– اشتباكات أغسطس في طرابلس أدّت إلى تحوّل في ميزان القوى في العاصمة، مما زاد من عمق التوترات بين الجهات الأمنية في الشرق والغرب وأدى إلى استقرار هش.
– اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وافقت على الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة في سرت يوم الخميس المقبل لتنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
– باتيلي يدعو السلطات الليبية لمعالجة الوضع المتردي للمهاجرين واللاجئين وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر.
– لا سبيل لإنهاء التدخلات الأجنبية والانقسام، في ليبيا الا بمصالحة وطنية حقيقية تُحلحل الانسداد السياسي الراهن
اجتمع مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة في نيويورك امس، لبحث الحالة في ليبيا، وركز المجلس على الجمود السياسي الذي طال أمده وما يوّلده من تهديدات أمنية، بما في ذلك القتال الذي اندلع في طرابلس في أواخر أغسطس. واستمع أعضاء المجلس إلى الإحاطة الافتراضية لعبد الله باتيلي الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا ورئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا (أونسميل)، مع التركيز على العملية السياسية وإجراء الانتخابات. وشارك أعضاء مجلس الأمن في مفاوضات بشأن مشروع قرار يجدد ولاية بعثة أونسميل والتي تنتهي في 31 اكتوبر الجاري وفقا للقرار 2647 المؤرخ في 28 يوليو.
قدّم عبد الله باتيلي الذي عينه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش في ٢ سبتمبر الماضي، أول إحاطة له أمام مجلس الأمن الدولي، وتحدّث عن الحالة في ليبيا مشيرا إلى أن الأزمة السياسية لا تزال قائمة دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده بشأن السلطة التنفيذية، وفي بيان صدر فور وصوله، قال باتيلي إنه سيبدأ بالانخراط مع الأحزاب الليبية في جميع أنحاء البلاد بما في ذلك منظمات المجتمع المدني والنساء والشباب.، كما أشار إلى أن أولويته هي “تحديد مسار توافقي يفضي إلى تنظيم انتخابات وطنية شاملة وذات مصداقية في أقرب فرصة ممكنة، بالاستناد إلى إطار دستوري متين.”
فور توليه مهامه قبل وصوله إلى ليبيا في 14 أكتوبر، تواصل باتيلي مع طيف واسع من ممثلي الدول الأعضاء في نيويورك، بمن فيهم أعضاء مجلس الأمن وممثلين عن المنظمات الإقليمية، للاستماع إلى أفكارهم حول الوضع في ليبيا وتصوراتهم حول كيفية التغلب على التحديات التي تواجهها البلاد.، وقال لأعضاء مجلس الأمن: “شدّدت على أهمية ضمان دعم المجتمع الدولي للجهود الليبية بطريقة منسقة والالتفاف حول قيادة الأمم المتحدة والامتناع عن اتخاذ أي إجراء من شأنه أن يعمّق الانقسامات أكثر فأكثر.، وأشار إلى أن الأزمة السياسية لا تزال قائمة دون أن تلوح في الأفق نهاية واضحة للمأزق الذي طال أمده بشأن السلطة التنفيذية. إضافة إلى ذلك، فإن الجهود المبذولة لحل القضايا العالقة المتبقية والمتصلة بالقاعدة الدستورية للانتخابات لا تصب، فيما يبدو، في سبيل اتخاذ إجراءات ملموسة من جانب الجهات الفاعلة ذات الصلة، “مما يزيد من تأخير احتمالات إجراء انتخابات شاملة وحرة ونزيهة لإنهاء المرحلة الانتقالية واستعادة شرعية المؤسسات.”
