ما أجمل الكلمات التي تفوه بها القديس يوحنا في رسالته الأولي:من زعم أنه في النور وهو لا يحب أخاه لم يخرج من الظلام(2:9). يحكي عن رجل عجوز كان يرقد علي فراش الموت, حيث توافد أصدقاؤه لوداعه, ونظر الرجل إلي أحدهم وقال ضاحكا:قبل وصولك استقبلك ثلاثة ضيوف, وقد ودعت اثنين منهم وداعا حارا, ورفضت أن أودع الثالث, لأنني لم أستطع سوي أن أحتفظ به إلي الأبد! وسأله الضيف متعجبا: ومن هؤلاء؟ فابتسم الرجل التقي وقال:الصديق الأول هو الإيمان, وقد قلت له: وداعا…إنني اشكر الله من أجل رفقتك, لقد ساعدتني طوال حياتي, وبك عرفت الله, أما الآن فأنا ذاهب إلي حيث أري كل شيء بالعيان, فلست محتاجا بعد إليك! لقد أتممت دورك في حياتي. وكان الأمل هو صديقي الثاني, فشكرته علي مواقفه الراسخة حيث أنقذني من اليأس والفشل في مواقف كثيرة, ولكنني قلت له:الآن أنا لم أعد في حاجة إليك أيها الصديق الوفي,فأنا ذاهب إلي حيث تتحقق الآمال والأحلام, وحيث يصير الرجاء واقعا حقيقيا.أما صديقي الثالث فكان الحب, لقد قلت له:حقا لقد كنت صديقا رائعا ولا مثيل لك, ربطتني بالله والناس, وملأت رحلة الحياة فرحا وسلاما وراحة, لكنني لا أستطيع أن أتركك هنا, إذ لابد أن تأتي معي عبر الأبواب إلي مدينة الله, فهناك يكتمل الحب ويتوج المحبون! لذلك لن أقول وداعا أيها الحب!.ما أسهل أن تعلن للآخرين وتكرارا عن حبنا لهم بالكلام, ولكن الواقع كثيرا ما يثبت لهم خلاف ذلك. مما لاشك فيه أن العالم مازال يئن ويتألم من البعض والكراهية والحرب والدمار والإرهاب, وأمام كل هذه يجب علي كل إنسان محب لله والخليفة أن يرفع صوته وينادي بالحب, لأننا نعاني من فيروس الكراهية وأنيميا الحب. فالغالبية العظمي من البشر فقدت المعني الحقيقي للمحبة في علاقتها بالآخرين, لذلك يجب أن نضع في الاعتبار أن الشخص الذي يقوم بحذف كلمة المحبة من قاموسه الشخصي والذي يحتوي علي كلمات لا حصر لها فإنه يفقد كل المعاني الآخري لجميع الكلمات, حتي تصبح بلا قيمة بعد ذلك, فالشخص الذي يريد أن يسير في النور حتي لا تعثر قدماه أو حياته, يجب عليه أن يحب لأن المحبة أمر سام وخير أعظم لا يوازيه شيء في هذه الدنيا, تخفف دون سواها كل ما ثقيلا وترفع الأعباء عن الإنسان, كما أنها تحول مرارة العيش إلي عذوبة وحلاوة لا مثيل لهما. ولا ننسي أن الحب هو الشيء الوحيد الذي لن يستطيع أي شخص أن يسرقه منا,لأنه قوي كالموت. إن الغالبية العظمي من البشر تهتم بالميراث المادي للأبناء والبنات حتي تؤمن حياتهم في المستقبل, لكن الوقف الأمثل والباقي هو الحب, الذي يعتبر ثمرة الخير والعطاء السخاء التي تركناها في مسيرة حياتنا الأرضية. لنتخيل كم من الوعود بين العشاق بالحب الأبدي لبعضهم البعض, لكنها خذلت بعد فترة وجيزة؟ومن المحتمل أن ينقلب هذا الحب إلي بغض أبدي ومقاطعة دائمة لا رجوع, لكن الزمن هو الحكم الحقيقي لمسيرة الحب إذا…ياليتنا نكون صادقين وأوفياء في وعودنا للآخرين حتي لا تتأثر محبتنا بأي عواصف أو تقلبات خارجية. إن المحب الحقيقي لا يبخل في عطائه لأنه عندما يحب وفق حسابات معينة, لن يعرف المحبة الصادقة, لأنه يلهث وراء مصالحه الشخصية, لكن المحبة هي الكنز الوحيد الذي ينمو ويزداد بالعطاء والمشاركة مع الآخرين كما أن المعاملات التجارية لا تصلح في الحب, لأن من يعطي بحب لا يخسر, وإنما يزداد غني.فالمحبة الحقيقية لا تضع مقاييس الربح والخسارة مع من يحب, لأنها هي الجوهرة الوحيدة التي تزداد قيمتها بالقسمة والتوزيع. وجميل قول أحد آباء الكنيسة الملقب بمكسيموس المعرف:افعل المستحيل لمحبة كل شخص, وإن لم تكن قادرا علي ذلك فلا تكره أحدا أبدا, ولن تستطيع القيام بذلك إلا عند بلوغك التجرد من مغريات العالم… فأحباء الله غير محبوبين من الجميع, ولكنهم يحبون الكل بصدق,لذلك يجب أن نضع في الاعتبار بأن الله وضع بداخلنا بذرة الحب, فعلينا أن نحتضنها ونزرعها ونسقيها ونغذيها, حتي نحصل علي ثمارها اليانعة في هذه الحياة, وبعد انتقالنا من هذا العالم . ونختم بكلمات الفيلسوف النابغة القديس أوغسطينوس:أحبب وافعل ما تشاء.