المؤتمر الاقتصادي- مصر 2022 الذي عقد علي مدي ثلاثة أيام في العاصمة الإدارية (23 – 25 أكتوبر 2022) كان حدثا فارقا في مسار الحوار الوطني سواء بالنسبة لعدد وتنوع وثراء المشاركين فيه أو بالنسبة للمكاشفة والمصارحة التي سادت أجواء طرح المحاور الاقتصادية المختلفة وتسليط الضوء علي واقعها ومشاكلها وطموحاتها والرؤي المطروحة للعلاج والتطوير… التجربة برمتها خرجت ناجحة مطمئنة بما رسمته من سبل وما خطته من توصيات للنهوض بالاقتصاد المصري وسط المصاعب والتحديات المحلية والعالمية التي تواجهه.
ولأن المؤتمر الاقتصادي- مصر 2022 يمثل أحد روافد آليات الحوار الوطني التي انطلقت في أبريل الماضي وتشتمل علي فتح الحوار في القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والإعلامية والدينية, فإن التوصيات التي صدرت عنه -كما أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي في جلسته الختامية- تم اعتمادها كخارطة طريق لمسار الاقتصاد المصري خلال المرحلة المقبلة, وفي هذا الصدد تقرر تحويل المؤتمر إلي منصة اقتصادية مستقرة تتابع تنفيذ التوصيات وتقدم كشف حساب سنوي بما تم إنجازه في مختلف المجالات.
شارك في المؤتمر نحو 1200 شخص موزعين بين الحكومة والجهات التنفيذية في الدولة, والوزراء وأعضاء مجلسي النواب والشيوخ, ورؤساء الأحزاب, والمستثمرين ورجال الأعمال والخبراء الاقتصاديين, ومسئولي القطاع المصرفي ورؤساء البنوك, وممثلي الغرفة التجارية, علاوة علي نخبة من المشاركين في الحوار الوطني.
لكن إدراكا أن التغيرات الاقتصادية العالمية تؤثر بدرجة لا يمكن إغفالها علي الاقتصاد المصري, كانت المداخلة المسجلة التي ألقاها خلال الجلسة الافتتاحية للمؤتمر الخبير الاقتصادي العالمي -المصري الأصل- الدكتور محمد العريان كاشفة بحق لكافة جوانب المتغيرات الاقتصادية التي تعصف بالعالم هذه الآونة والتي تطرق فيها إلي الاقتصاد العالمي والنظام المالي العالمي وما يعانيه من تحديات ولدت من رحم الدول المتقدمة ومجموعة الدول السبع التي تقود الاقتصاد العالمي علي وجه الخصوص… منوها إلي ما يعتري اقتصادها من انهيار فوضوي في العملة وزيادة غير منضبطة في العائدات, وتدخلات طارئة من بنوكها المركزية وتضارب في سياسات متعددة ومعاكسة لحكوماتها, الأمور التي أدت إلي تحذيرات متكررة من وكالات التصنيف العالمية وتوبيخ علني من صندوق النقد الدولي… وخلص الدكتور العريان إلي أن ذلك كله أورثنا اقتصادا عالميا تكتنفه حالة من عدم اليقين وعدم الاستقرار, تسببت في تراجع نسب النمو نتيجة انخفاض الطلب وبالتالي انخفاض العرض في الأسواق, ونتج عن ذلك تباطؤ اقتصادي متزامن في المناطق الاقتصادية الرئيسية الثلاث في العالم: الولايات المتحدة, والمجموعة الأوروبية والصين.. وعززت من الآثار السلبية لذلك التباطؤ التغييرات الجيوسياسية التي يشهدها العالم في الأزمة الروسية الأوكرانية, وصدمة الغذاء والطاقة الناتجة عن تلك الأزمة… وخلص الدكتور العريان أن كل ذلك خلق بيئة صادمة في كافة دول العالم وضعت اقتصاداتها أمام تحديات جمة.
كانت كلمة الدكتور العريان كاشفة, ولعلها كانت هادية للكثير من الحوارات التي شهدتها فعاليات المؤتمر الاقتصادي وما انتهي إليه من توصيات, أنقل هنا ملامحها الرئيسية:
** السياسات المالية والنقدية:
- العمل علي استمرار خفض نسبة الدين إلي الناتج المحلي الإجمالي.