وللاستجابة لهذه التحديات، أكد المسؤول الأممي أنه قرر إعطاء الأولوية للمشاورات مع الجهات الفاعلة المؤسسية والسياسية والأمنية والمجتمع المدني في ليبيا وعبر جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك جنوبها وشرقها وغربها، وقد انخرط بلقاءات عديدة منذ وصوله إلى ليبيا مع طيف واسع من الفاعلين السياسيين والأمنيين والاقتصاديين الليبيين وممثلي المجتمع المدني، بغية اكتساب فهم أفضل للتحديات الحالية والحلول الممكنة وتطلعات الشعب الليبي، بما في ذلك لقاءاته مع قيادة المجلس الرئاسي، رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، ورئيس مجلس النواب المستشار عقيلة صالح، وغيرهما.وقال: “لا تزال هناك اختلافات كبيرة حول الطريقة التي يريدها الليبيون للتغلب على الأزمة الحالية.”
أشار باتيلي إلى وجود إجماع يكاد يكون تاما عبر كل الأطياف بإدانة تواجد المرتزقة والمقاتلين الأجانب والقوات الأجنبية في ليبيا والتدخل الأجنبي المستمر في شؤون البلاد، وقال: “أكدتُ لجميع من تحاورت معهم أن حل الأزمة يجب أن يأتي من داخل ليبيا، استناداً إلى إرادة الشعب الليبي. وحثثتُ قادة البلاد على الإصغاء إلى تطلعات الشعب للسلام والاستقرار والتنمية الاقتصادية وإلى قيادة تستجيب لإرادتهم.، موضحاً أن وقف إطلاق النار لا يزال صامدا، وأضاف أنه ينبغي إعادة تنشيط المسار الأمني لأنه تأثر سلبا بالمأزق السياسي الذي طال أمده.، وأبلغ باتيلي مجلس الأمن أن الاشتباكات العنيفة في طرابلس في 27 أغسطس أدّت إلى تحوّل في ميزان القوى في العاصمة، مما زاد من عمق التوترات بين الجهات الأمنية في الشرق والغرب وأدى إلى استقرار هش.، وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في تحشيد المجموعات المسلحة والاشتباكات فيما بينها، لكن ثمّة تقارير عن أنشطة جارية لعمليات تجنيد واسعة النطاق. وأدّى القتال بين المجموعات المسلحة في الزاوية، غربي طرابلس، في 25 سبتمبر، إلى محاصرة عشرات العائلات لعدة ساعات ومقتل ثلاثة مدنيين على الأقل، بمن فيهم فتاة تبلغ من العمر 10 سنوات.، وأضاف أن اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وافقت على الاجتماع تحت رعاية الأمم المتحدة في سرت يوم الخميس المقبل لمناقشة استئناف الأنشطة التي تضطلع بها اللجنة لمواصلة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.
في بنغازي الدمار الواسع
فيما يتعلق بمحادثات رئاسة الأركان، التقى رئيسا الأركان في تونس العاصمة في 12 أكتوبر على هامش معرض للطيران والدفاع. ولم تتحقق بعد الزيارة التي يعتزم القيام بها رئيس أركان الدفاع بالجيش الليبي إلى بنغازي.، وقال: “أحث على اللقاءات الدورية بين رئيسي الأركان لتبادل الآراء وإعطاء الزخم للخطوات الرامية إلى إعادة توحيد المؤسسات العسكرية.، وفيما يتعلق بالتطورات على المسار الاقتصادي، قال باتيلي إن هذا المسار يشمل إصدار التقارير السنوية لديوان المحاسبة الليبي وهيئة الرقابة الإدارية عن أنشطة المؤسسات العامة، بما في ذلك مصرف ليبيا المركزي وحكومة الوحدة الوطنية. واستجابة لبعض النتائج والتوصيات الواردة في التقريرين، أعلن رئيس الوزراء، السيد الدبيبة، عن سلسلة من الإجراءات الإدارية التصحيحية، وتم فتح تحقيقات في عمل مسؤولين ليبيين استنادا إلى الملاحظات والتوصيات الواردة في التقريرين.
