اقترن اتفاق باريس في عام 2015، بموافقة جميع الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ على إعداد مساهمات محددة وطنياً للتحكم في انبعاثات غازات الدفيئة- الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري- اي ما يجعل الارض تشبه الصوبة الزجاجية في الاحتفاظ بحرارتها وعدم تسريبها خارج الغلاف الجوي، وذلك للحد من زيادة المتوسط العالمي لدرجة حرارة سطح الأرض بحلول نهاية القرن إلى ما دون درجتين مئويتين، ومنذ ذلك الحين، أثبت الفهم العلمي المتزايد للمخاطر الكبيرة المرتبطة بارتفاع درجة الحرارة أن ثمة حاجة إلى اتخاذ إجراءات أكثر إلحاحاً وطموحاً لتجنب أسوأ الآثار المترتبة على تغير المناخ، عن طريق الحيلولة دون ارتفاع درجة الحرارة إلى أكثر من 1.5 درجة مئوية.، ويستلزم تحقيق هذا الهدف أن تنخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون الناتجة عن توليد الكهرباء إلى ما يقرب من الصفر في موعد غايته منتصف هذا القرن، وتعد القوى النووية مصدر طاقة ينتج عنه كميات قليلة من الكربون. وفي عام 2018، وفرت القوى النووية ما يقرب من 10 % من احتياجات العالم من الكهرباء. وإضافة إلى التوسع في مصادر الطاقة المتجددة وتحويل الوقود من الفحم إلى الغاز، ساهمت الزيادة في إنتاج القوى النووية في تحقيق استقرار مستوى انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عند 33 جيجا طن في عام 2019 ، فبوصفها مصدراً منخفض الكربون للكهرباء يمكن أن تؤدي دوراً أساسياً في الانتقال إلى مستقبل تُستخدم فيه الطاقة النظيفة.و من المنطقي ان هذه الطاقة والانتقال الامن اليها تحتاج الى التمويل.
في هذا الاطار، عقد نادى أعضاء هيئة التدريس بهيئة الطاقة الذرية ندوة تحت عنوان “مصر وقضية المناخ” تناولت الشق العلمي وخبراته ومعارفه، خلال استعراض المفاهيم المتعلقة بالحد من اثار تغير المناخ ودور الطاقة النووية فيها، وتم تناول الشق السياسي والاداري عبر مناقشة قضية تمويل المناخ. وكان المتحدث الرئيس في الندوة دكتور خالد فهمي وزير البيئة السابق، الذي نوه عن الاهتمام بقضية تمويل المناخ، في مفاوضات شرم الشيخ المرتقبة في قمة المناخ نوفمبر المقبل ” cop27″ :” إن الأمنيات التى نرجوها من القمة 27 للمناخ “cop27 ” هى التحرك من مجال التعهدات إلى حيز التنفيذ، فقضية التمويل هى الأساس فى مفاوضات شرم الشيخ، ويُعتبر جلب التمويل والاستثمارات أمر صعب وليس باليسير ” وتابع فهمي موضحاً:” إن 80% من تمويلات مشروعات التخفيف والتكيف لمواجهة اثار تغير المناخ يوجهها القطاع الخاص في حين تقدم الحكومات 20%” ، واشار فهمي الى أن التحول للاستدامة، والإستغناء عن الفحم يحتاج تكلفة، لذلك نجد بعض الدول مثل الصين والهند، فى قمة جلاسكو ” قمة المناخ 26″ العام الماضي، غيرتا الصياغة الواردة في موضوع الاستغناء عن الفحم، من مصطلح هجر الفحم إلى مصطلح التخارج التدريجى فالعالم الآن يتجه لتكنولوجيات خضراء مثل تخزين الكربون والطاقات المتجددة وذلك لحين حل مشاكل الهيدروجين الأخضر، حيث تُقدم حوافز اقتصادية على تكنولوجيات صيد الكربون، ومصر وضعت “مشروع نوفى” لتنشيط التمويل وهو يتضمن أهم مشروعات التكيف والتخفيف” .
