يصرح القديس بولس قائلا:وإنما يهمني أمر واحد وهو أن أنسي ما ورائي وأتمطي إلي الأمام(فيلبي3:13) لماذا خلقنا الله غير كاملين؟ إنها حكمة الله التي لن نستطيع إدراكها الآن, وإذا أردنا أن نصل إلي إجابة مقنعة بعقلنا المحدود, سنكتشف أنها لخير البشر, لأن ضعف الإنسان يساعده علي أن يعيش في تواضع ووداعة ومعرفة قدر ذاته.
كما يدفعه إلي السعي والطموح والاجتهاد في هذه الحياة لكي يصل إلي النجاح في أعماله, ولا يرتهن هذا بطول عمر الإنسان وعدد السنين التي يعيشها, لأن البطولة الحقيقية والعزيمة غير مرتهنين بعمر, أو مقصورة علي فئة معينة من الناس. فالإنسان الذي يدرك ضعفه معترفا به, يبدأ في السعي لتقوية نفسه بالتدريب والتعلم.
عندما سألوا الرسام الشهير دومينيكينو:ما بالك مهموم دائما وشاغل نفسك, ولاتكف أبدا عن إصلاح لوحاتك الفنية المبدعة؟ أجابهم:السبب في ذلك يرجع لأستاذي اللحوح جدا وكثير المطلب, ومن الصعب إرضاؤه! -ومن يكون هذا الأستاذ-أنا شخصيا!.
فكل إنسان طموح لايقتنع بما يقوم به أو يتم عمله,مهما بلغ الاتقان, لأنه يسعي دائما إلي الأحسن والأجمل والأفضل.
لأن الطموح في النفس خير دليل علي النبل وعلو الهمة, ونستشف ذلك في مجالات مختلفة, وقمته هي السعي لبلوغ القداسة والكمال.
بمعني أن ننسي ماوراءنا أي ما قمنا به وما عملناه, لأنه غير كاف ونتطلع إلي الأمام.
وكوننا ضعفاء يجعلنا نشعر بأننا لا نستطيع أن نفعل شيئا بدون الله, وكما يقول السيد المسيح:لأنكم بدوني لا تقدرون أن تعملوا شيئا (يو15:5), ونشعر بأننا قليلون بأنفسنا وكثيرون بالآخرين, إذا يجب علينا أن نقوم بواجبنا بأمانة وإخلاص ونعمل نشيطين حتي يجدنا نهار الغد أفضل مما نحن عليه الأمس واليوم.
وأن نعزم عزما صادقا علي النجاح في الحياة, وهذا لا يأتي بمحض الصدفة, ولكن بالاجتهاد في اكتساب شيء جديد, والقيام بأعمال ترضي الله والآخرين, فالإنسان الذي يريد أن يحيا حياة حقة مجيدة, عليه ألا يخلد إلي الراحة والنوم, ويحصد ما لم يزرع, ويأكل الثمار التي جناها غيره, متقلبا علي سرير الكسل والخمول, أو مكتفيا بأقل جهد, بل يسعي وراء المنافسة الشريفة, والتحلي بالغيرة المقدسة حتي يقوم باتقان كل عمل يقوم به أيا كان, وهذا يمنحه الرضي في الحياة, والهناء ساعة الموت.
فالعمل الشريف يجعل حياتنا أسهل وأسعد, ويساعدنا علي تحمل المحن والصعوبات والآلام التي لابد منها في حياتنا كما أنه يفجر مواهبنا التي نثمربها, لأن البطالة تقتلها, كالحديد الذي لا تتداوله الأيدي بالعمل يصدأ.
كل هذه تكسب شخصية الإنسان جمالا ووقارا وقوة, وتبعث في نفسه الحيوية والمرح, وتعوده علي المثابرة والصبر والجلد, كما أنها تجعل من النفس تربة صالحة تنبت وتترعرع فيها الشخصية القوية البناءة والمثمرة.
إذا لابد للإنسان أن يكافح ويجتهد, وفيما بعد سيربح نتيجة هذا الكفاح والتعب, والإنسان القوي هو الذي لا ييأس إذا فشل في عمله أو تجربته الأولي وغيرها, ولكنه يقوم ويحاول من جديد, كما أنه لا يستسلم للفشل, بل يتحلي بالروح المعنوية والصبر, حتي يصل إلي مراده, ومما لاشك فيه أن يطلب دائما معونة الله وعونه, فكل إنسان يتقوي ويتغلب علي ضعفه بالعمل والتضحية ولن ينصهر أمام نار الأيام والمحن, ولكن ستزيده بريقا ونقاء كالذهب الخالص وإذا أردنا أن نصل إلي هذه النتيجة الإيجابية, يجب أن نحب ما نعمل ونجد ذاتنا في كل ما نفعل, ولا نعتبره واجبا مملا وحملا ثقيلا نؤديه مقابل أجر,ولكنه رسالة سامية نحملها ونؤكد بها وجودنا وحبنا لله والآخرين أيضا نكتشف حكمة الله في أن يخلقنا ضعفاء وهي ألا يصبح الإنسان أنانيا, ويظن أن الكون هو ملك له وحده ومن حقه أن يتمتع بما فيه من خيرات بمفرده, في حين أن الله خلقنا لنخدم الغير ونعطي مما لدينا لمن هو بحاجة إليه, كما أن الله أعطانا هذه الحياة كأمانة سنعطي عنها حسابا فيما بعد وأن نشعر بأن حياتنا قصيرة مهما طال عمرنا, وأفضل مقياس لها هو ما نتركه من أعمال وذكريات إذا…يجب أن نفهم جيدا بأن ضعف الإنسان هو لخيره.
ونختم بالقول المأثور:من العظماء من يشعر المرء في حضرته أنه صغير, ولكن العظيم حقا هو من يشعر الجميع في حضرته بأنهم عظماء.