حقوق الإنسان في ليبيا
على جانب اخر أعرب باتيلي عن أسفه إزاء حالة حقوق الإنسان في ليبيا، التي لا تزال تبعث على القلق على حدّ تعبيره. وتحدث عن مواصلة الانتهاكات التي يتعرّض لها المهاجرون وطالبو اللجوء مع الإفلات من العقاب.، ويظل الاعتقال التعسفي من الممارسات الشائعة. في 7 أكتوبر، في أعقاب الاشتباكات بين عصابات الاتجار بالبشر المتناحرة في مدينة صبراتة، تم العثور على 11 جثة متفحمة لأشخاص يُعتقد أنهم مهاجرون في قارب كان راسيا، وعُثر على أربع جثث أخرى خارج القارب وتبدو علامات الإصابات عليها.وأشار إلى إعلان وزارة الداخلية عن إجراء تحقيق ينبغي أن يقدّم الجناة إلى العدالة. وقال باتيلي: “أدعو السلطات الليبية إلى اتخاذ تدابير فورية وذات مصداقية لمعالجة الوضع المتردي للمهاجرين واللاجئين وتفكيك شبكات الاتجار بالبشر والشبكات الإجرامية المتصلة بها.”
وتظهر الأرقام الرسمية التي تلقتها أونسميل في 1 أكتوبر، أن ما يقرب من 11,000 شخص من بينهم 55 سيّدة، يقضون عقوبات في سجون يديرها جهاز الشرطة القضائية. بالإضافة إلى ذلك، يقبع ما يقرب من 6,000 شخص في الحبس الاحتياطي (ثلث عدد السجناء)، من بينهم 113 سيدة. ويوجد 135 من الأحداث خلف القضبان. والعدد الإجمالي يمثل زيادة بنسبة 40 في المائة عن الإحصاءات الصادرة في أغسطس 2021.، وأضاف باتيلي أن هذه الأعداد لا تشمل ما يقرب من 3,243 مهاجرا من المحتجزين تعسفا في مراكز التوقيف التي تديرها جهات حكومية.، وقال: “ينبغي على السلطات الليبية ضمان الإجراءات القانونية الواجبة والمحاكمة العادلة للمحتجزين بتُهم ثابتة، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأشخاص المحتجزين تعسفياً.”
المصالحة الوطنية
في 12 أكتوبر، نظمت الرئاسة المشتركة لفريق العمل المعني بالقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان والتابع للجنة المتابعة الدولية المعنية بليبيا، بالتعاون مع المجلس الرئاسي والاتحاد الأفريقي، جلسة إحاطة بشأن المصالحة الوطنية قدّمها خبراء عرضوا فيها أفضل الممارسات وغيرها من الخبرات الوطنية في هذا المجال.، وأوضح باتيلي أن الاجتماع سلّط الضوء على دور الضحايا في صميم عمليات المصالحة الفعّالة القائمة على الحقوق، والحاجة إلى إعادة بناء الثقة في مؤسسات الدولة، والأهمية القصوى لضمان الشمولية وتمثيل المرأة ومشاركتها بصورة مجدية. كما شدد الخبراء على أهمية ضمان ربط جهود المصالحة بشكل فعّال بالعملية السياسية.
وفي 18 أكتوبر، اجتمع باتيلي مع وزير خارجية جمهورية الكونغو، بصفته ممثلا لرئيس اللجنة العليا المعنية بليبيا والتابعة للاتحاد الأفريقي. وقال: “أطلعني على نتائج الاجتماع الذي اختُتم للتو والذي ناقش خلاله الاتحاد الأفريقي مع النظراء الليبيين الأعمال التحضيرية لعقد اجتماع للمصالحة الوطنية.”، وقال باتيلي في ختام كلمته إن الوضع في ليبيا يستدعي عملية توافق في الآراء لإعادة شرعية الدولة، وأشار إلى وجوب تأسيس مؤسسات شرعية قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للشعب على أساس إرادة سياسية حقيقية. وقال: “في إطار هذه العملية، يأتي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية كأولوية قصوى.”
