد فى القرن التاسع عشر ، وكلمة السلاملك تعني المكان المخصص لاستقبال واجتماع الرجال وفي عهد الملك فاروق خصص هذا القصر ليكون مكتبا خاصا للملك ومقرا لضيوفه ..
وكان القصر الذى يستقبل فيه الملك ضيوفه ، يحتوي على عدد كبير من الحجرات والقاعات والشرفات وحوله بعض المباني كانت تستخدم كسينما ومطبخ ومكاتب ، يوجد به حجرة سرية بها مخزن سري تحت الأرض يفتح من أحد جوانب الحجرة فيرتفع الغطاء شيئا فشيئا حتى يستقيم فترى سلما حلزونيا يقودك الى الحجرة السرية وكانت هذه الفتحة مغطاة بسجادة حتى لا يعلم أحد مكانها ، أيضا يوجد بالمبنى الحجرة البلورية التي كانت مخصصة للملكة وهي حجرة كل ما فيها من الكريستال الأزرق الصافي ، وقد كان السلاملك هو المكان الذي ينام فيه الملك والملكة باستمرار إلى أن بنى الحرملك ..
بني هذا القصر في حديقة كبيرة فريدة في تنسيقها ليشرف على واحد من أهم خلجان الإسكندرية وهو خليج المنتزه وتضم حديقة القصر، غابات كثيفة تطل على شاطئ البحر المتوسط.
كشك الموسيقى
بناه الخديوى عباس الثانى وسط حدائق المنتزه ، وكانت الفرق الموسيقية تعزف بعض المقطوعات من الألحان العالمية التى كانت تعشقها العائلة الملكية وقد شهد هذا الكشك الحفلات الخديويه الصيفية.
الحرملك
من أهم مباني المنتزه قصر الحرملك الذي أنشأه الملك فؤاد الأول عام 1928 ، و أسند عملية بناءه الى المهندس الإيطالي أرنستو فيروتشي ، الذي صممه على غرار قصر ماكينزي في فلورنسا ، وقد كان القصر مخصصا لإقامة أفراد الأسرة الملكية لقضاء فصل الصيف ويعد القصر تحفة معمارية غاية الجمال .. وكلمة حرملك فى الأصل كلمة تركية تعني مكان الحريم حيث كان قديما محرما أن يجتمع الرجال بالنساء معا لذلك كان يتم تخصيص جزء من المنزل لتجمع الحريم حفاظا على حرمتهم وخصوصيتهم ..
ويحتوى القصر على قاعة متوسطة بارتفاع المبنى تحيط بها أجنحة المبنى في أدوار متعددة ، و مجموعة من الأثاث والتحف الزخرفية واللوحات الفنية والرسومات الفرنسية الطراز ، وهو ما جعله متحفا يشبه قصور فرساي بفرنسا و شونبرون بفيينا ، وقد فتح فعلا لزيارة الجمهور كمتحف نظير رسم دخول بسيط فيما بعد ..
صممت أرضية حجرات المبنى من الباركيه الفاخر والسلالم من الألباستر النقي ، أما عن زجاج الشرفات فهو من النوع الفاخر الذي يبلغ ثمن المتر منه 150 جنيه وهو ثمن زهيد وقتها وقد نقشت به أبدع النقوش وأروع الرسومات من الداخل ، أما الأرضية فهي من البلاط المحفور المزركش ..
ويحتوى القصر على عدة أجنحة وغرف أهمها : الجناح الملكى الخاص بالملك الذى يطل مباشرة على حدائق المنتزه وشرفته تتسع لمائة فرد ..
أيضا غرفة ولى العهد وهى غرفة فريدة فى نوعها ، حيث صنعت أرضيتها بالفلين المضغوط حتى لا يحدث عند دخولها أصوات تزعج النائم فيها ، وقد صممت هذه الأرضية خصيصا فى أوروبا و تكلفت آلاف الجنيهات ..
وكان بالحرملك ملابس الملك والملكة وأدوات الزينة الفاخرة ، وخزائن زجاجية مليئة بالسيوف والنياشين الذهبيه والقلادات التي كانت مهداة الى الملك فاروق في المناسبات المختلفة من الهيئات المصرية والأجنبية..
برج القصر
ولا ينتهي الحرملك عند هذا الحد ففي الدور العلوي أي السطح برجولا رائعة معدة للجلوس فيها ، ويظهر منها منظر مدينة الإسكندرية وتلك المناظر الخلابة كأنك تركب طائرة أو باخرة ، ولا تظهر الإسكندرية وما حولها إلا كخريطة منظر خيالى وفي هذا السطح الفاخر مصعد يقودك الى برج عالي جدا يعد آية في روعة البناء و بالمصعد آلة تليفون ركبها الملك فاروق خصصت له عقب حادث له أثناء صعوده وتعطل الأسانسير وظل معلقا فى الهواء مدة طويلة اضطر بعدها الى كسر الزجاج والقفز الى السلم ونزول الدرج على قدميه ، ومن هذا التليفون كان يمكنه أن يتخاطب مع أي جهة في أنحاء مصر المختلفة .. وكانت الأميرات تشاهد من خلاله السفن العابرة .