- سرعة الوصول إلي اتفاق مع صندوق النقد الدولي.
- مرونة سعر الصرف ليعكس ديناميكيات السوق بين العرض والطلب.
** تعزيز دور القطاع المالي غير المصرفي:
- توسيع قاعدة ملكية الشركات المملوكة للدولة من خلال سوق الأوراق المالية.
- تبسيط إجراءات التراخيص للشركات العاملة في مجال التكنولوجيا المالية والخدمات الإلكترونية والتحول الرقمي.
- إعداد تشريع لتسهيل إجراءات تأسيس الشركات المالية بغرض الاستثمار في الشركات الناشئة.
** تعزيز مشاركة القطاع الخاص:
- حوكمة الأصول المملوكة للدولة للحد من استئثار الدولة بأدوار المالك والمشغل والرقيب في ذات الوقت في بعض قطاعات الإنتاج.
- تعزيز دور صندوق مصر السيادي عن طريق نقل عدد من الشركات التابعة للدولة إليه.
- استهداف زيادة نصيب القطاع الخاص من الحصة السوقية في النشاط الاقتصادي.
- الحد من قيام أية جهة في الجهاز الإداري للدولة بفرض رسوم جديدة علي المستثمرين قبل الحصول علي موافقة مسبقة من مجلس الوزراء.
- مراجعة جميع الإجراءات والموافقات والرسوم الخاصة بالاستثمار من جانب الهيئة العامة للاستثمار.
- التوسع في إنشاء المناطق الاقتصادية الخاصة واللوجستية خاصة في الصعيد.
- دعم مشاركة القطاع الخاص مع القطاع العام في المشروعات ذات الأولوية.
** القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية:
- إصلاح منظومة التعاونيات والاتحادات المرتبطة بالنشاط الزراعي.
- إيجاد خطوط نقل سريع لتمكين الصادرات الزراعية الطازجة من النفاذ إلي الأسواق.
- حوافز تشجيعية لإقامة منشآت صحية في المدن الجديدة والحدودية وتسهيل إجراءات الترخيص.
- تسهيل إجراءات الشراكة مع الدولة في المستشفيات القائمة والجديدة.
- التوسع في الجامعات التكنولوجية وتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص بتقديم حوافز تمويلية وضريبية وتسهيل إجراءات الترخيص.
- توطين الصناعة المحلية لمدخلات مشروعات الكهرباء والطاقة المتجددة مع منح حوافز إضافية للقطاع الخاص لتشجيع المستثمرين علي الدخول في هذه المشروعات.
- إيجاد منظومة جديدة للتمويل العقاري تحفظ التوازن بين قوي العرض والطلب مع تحفيز القطاع الخاص علي المشاركة في توفير وحدات الإسكان لمختلف شرائح الدخل.
- إنشاء منطقة اقتصادية خاصة لصناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات, وتوفير الحوافز للشركات العاملة في مجال تصدير البرمجيات.
- تنمية مناخ الاستثمار الفندقي والنقل السياحي, والعمل علي زيادة تنافسية المطارات المصرية في استقبال أعداد متزايدة من السياح إلي مصر.
- التوسع في التصنيع المحلي للوحدات المتحركة للسكة الحديد والجر الكهربائي وقطع غيارها.
- إشراك القطاع الخاص المصري والأجنبي في إدارة وتشغيل كافة مرافق النقل.
- مد خطوط السكك الحديدية لدول الجوار لتعظيم التجارة البينية وتشجيع المصدرين.
- التوسع في إنشاء الموانئ الجافة والمناطق اللوجستية.
** تطوير القطاع الصناعي:
- تعميق التصنيع المحلي من خلال الرؤية المتكاملة لاستراتيجية الصناعة الوطنية.
- تنمية الصادرات الصناعية مع تفعيل قانون تفضيل المنتج المحلي.
- تحويل المدن الصناعية إلي مدن عمرانية متكاملة تضم إسكان العاملين وخدماته.
*** هذه حصيلة واعدة طموحة لتوصيات المؤتمر الاقتصادي- مصر 2022… والأمل معقود علي الجدية والصرامة في وضعها قيد التنفيذ وتفعيل الآلية السنوية لتقييمها كما صرح الرئيس السيسي.