تعيد الكنيسة القبطية الأرثوذكسية في مثل هذا اليوم الموافق 21 من شهر هاتور من سنة ١٢٣٢ للشهداء (١٥١٥م) بتذكار نقل جسد القديس العظيم الأنبا يحنس كاما القس.
وقد تم وجود هذا الخبر في حاشية بمخطوطة سنكسار جزء أول (من توت إلى أمشير) بمكتبة دير البرموس العامر تحت رقم ٦ / ٢٢١ من ديره الكائن ببِركة الأديرة والتي تبعد عن دير القديس الأنبا بيشوي بحوالي ثلاثة كيلومترات إلى ناحية الجنوب الشرقي وكان يوجد بها:
دير القديس العظيم الأنبا يحنس القصير وهو أكبرها.
دير القديس العظيم الأنبا يحنس كاما القس.
دير الحَبَش.
دير الأرمن.
كذلك جبّانة (طافوس) الآباء الرهبان.
وقد تخرَّبت هذه الأديرة في أواخر القرن الخامس عشر وأوائل القرن السادس عشر بسبب تناقص عدد رهبانها جداً وهجوم النمل الأبيض على أخشابها، وعدم مقدرة الرهبان القليلين جداً والفقراء جداً على تجديدها. ومازالت أطلال هذه الأديرة باقية وظاهرة حتى الآن.
جاء ما تبقَّى من رهبان دير الأنبا يحنس كاما إلى دير السيدة العذراء (السريان) ومعهم رفات أبيهم الأنبا يحنس كاما في أنبوبة خشبية ووضعوه في مقصورة بالدير، ومعهم كذلك الحجر الرخامي المدون عليه باللغة القبطية تاريخ نياحة هذا القديس ٢٥ كيهك سنة ٥٧٥ للشهداء (٨٥٩م) وثبّتوه في حائط الخورس الأول بكنيسة السيدة العذراء السريان ومازال موجوداً بها للآن.
قصة حياة القديس الأنبا يحنس كاما
اسمه يعني “يحنس المصري” أو “يوحنا المصري”، لأن كلمة “كاما” أو “كامي” xame كلمة قبطية معناها أسود، وهي مشتقة من كيمي (Xhmi مصر) لِتُرْبَتها السوداء.
الزواج بغير إرادته:
وُلد هذا القديس في قرية شبرا منصور، تقع في مديرية الغربية بالدلتا، من أبوين مسيحيين خائفين الرب ولم ينجبا سواه. فاهتما بتربيته تربية مسيحية حتى أصبح شابًا، وكان يريد أن يعيش بتولًا، إلا أن والديه أرغماه على الزواج بغير إرادته، فما كان منه إلا أن دخل مخدعه، وأخذ يصلي فترة طويلة طالبًا بحرارة من الله أن يعينه على تحقيق رغبته، وحفظ بتوليته مكرسة لربنا يسوع المسيح العريس الحقيقي.
بتوليتهما:
ولما أكمل الصلاة وذهب إلى عروسه خاطبها قائلًا:
“يا أختي المباركة أنتِ تعلمين أن العالم وكل ما فيه سيزول كقول القديس يوحنا الحبيب البتول أن العالم يمضي وشهوته.
فهل لكِ أن توافقينني على حفظ جسدينا طاهرين، مكرسين حياتنا لمن خطبنا بدمه؟”
أجابته بفرح قائلة: “إن هذا كان قصدي وغاية مناي ومسرة قلبي يا أخي”. وهكذا اتفق الاثنان على ذلك وأقاما زمانًا كما يقيم الأخ مع أخته، متممين اتفاقهما على ما يفوق الطبيعة من سمو وروحانية مهتمين بما فوق، وكانا إذا رقدا ينزل ملاك ويظلّل عليهما بجناحيه.
في البرية:
ثم بعد قليل قال القديس يحنس كاما لزوجته:
“ما رأيكِ يا أختي أنني أشتهي الذهاب للبرية للتفرغ لعبادة ربنا يسوع المسيح ولكنني لا أستطيع أن أفعل ذلك إلا برضاكِ”.
فوافقته هي أيضًا على ذلك برضا كامل، وأعلنت اشتياقها للرهبنة أيضًا مثله، فشكر الله كثيرًا وأخذها إلى أحد بيوت العذارى وتركها هناك وعاشت راهبة فاضلة حتى أصبحت أمًا للدير.
أما هو فذهب إلى برية شيهيت، وفي الطريق ظهر له ملاك الرب وأرشده إلى دير القديس مقاريوس الكبير، فمضى إليه وترهّب هناك في قلاية الأب ثيروتي، وأقام عند هذا الشيخ يتعلم منه الفضيلة إلى أن تنيّح.
غرب دير الأنبا يحنس القصير:
أمره الملاك أن يمضي إلى غرب دير الأنبا يوحنا القصير ويبني هناك مسكنًا له، فمضى وفعل كما أمره الرب. (ستجد المزيد عن هؤلاء القديسين هنا في موقع الأنبا تكلا في أقسام السير والسنكسار والتاريخ وأقوال الآباء). وهكذا استمر في العبادة بحبٍ ونشاطٍ، وبدأ البعض يتعرّف عليه ويُعجب بحياته وقداسته حتى اجتمع حوله ثلاثمائة أخ. فكان يبني لهم القلالي وبنى كنيسة على اسم والدة الإله القديسة مريم، وأطلق اسمها المبارك على الدير. وقد ظهرت للقديس الأنبا يحنس كامي في رؤيا ليلًا وقالت له: “إن هذا المكان هو مسكني، وإني سأكون مع أولادك كما كنت معك”.
سيامته قمصًا:
رُسِم قمصًا رغم احتجاجه بأنه غير مستحق لهذه الكرامة الروحية. وبعد رسامته بأسابيع رغب رهبان بعض الأديرة في الصعيد أن يكونوا تحت إرشاد القديس، فأرسلوا إليه طالبين حضوره. فدعا تلميذه شنودة وكلفه رعاية الإخوة حتى يعود.
ولما أخذ يوحنا يتنقل بين أديرة الصعيد عثر على ديرٍ مهجورٍ فأقام فيه، وسرعان ما سمع الناس عنه، فهرعوا إليه لينالوا بركته، وتتلمذ له عدد منهم أحبوا أن يعيشوا في حمى صلواته.
هكذا صار هذا القديس المجاهد أبًا لطغمة روحانية من الرهبان حتى أكمل جهاده وتنيّح بسلام في الخامس والعشرين من شهر كيهك سنة 575 ش- 859 م.