حينما رسموا خريطتهم لعالم خال من الأوجاع, كانت المناطق الأشد معاناة هي الأكثر تعرضا للأوجاع المتوقعة, والكوارث المرتقبة والأضعف في مواجهتها, والأشد هشاشة وحساسية في تلقي النكبات أيضا, وهي المناطق الأشد تأثرا بالكوارث المتعلقة بتغير المناخ, وعلي رأسها مصر, صار البشر مهددون في شبعهم بسبب أزمة الحبوب التي أنتجتها الحرب الروسية الأوكرانية من ناحية وأزمة الغذاء التي أنتجتها تأثيرات تغير المناخ علي المياه والزراعة من ناحية أخري, ولم تعد الخريطة التي ترسمها المنظمات الأممية تدعو للتفاؤل, فالعدالة الغائبة في توزيع الكوارث تعود للطبيعة الجغرافية, لكننا لم نصل بعد إلي مرحلة الأزمة, ولم ينفذ الغذاء ولم تعطش الأرض ولم ينته مخزون الحبوب, فلماذا تقفز الأسعار في مصر بشكل جنوني أكبر من المعدل العالمي, فالعالم كله يعاني أزمة ارتفاع أسعار, لكن لايوجد مكان علي وجه السيطة زادت فيه الأسعار بنسبة 300% فماذا يجري علي أرض المحروسة؟هل لما يحدث في العالم علاقة بالارتفاع الجنوني في أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية في مصر؟ الإجابة قطعا لا, فبمتابعة ارتفاع الأسعار في معظم الدول نجد النسبة لاتتجاوز 30%, عن الشهور السابقة, لكن في مجتمعنا الجشع الجنوني أصاب معظم التجار سواء التجزئة أو الجملة فالسلع تباع بزيادة ما بين 200% إلي300%, وأحيانا أكثر كل السلع بدون استثناء, وإذا اعترض المستهلك يرد تاجر التجزئة أنها أسعار تاجر الجملة, وتاجر الجملة غائب, من أين يأتي المستهلك به ليشكوه, الناس في حيرة ماذا يفعلون؟لا سيرة لهم سوي زيادة الأسعار, والاختناق الشديد في النفوس بسبب ضيق ذات اليد له آثار مدمرة نفسية واجتماعية فلماذا تصمت الحكومة علي جشع التجار؟ من يحق له ضبط الأسعار؟ والرقابة الصارمة حتي لايسقط الناس في الجوع؟.
أعرف أشخاصا كانوا مستورين, لاتمتد أياديهم لأحد بالاقتراض الآن ينام أولادهم بدون عشاء لأن رواتبهم لا تسد احتياجات الغذاء للأسرة هذا بالنسبة لبند الغذاء فقط, لماذا لاتقوم الحكومة بتثبيت تسعيرة للسلع الغذائية والأساسية, ومراقبة السوق لفترة تتم خلالها معاقبة المخالفين لردع كل من تسول له نفسه التلاعب باحتياجات الناس؟ أعلم أن هناك مسئولا أو أكثر سيخرج علينا ليخبرنا بأنه يجب علي المستهلك الإبلاغ, أو عدم شراء السلعة لحين انخفاض أسعارها, وعلي أولئك المسئولين أن يعلموا أولا: المواطن البسيط لايمكنه الدخول في جدال مع تاجر, وإلا سيقضي بقية حياته في مشاحنات مع الباعة والتجار, فالسوق المصرية عشوائية جدالية والجشع سيد السوق, والإبلاغات طويلة الأجل وحبال الحصول علي الحق طويلة جدا قد تخنق من يمدها قبل أن يطول حقه.
ثانيا: ربما يستطيع المرء التخلي عن سلعة مكملة إذا تضاعف سعرها, لكن هل يمكن للمرء التخلي عن شراء اللبن لأطفال بعد أن أصبح متوسط سعر الكيلو 20 جنيها؟ هل يمكن أن يعرض عن شراء الدجاج الذي صار متوسط سعر الكيلو 45 جنيها؟ هل يمكن أن يتخلي عن وجبة إفطار في عمله عبارة عن رغيف فول من عربية في أصغر شارع في أصغر حي شعبي وصل سعر سعر نصف الرغيف الذي لا يعطي شبعا أربعة جنيهات أي أن رغيف الفول ب8 جنيهات وغير مشبع فأي منطق يدفع لربط البطون فقط للفقراء, ليظل القادرون من التجار يمتصون دماء الغلابة يأكلون ويشبعون.
إذا نحن لا نعاني من أزمة غذاء مثل العالم, أننا نعاني من أزمة ضمير وأزمة قناعة وأزمة رحمة, فالناس يئنون, الأطفال عيون تترجي قدرة الكبار, ودموع تطلب حلوي أو لعبة, لكن الغالبية العظمي لاتستطيع فهل تفعل الحكومة شيئا لضبط غول الجشع؟.