ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع نفسه لأجل أحبائه (يوحنا 15:13).
نحتفل كل عام بأعياد الحب, وفي هذه المناسبة السعيدة نقدم ونتبادل العديد من الهدايا والرسائل بكل سعادة وشوق.
وإن كلمة الحب لها معان كثيرة تعبر عن نبض وإحساس الإنسان, ولكن أعظمها تتلخص في البذل والعطاء.
ونستطيع أن نستخلص هذه المعاني من القصة التالية, عندما أراد أحد الشباب أن يترك العالم ليكرس حياته لله بعيدا عن العالم, ولكنه قدم اعتذاره معللا ذلك بأن أسرته لا تستطيع الاستغناء عنه بسبب حبها المفرط له. ولكن المعلم شرح له بأن الحب الحقيقيي يدفع صاحبه لأن يبذل نفسه من أجل الآخرين, ثم قام بتدريبه علي سر لليوجا, به يستطيع أن يظهر للناس كأنه ميتا.
وفي الصباح التالي استطاع أن يقوم بتمثيل هذا الدور لجميع الحضور من الأقارب والأصدقاء الذين بدأوا في البكاء والنواح والعويل.
وفجأة ظهر المعلم علي الساحة مؤكدا للجميع بأنه يستطيع أن يعيد الحياة للشاب مرة أخري بشرط أن يقدم أحد الأشخاص حياته بدلا منه, متساءلا: هل يوجد من يتطوع؟ وكانت المفاجأة الصادمة للشاب بأن كل فرد من العائلة والأصدقاء شرح اعتذاره المقنع باستحالة أن يموت نيابة عنه, فقال أحد أفراد أسرته: نستطيع أن نعيش بدونه.
فالمحبة الحقيقية هي إخلاص وتضحية وليست شعارات نتداولها, وهي تاج كل الفضائل ولحن عذب نستمع إليه فتهدأ نفوسنا ونحيا به في سلام, والمحبة أيضا إبداع وفن المعاملة, لأن الذي يحب بصدق, يبدع في كل علاقاته مع الآخرين. فالمحبة تقوي إرادته حتي يصل إلي أسمي درجات الإبداع والإلهام, ولا تقتصر المحبة علي الأصدقاء فقط, ولكنها للجميع وللوطن والمجتمع وفي العمل, كما يجب علينا ألا نبخل عليهم بكل ما نملك, لأن المحبة ثمرة تنضج في جميع الفصول والمناسبات والأماكن, ولا تنتظر المقابل من الآخري, لأنها تكتفي بالمحبة ذاتها.
والإنسان الذي يحب يتخلص من التعصب والكراهية والحقد, حتي تتحول الأرض التي يعيش عليها بثمار حب إلي سماء حقيقية, لأن الحب الصادق هو لهيب يدفئ, ولكنه لا يحرق أبدا, يمنح الدفء للقلوب والنور للحياة.
والذي يحب الناس لا يدفعه أي أمر إلي فعل الشر, ونحن عندما نعمل بمحبة يصبح كل شيء عظيم الفائدة مهما صغر شأنا وتعظم أعمالنا إذا عظمت محبتنا, ويجب أن تفرق بين المحبة الحقيقية والشهوة أو الميول الطبيعية والمقاصد الخاصة وانتظار الثواب.
فالحب يبدأ بحب الله, ويستمر مع الحياة, فسنوات العمر هي لحظات الحب لا يوجب شيء من المحبة ولا شيء أقوي أو أسمي, ليس هناك شيء أطيب أو أكمل أو أفضل منها في السماء وعلي الأرض, لأن المحبة صدرت أولا من الله وعنه وبه, والمحب الحقيقي يطير فرحا ويعدو مسرورآ, لأنه غير مقيد بأي مصالح بل حرا.
فالمحبة لا تشعر بالأثقال ولا تبالي بالتعب وهذا ما يعجز عنه غير المحب.
فالذي يحب ذاته فقط أضر بنفسه, لأن المحبة الحقيقية هي قطرات الندي التي تتوق إليها الزهور مع شروق الشمس, وهي الدفء الذي يزيل ثلوج الكراهية, وهي المائدة التي يهرع إليها الجائع والفقير ليجدا فيها قوتهما, وهي ينبوع الماء الذي يرتوي منه العطشان فالمحبة هي أسمي معاني الحياة وأعذب أنغامها, وهي الرجاء لمن فقد الأمل في معارك الدنيا.
إذا نطلب من الله أن يعلمنا المحبة التي لا تشك ولكنها تثق, والمحبة التي لا تفضح ولكنها تستر, والمحبة التي لا تطلب ولكنها تعطي, والمحبة التي لا تحقد ولكنها تسامح ومن فيض حب الله الحقيقي نستطيع أن نحب الآخرين محبة كاملة لأن الإنسان الحقود لا يري في الحياة غير ذاته, ولا يتمني النجاح لأي شخص, أما المحب الحقيقي فهو الذي ينهل من حبه للآخرين ويعطي في محبته بسخاء دون أن يفضح الناس.
فعطاء المجبة ذاته هو المعني من معاني الحياة وهو أن يعيش الفرد لغيره إذا أراد أن يعيش لذاته, وكما يقول المثل: في الحب يجب أن تعطي ثلاث مرات, قبل أن تأخذ مرة واحدة.
والحب الحقيقي يظهر في كل الأوقات والظروف, لأنه لا ينتظر المناسبات الضخمة ليثبت هذا.
ونستطيع أن نلخص الحب في العطف والحنان والأمان والشكر والتقدير والرحمة والوفاء والصدق والإخلاص والعطاء وغيرها.
ونختتم بالقول المأثور: الحب يجعلنا نمنح حياتنا للآخرين, أما البغض فيجعلنا نسلب الآخرين حياتهم.