الاختيار صعب ما بين مكافحة الفقر المدقع, والفاتورة الفادحة المترتبة علي مواجهة تغير المناخ0, والتكيف معه, لكن ما علاقة الفقر والأزمات الاقتصادية بتغير المناخ, ما علاقة الجنيه العائم منذ عامين بالأحداث الطبيعية؟ ما علاقة غلاء الأسعار, ورفع الدعم عن الطاقة, وتطور سعر البنزين, وفرض ضرائب جديدة بتغير المناخ؟ صدق أو لاتصدق, هذه هي الحقيقة التي لايراها البعض, فالعلاقة وثيقة جدا, والمفجع أن الأمر لن يتوقف عند ذلك, لكن بحلول عام 2030 سيدفع تغير المناخ- حسب تقرير للبنك الدولي المركزي-132 مليون شخص للفقر المدقع, وطبقا للنظريات الاقتصادية,فإن إحدي نتائج تغير المناخ هو التضخم بحيث سيتسبب في ارتفاع الأسعار علي نطاق واسع ودائم في جميع مجالات الاقتصاد, وما لم توفر الدول الصناعية بدائل تكنولوجية ومالية مناسبة تدعم بها الدول النامية, ستؤول الأوضاع إلي الأسوأ, هذا هو الحاضر الغائب عن أذهاننا, فالناس لا تدقق في الأسباب الحقيقية لما يجري للاقتصاد العالمي حاليا, بالرغم من التحذيرات التي أطلقها العالم البيئي د. مصطفي كمال طلبة منذ ثمانينيات القرن الماضي. لأن تغير المناخ يؤثر علي الوظائف والمحاصيل, والمياه, وكل القطاعات الحيوية, التي يمكن التخفيف من الآثار السلبية عليها وعلي المستفيدين منها بتأ سيس بني تحتية قادرة علي الصمود, وعمل مشاريع بديلة, وبسرعة لكن هذا لا يحدث مجانا, بل يتطلب أموالا ضخمة لا تتوفر ليس لمصر فقط, ولكن لكل الدول النامية, إدارة هذه المعضلة نوقشت أمميا, وتم التوصل إلي اتفاق يقضي بمويل الدول الكبري ب100 مليار دولار سنويا للدول النامية, لم تلتزم الدول الكبري ذات الثراء, إلي أن اجتمع قادة وعلماء العالم في مدينة جلاسكو بإسكتلندا, في نوفمبر من العام الماضي, لحضور القمة 26 للمناخ, التي أسموها بقمة الأمل الأخير واجههم الفشل والإحباط بسبب فجوة التمويل واستمرار لنزاعات وعدم التوفيق في خفض الانبعاثات الضارة, واستمرار عدد من الدول في عدم الوفاء بتعهداتها المالية تجاه تمويل الدول النامية لتتمكن من مواجهة الآثار الكارثية لتغير المناخ, وتحديدا قارة أفريقيا التي تقع مصر في القلب منها, هذا التمويل يلزم لتأسيس بني تحتية قادرة علي الصمود في مواجهة الآثار المتوقعة قريبا منفيضانات-سيول-جفافوالتي بدأت بلدان الشرق الأوسط تلمسها. مائة مليار لاتكفي ومع غيابها كاملة, تضطر الدول ومنها مصر للاقتراض من صندوق النقد ومجموعة البنك الدولي, لتؤهل البني التحتية لها حتي تحمي مواطنيها قدر الإمكان, وتوفر فرصا بديلة وسبل الانتقال السريع من الأماكن التي سوف تشهد تهجيرا قسريا لاحقا, بسبب جفافها أو غرقها, ومحاولة خفض مستوي الخسائر والإضرار التي ستلحق بالفئات الضعيفة والهشة, وهذا شرط المؤسسات المقرضة, لكن لماذا لا نشعر بالحماية؟ لأن فاتورة المناخ شديدة الوطأة علي الدول, فالعالم بين شقي رحي, إما تحمل التبعات الاقتصادية للمرور بأكبر أزمة تاريخية عالمية, أو ترك الوضع علي ما هو عليه والوقوف في مواجهة آثار تغير المناخ كريشة في مهب الريح, فما نشهده حاليا من أزمات اقتصادية طاحنة, وتعويم للمرة الثالثة للجنيه مقابل الدولار, هو جزء أصيل من أزمة المناخ, وليس فقط بسبب الأزمة الأزمة الروسية الأوكرانية, ولا بسبب الاقتراض المصري المتكرر, بل أن بعض من الاقتراض هو جزء من خطة العمل المناخي, لكن للأسف التمويل المخصص لدعم العمل المناخي يأتي معظمه في صورة قروض ذات فائدة, بينما تقدر قيمة المنح التي لا ترد ب6% من إجمالي التمويل, فمجموعة البنك الدولي لا تعمل مع البلدان النامية للحد من الفقر مجانا وصندوق النقد الدولي ووظيفته أن يعمل علي تحقيق استقرار النظام النقدي الدولي, ورصد حركة العملات في العالم, لايعمل مجانا, وفوائد القروض ستظل تتراكم ما لم تف الدول الكبري بتعهداتها التمويلية, كل هذا يقوض فرص العبور الآمن من أزمة تغير المناخ, ويفاقم من الأعباء الملقاة علي عاتق الدول النامية وهو أمر ينسحب علي اقتصاد القارة الأفريقية كلها وليس مصر فقط.