الصوبة الملكية
أنشأها الملك فؤاد الأول عام 1934 وضمت أندر نباتات الظل التي لا تزال موجودة حتى الآن وتبلغ مساحتها ثلاثة آلاف متر مربع وتحتوي على نباتات استوائية، وما زالت محتفظة برونقها الى جانب عدد آخر من النباتات المهمة مثل البوتس العملاق و النخيل ذيل السمكة والنباتات الكبيرة الحجم مثل الانتوريوم السهمي الاحمر و ودن الفيل والهوكيري والاراليا والفكتوريا والروبيليا
برج الساعة الشهير وكشك الشاى
من المعالم الأثرية الباقية في قصر المنتزه برج الساعة الذى أنشأه الملك فاروق ، الذي كان تخرج منه أربعة تماثيل ذهبية له عندما تدق عقارب الساعة ، أيضاً كشك الشاي ، الذي بني على الطراز الروماني والمطل على شاطئ البحر المتوسط ليتناول فيه الملك وحاشيته «شاي العصاري» ومناقشة أمور الحكم ، .
بالإضافة الى الجسر الذى يربط الجزيرة بالشاطئ ينتهي بفنار يرشد السفن واليخوت ، الى خليج المنتزه الذي كان يرسو به يخت الملك فاروق ، والذي حمل اسم المحروسة.
بالإضافة إلى سينما الأميرات ، المجاورة لقصر الملك، وهي عبارة عن حديقة غناء بها حائط كبير مجهز لعرض أفلام السينما العالمية لتسلية الأميرات.
شاهدا على الأحداث التاريخية
شهد القصر العديد من الحفلات الخديوية الصيفية بكشك الموسيقي وكان الخديو عباس حلمى الثانى يحتفل في فبراير من كل عام بعيد ميلاد ابنه الأمير عبد المنعم ، وأثناء الحرب العالمية الأولى استغل قصر المنتزه كمستشفى للقوات البريطانية وكان الجرحى يرسلون إليه عن طريق البحر وكان يطلق على بعض أجزائه المشرحة وظل السكن الخصوصي في فصل الصيف عدا فترات الحرب.
وبين أشجار المنتزه وأوراقها الملونة وأغصانها المتشابكة وحدائقه المليئة بالزهور والورود النادرة اندفع الملك فاروق بسيارته ومعه زوجته وابنه ومربيته بعدما حلقت طائرة حربية فوق القصر فور إصداره مرسوم ملكي بتعيين علي ماهر رئيسا للحكومة متوجها الى قصر رأس التين ، كأنه يقود سيارة في لوحه طبيعيه مرسومه مطعمه بصوت البحر ..
وتحولت حدائق المنتزه وشواطئها إلى موقع مميز استغله عددٌ من الفنانين لتصوير أفلامهم مثل: “ليلة بكى فيها القمر” لصباح، و”حكاية حب” لعبد الحليم حافظ ومريم فخر الدين، و”أبي فوق الشجرة” لعبد الحليم حافظ.
كما شهد القصر في عهد الرئيس السادات زيارة الرئيس كارتر لمصر وكان القصر مقر إقامته خلال تواجده بمدينة الإسكندرية.
المنتزه بعد ثورة يوليو 1952
بعد ثورة 23 يوليو 1952 ، تولت إدارته شركة سفنكس السياحية ، ثم أعقبتها في الثمانينيات شركة سان جيوفاني و التي قامت بترميمه وتجديده ، و جدير بالذكر أن القصر يحتوي على كثير من أثاثه مثل: سرير الملكة نازلي و بعض مقتنيات الملك فاروق الخاصة بمكتبه.
بعد الثورة المصرية تم إقامة منشآت سياحية لخدمة رواد الحدائق، من العامة و منها ، مطاعم و مركز سياحي متكامل و ملاعب و شاليهات
أما فندق السلاملك فقد تحول إلى فندق خمس نجوم، ، التي تتفاوت غرفه في أسعارها ، لما فيه من فخامة وأثاث ملكي، وتحف وتابلوهات، تحمل ذكريات الأسرة الملكية السابقة، واجنحة ملكية تليق نزلائه ، من الدرجة الأولى، ويحتوي على شاطئ خاص، ومركز لرجال الأعمال ، وقاعات للاجتماعات ، وموقف للسيارات، وحديقة كبيرة ، ومحال للتسوق وبازارات.
كما تم فتح حدائق وشواطئ المنتزه لعامة الشعب وأيضا تم فتح قصر الحرملك أمام الجماهير للزيارة قبل أن ينضم إلى مجموعة قصور رئاسة الجمهورية ليقيم فيه ضيوف مصر من الرؤساء و الملوك.