وصيد الكربون او التقاطه هو احتجاز الكربون وتخزينه: بالعودة إلى التكنولوجيا في محاولة لمنع تحرير كميات كبيرة من CO2 في الغلاف الجوي الناتجة عن استخدام الوقود الأحفوري في توليد الطاقة وغيرها من الصناعات التي CO2 وذلك باحتجازه ونقله، وفي نهاية المطاف، ضخه في تكوينات جيولوجية تحت الأرض لتخزين آمن بعيدا عن الغلاف الجوي. وهو وسيلة محتملة للتخفيف من مساهمة الانبعاثات من الوقود الأحفوري لظاهرة الاحتباس الحراري. وتستند هذه العملية على التقاط ثاني أكسيد الكربون (CO2) من مصادر كبيرة متعددة.
أما الهيدروجين الاخضر هو مصدر للطاقة، ينتج عند احتراق الهيدروجين بالأكسجين داخل خلية وقود، فإنه ينتج طاقة صفرية الكربون، أي بلا كربون او انبعاثات ضارة، ويسمى ذلك حرق صديق للبيئة. ويمكن استخلاص الهيدروجين من الوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، أو المياه، أو من مزيج من الاثنين معا. ويعد المصدر الأساسي لإنتاج الهيدروجين في الوقت الحالي هو الغاز الطبيعي. وعلى الصعيد العالمي، ينتج 6% من الغاز الطبيعي العالمي نحو 75%، أو 70 مليون طن من إنتاج الهيدروجين السنوي، وفقا لوكالة الطاقة الدولية.
وتتلخص مشاكله في ارتفاع تكلفته، ويتمثل الخطر الأكبر في القابلية للاشتعال بسهولة في الهواء عند تركيزات مختلفة؛ ما يسبب وهجًا تصعب رؤيته في ضوء النهار؛ الأمر الذي يُشَكِّل تحديًا كبيرًا لقواعد الأمن والسلامة فيما يندرج تحت مسمى صعوبة رصد حرائق الهيدروجين.، وينبغي توافر 3 أمور حتى تكون أيّ مادة سريعة الاشتعال، وهي: مادة قابلة للاشتعال والأكسجين المتوافر في الهواء ومصدر اشتعال، ومشكلة الهيدروجين أن له مدى اشتعال كبيرًا للغاية؛ إذ يتراوح تركيزه في الهواء بين 4 و74%، عكس الغاز الطبيعي الذي يتراوح مدى اشتعاله بين 6 و16%؛ ما يعني الافتقار لأحد اعتبارات الأمن والسلامة؛ لأن مدى الاشتعال عند التسرب أكبر بنحو 6 مرات تقريبًا مقارنة مع الغاز الطبيعي.
من جانبه أوضح الدكتور عمرو الحاج، رئيس هيئة الطاقة الذرية أن المراكز البحثية بالهيئة تسعى من خلال أبحاثها الى تنفيذ العديد من الأبحاث والدراسات التطبيقية لمواجهة الأُطر والأساليب التى يمكن من خلالها مواجهة مصر لتأثيرات تغير المناخ على العديد من القطاعات، مثل حماية الشواطىء وإدارة مياه السيول والطاقة وإدارة المخلفات.
وقال الدكتور محمود عاشور رئيس النادى أن الطاقة الذرية لها دور فى حماية البيئة ، حيث أن عدد المفاعلات على مستوى العالم وصل إلى أكثر من 440 مفاعل قوى يولد 400 جيجاوات وذلك بما يعادل 11% من الكهرباء المنتجة عالمياً ، وهو ما يوفر 2 مليار طن من انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربون .وبالتالي يتم خصم هذه الانبعاثات من العبء العالمي الذي يؤثر سلبا على المناخ.
أما دكتور مجدى عبدالله الأستاذ المتفرغ بالهيئة فاشار الى :” ان الجهود التى تبذلها مصر للتكيف والتخفيف من خلال مشروعات مثل إنتاج الهيدروجين الأخضر والنقل الكهربى والتقاط الكربون وتخزينه وإنتاج محاصيل متوائمة مناخياً وحماية الشواطىء وتحلية مياه البحر ، بتكلفة تصل إلى 27 مليار دولار لتحقيق التخفيف و 113 مليار دولار للتكيف ، فضلاً عن الانتهاء من مشروعات بحلول 2050 تتمثل فى تنمية محاصيل وإنتاج تراكيب وراثية لحوالى 200 نوع نباتى.