وأكد أنه سيكثف المشاورات مع الجهات الفاعلة ذات الصلة لإحراز تقدم في التوصل إلى اتفاق بشأن المعايير اللازمة لتحقيق هذا الهدف بما في ذلك خلال القمة المقبلة لجامعة الدول العربية. وقال باتيلي إنه في الأسابيع المقبلة يتعهد بتسهيل اجتماع بين قيادتي مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة لفهم الالتزامات المعلنة في الرباط (21 أكتوبر) والاتفاق على تدابير سياسية ودستورية وقانونية وأمنية للمضي قدما في التحضير للانتخابات في أقرب وقت ممكن انسجاما مع التطلعات التي عبّر عنها الشعب الليبي بشكل جليّ.وسيتوجه باتيلي في 27 أكتوبر إلى سرت لاستئناف عمل اللجنة العسكرية المشتركة (5+5) وإحياء المسار الأمني. إضافة إلى إنعاش المسارين السياسي والاقتصادي.
الليبيون في حالة ترقّب
من جانبه، رحب مندوب ليبيا الدائم لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، بالسرعة التي شرع فيها باتيلي بالعمل وتصريحاته التي أعلن فيها فور وصوله اعتزامه التواصل مع جميع الأطراف الليبية دون استثناء والاستماع لها بخصوص الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية.، وقال: “نتمنى أن يستكمل السيد باتيلي من حيث انتهى من سبقه، فلا نعيد مرحلة التجارب والأخطاء السابقة ثم نتوقع نتائج مختلفة.”، وقال إن الليبيين في حالة ترقّب وانتظار ويوّدون رؤية انتهاء هذه المرحلة من الأزمات، والتعبير عن رغبة قرابة 3 ملايين ناخب لإجراء الانتخابات.، وأشاد بما وصفه “بوادر توافق” في مجلس الأمن: “نرى ذلك في إمكانية تعيين المبعوث الخاص بعد قرابة عام وكذلك ما نتوقعه من إصدار قرار لتمديد ولاية البعثة.” وأوضح أن هذا التوافق يبعث بعض الأمل حول وجود إرادة من مجلس الأمن لحل المشكلة السياسية في ليبيا.، مؤكداً أن الانتخابات ستكون خطوة مهمة لإيجاد الحل، وكرر طلب دعم المفوضية العليا للانتخابات والحكومة وإرسال فرق لتقييم الاحتياجات من الأمم المتحدة وتوفير الدعم الفني واللوجستي للانتخابات بدءا من الآن بالتوازي مع المسارات السياسية والقانونية الأخرى.، وقال السني، سيكون ذلك مؤشرا مهما على جدية المجتمع الدولي لدعم الانتخابات وإرجاع الزخم الذي كان موجودا قبل شهر ديسمبر الماضي.”، وأشار إلى الحاجة لدعم الجهود الوطنية للخروج من دائرة الصراع على حد تعبيره، وإنهاء التدخلات الأجنبية والانقسام، “ولا سبيل لذلك سوى بمصالحة وطنية حقيقية” لتساهم في حلحلة الانسداد السياسي الراهن.وقال: “نحتاج إلى إعادة بناء الثقة بين جميع أبناء الوطن بمختلف توجهاتهم وانتماءاتهم ونعمل على طيّ صفحة الماضي”، وأضاف أن المجلس الرئاسي قام بخطوات عملية فاعلة بدأت بإنشاء المفوضية العليا للمصالحة الوطنية برئاسة النائب عبد الله اللافي وتم إنشاء لجنة من خبراء القانون لصياغة قانون موحد للمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية. ولفت الانتباه إلى عقد اللجنة الاستشارية اجتماعها الأول في طرابلس منذ أيام بعضوية الاتحاد الأفريقي للإعداد للملتقى التحضيري الذي سيُعقد في منتصف الشهر المقبل بحضور أكثر من 80 عضوا يمثلون كافة المدن والمناطق الليبية تمهيدا لعقد مؤتمر المصالحة الوطنية المتوقع العام المقبل.