يصلي داود النبي قائلا:جميع المخلوقات تعقد عليك الرجاء كي ترزقها في الآوان الغذاء, أنت الذي يؤتيها رزقها وهي تجمع, تمد يدك فإذا هي من الخير تشبع(مزمور 103:27-28).
إن عناية الله بنا لاتعني التواكل من نحونا, ولكن يجب أن ننهض ونشمر عن سواعدنا لنعمل بهمة ونشاط.
كم من مرة نتذكر فيها علي الله وخاصة عندما نري الآخرين في تقدم وازدهار, بينما نحن يعترينا الفشل؟ مرات عديدة نطلب من الله أن يساعدنا ويحقق لنا مطالبنا, في حين أننا ثابتون في أماكننا دون حراك, كما أننا نريد من الله أن يهبنا ما نرغب فيه ويحرم الآخرين هذا الامتياز.
والأمر المضحك هو أن الغالبية العظمي تريد أن تقدم النصيحة لله القادر علي كل شيء في بعض أمور الدنيا وفيما يخصها ويخص الآخرين, وكأنهم يعاتبون الله الخالق الأوحد للكون مستفسرين:لماذا نسيت أن تدعونا عند خلقك لهذا العالم لتأخذ رأينا ومشورتنا في إدارته؟ يحكي عن بحار قليل الخبرة قد عهد إليه أن يصعد أعلي الشراع ليشد الجبال التي فككتها الرياح, ولسوء حظه كانت العواصف تهب بعنف, والرياح تضرب بحسم هذا الرجل المسكين كالسوط, وعندما يأس وهم بالنزول نظر إلي أسفل, فرأي البحر الثائر يجتاح سطح المركب, فارتعب ونادي بأعلي صوته:أنقذوني, لقد تلاشت قواي وسأغرق في البحر حتي الموت, أنقذوني من فضلكم فصرخ به ربان المركب:يا عزيزي, لاتنظر إلي أسفل بل إلي أعلي, ارفع عينيك إلي السماء ولا تنسي رحمة الله الواسعة.
وبالفعل تشجع البحار رافعا عينيه إلي أعلي, فرأي السماء الصافية الزرقاء, فهدأ روعه وتشجع وبدأ في النزول بسكينة وهدوء.
فالدرس الذي نتعلمه من هذه الأمثولة عندما تحيط بنا صعوبات الحياة ومشاكلها, هو أن ننظر بكل ثقة وإيمان نحو السماء, إلي الله الذي يعضدنا ويساندنا حتي لانقع.
فعناية الله بنا لا تعني أنه يسلب حريتنا, فكل شخص في هذه الدنيا ينعم بالحياة التي منحها الله له بعناية فائقة في كل لحظة دون أن يقيد حريته, وهذا يدل علي حضور الله المستمر في حياة كل واحد منا, حضور يحترم حريتنا, ويرشدنا في ذلك القديس ألفونس دي ليجوري بقوله:عندما نتأمل البحر الهادئ أو ذلك الثائر, نطبقه علي ما يحدث داخل النفس البشرية التي تحيا في نعمة الله وتلك التي بعيدة عنه, وعندما نتأمل الحقول والبحار والزهور التي تبهجنا بجمالها وتنعشنا بعبيرها, لنقل: ما أجمل المخلوقات التي خلقها الله من أجلنا علي هذه الأرض حتي نحبه, والسماء التي سيسعدنا بها إنه يبين لنا بهذه الصور جمال القلب النقي, والمصير الأخير الذي ينتظر الصالحين واصفا الله بالرحمة والحب بقوله:الله أحبك أكثر من الأب, وأحبك لكي تحبه وتخدمه في هذه الحياة وتتنعم به الحياة الأبدية,فحياة الإنسان هي أنشودة عذبة لمن يعرف كيف ينشدها.
من يريد أن ينجح في الحياة, لا يكتفي بالوقوف أمام الدرج الممتد أمامه ويتأمله لكن يجب أن يسرع ويبدأ في الصعود, قد يتعثرأحيانا ويسقط أحيانا أخري, ولكنه سيصل حتما إلي النهاية وكما يقول الكاتب الفرنسي Andre Malraux:ما نحن عليه هو هبة من الله الذي خلقنا,وما سنصبح عليه هي العطية التي نقدمها لله.
وهذا يعني أن عطية الله ليست لجماد أو لحجارة ولكن للإنسان كمخلوق حر, وعليه أن يتجاوب مع هذه النعمة بالبر والمحبة والعمل.
الله ينتظر تجاوب خليقته المحبوبة, ولكن للأسف كثيرا ما تخذله, كم من مرات لم يعط الإنسان ثمارا ويحنق عطية الله تاركا إياها حتي يعلوها الصدأ؟ كم من أشخاص يشتكون من الحياة التي يعيشونها, ولا يعجبهم شيئا مما منحهم إياه الله؟لقد نسوا أن الله أب حنون يدبر أمورهم بكل حكمة, وهدفه الأول والأخير سعادة البشر جميعا, وما عليهم إلا أن يثقوا في تدبيره الأبوي ويضعوا أنفسهم بين يديه, وهذا يعني أن يتقربوا إليه بكل إيمان وثقة, وأن يعملوا بكل جد ونشاط لتحقيق مشيئته, فالعناية الإلهية تتواري وراء الظروف لتتدخل في الساعة المحددة إذا يوجد دائما ارتباط بين الإيمان والعمل, العناية الإلهية والحرية الإنسانية, ولذا يجب علينا أن نحترس من الاعتقاد السائد بأن كل شيء يأتي بالحظ فقط وننكر عناية الله التي تتطلب منا أن نشمر عن سواعدنا ونقوم بواجباتنا اليومية بكل إخلاص وحب.
ونختم بكلمات عالم اللاهوت Karl Barthأنا محبوب, إذا أنا موجود.