من جانبه لفت السفير محمد عبدالغفار رئيس المجلس الاقتصادى الأفريقى الى أن الدول النامية يجب أن تقتنص حقها فى ظل وجود الحزب الديمقراطى الأمريكى ، ومصر يمكنها أن تربط دراسة أى مشروع تنموى بمعادلة الكربون ، حيث أن صندوق النقد الدولى والبنك الدولى والبنك الأفريقى يديروا الملف التمويلى للانبعاثات . من جانبها أكدت الدكتورة أنهار حجازى خبير الطاقة والتنمية المستدامة ونائب الأمين التنفيذي السابق للجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب اسيا “الإسكوا” أن تغير المناخ يؤثر على الطاقة ويتأثر بها وأن قطاع الطاقة ينتج ثلثى الانبعاثات وأن التحول فى نظم الطاقة له تكلفة تزيد 16% كل عام ، ومصر فى تحسين حالة الطاقة وضعت استراتيجية للطاقة ثم اتبعتها باستراتيجية الصناعة تلتها بدليل التعافى الأخضر ، وكلها تندرج تحت مظلة استراتيجية التنمية المستدامة والتى تُركز على ضمان أمن الطاقة ، حيث ساعد ذلك على تحسين قطاع الطاقة وتطوير قدرات الطاقات المتجددة ، وتهدف مصر حالياً لوضع استراتيجية للهيدروجين الأخضر تُركز فيها على أن تكون مشروعاته استثمارية تستخدم مياه التحلية والقطاع الخاص يتولى تسويقه.
وعن استراتيجية تغير المناخ 2050 الوطنية قال الدكتور سمير طنطاوى استشارى التغيرات المناخية بالأمم المتحدة وعضو الهيئة الدولية لتغير المناخ أن مصر وضعت أول استراتيجية للتكيف مع التغيرات المناخية عام 2011 ، ثم كانت استراتيجية 2022 حيث تم وضع عدة مؤشرات لقياس جودة الأداء وتحديد كميات الانبعاثات من مختلف القطاعات ونصيب كل فرد من الانبعاثات ، مع العمل على تطوير نظم الإنذار المبكر وتقدير حجم استثمارات القطاع الخاص فى مشروعات التكيف والتخفيف ، بجانب توفير حملات توعية لطلاب المدارس والجامعات، كما تضمنت الاستراتيجية مقترح لتكلفة مشروعات التخفيف فى قطاعات البترول والنقل والكهرباء والصناعة والإسكان والمرافق والطيران المدنى بتكلفة 153.6 مليار دولار والمتاح 57.6 مليار دولار ، ومشروعات التكيف وجهت للزراعة والرى والموارد المائية والتنوع البيولوجى بتكلفة 94.7 مليار دولار والمتاح 18.3 مليار دولار.
واستعرض الدكتور مصطفى صادق أستاذ النظائر البيئية بهيئة الطاقة الذرية دراسة لتحقيق حيادية الكربون ، باستخدام نظائر الكربون لتحديد مصادر تركيزات ثانى أكسيد الكربون وتتبع مسارها ورصد التغيرات المتوقع حدوثها ؛ و يُقصد بـ”الحياد الكربوني” أو “الحياد المناخي” خفض انبعاثات الكربون إلى أقصى حد، والتعويض عما لا يمكن التخلّص منه.ويمكن تحقيق ذلك بسبل متعددة مثل استخدام السيارات النظيفة، والتحول إلى الاقتصاد الأخضر والمشاريع الصديقة للبيئة، بعيداً عن التصنيع كثيف الإصدار للانبعاثات، وكذلك التحوّل إلى مصادر الكهرباء الأكثر خضرة، مثل الرياح والطاقة الشمسية، والتوسع في مبادرات التشجير. بدأت عشرات المدن والشركات والمؤسسات حول العالم هذا النهج، لخفض انبعاثات الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري، ما يخفف من آثار التغير المناخي الذي يهدد العالم بأكمله، فيما تعكف السلطات الأوروبية على إعداد تشريعات بهذا الشأن، لتصبح أول قارة تتحول للحياد الكربوني.
وفي ختام الندوة، أوجز الدكتور محمود عاشور أهم التوصيات التى صدرت عن الندوة فى إنشاء شبكة قومية لرصد وقياس نظائر الكربون فى هواء المدن المصرية ، وتوفير برامج تعليمية مُتعلقة بتغير المناخ لطلاب المدارس والجامعات ، مع التركيز على نشر التكنولوجيا الخضراء فى كافة المشروعات الصغيرة والمتوسطة .