سلطت أزمة نقص “أشباه الموصلات” أو “الرقائق الإلكترنية” عالمياً – التي تفجرت منذ ما يقرب من العام ضمن تبعات أزمة فيروس كورونا، وتناولتها جريدة وطني، تحت عنوان:بسبب شريحة ثمنها قد لا يتجاوز دولار : نقص “الرقائق الإلكترونية”.. يُربك صناعة السيارات والموبايل والكمبيوترات – الضوء على أهمية هذه الصناعة عالمياً، وكيف يُمكن أن تأثر على العديد من الصناعات وفي مقدمتها صناعة السيارات والتليفونات المحمولة والكمبيوترات والألعاب الإلكترونية وكافة الصناعات الإلكترونية .. وبحسب مؤسسة الأبحاث التسويقية “ تريند فورس ” تستحوذ تايوان على ما يقرب من %65 من صناعة الرقائق الإلكترونية، وتحل كوريا الجنوبية في المرتبة الثانية بنسبة تقدر بنحو %18 من حجم تلك الصناعة عالميًا، وتأتي الصين ثالثة عالميًا بحصة تبلغ %5، بينما تتوزع النسبة المتبقية البالغة %12 على باقي دول العالم .. من ناحية أخرى تسيطر حالة القلق لدى المُصنعين حول العالم بشأن احتمالية قيام الصين بغزو تايوان، ما سيضاعف الأزمة على صناعة الرقائق الإلكترونية وقد يؤدي لتعطيل مصانع الرقائق الإلكترونية التايوانية، وبالتالي نقص الإمدادات العالمية، والتي بدورها ستحدث قفزة كبيرة في أسعار الرقائق.
ورغم أن الأزمة عالمية إلا أن الدولة المصرية أخذت تراقب هذا الملف عن كثب لدراسة فرصها المرتقبة في حال الدخول والاستثمار بما لديها من موارد بشرية وطبيعية، مثل :”الرمال البيضاء” و”الكوارتز”، وأهميتها الكبيرة في هذه الصناعة الهامة التي أطلق عليها مراقبون دوليون إنها بمثابة “بترول القرن الواحد والعشرين ” .. وعبر الدكتور مصطفى مدبولي رئيس الوزراء، عن أهمية الاستفادة المُثلى عبر تعظيم القيمة المضافة لهذه الخامات، لافتًا أن ذلك يأتي في إطار التوجه نحو توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر وتنفيذاً لتكليفات الرئيس عبد الفتاح السيسي، بتعظيم الاستفادة من مواردنا الطبيعية، وزيادة قيمتها المضافة، والتوجه نحو توطين صناعة الرقائق الإلكترونية في مصر .
عصب التطور التكنولوجي
وأشار المستشار محمد عبدالوهاب الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، لحوافز الاستثمار لإنشاء تجمعات صناعية لخام الرمال البيضاء، مؤكداً أن الرمال البيضاء تعد المادة الخام لعنصر ” السيليكون ” عصب التطور التكنولوجي والخـام الرئيسي في صناعة الخلايا الشمسية والرقائق الإلكترونية ، منوها أن هناك حوافز ضريبية، وحوافز خاصة بالصناعات المرتبطة بخام الرمال البيضاء، وذلك في قطاعي الصناعة والبترول والثروة المعدنية .
وصرح الدكتور منجي بدر الوزير المفوض التجاري بوزارة الخارجية المصرية، أنه جار الانتهاء من مشروع لإنتاج أشباه الموصلات (الشرائح) عبر استخدام الرمال البيضاء، مشيرا إلى أن مصر ستنشئ مجمعين لإنشاء الموصلات، الأول في سيناء والثاني في محافظة البحر الأحمر بالقرب من مراكز إنتاج الذهب، لافتا إلى أن مصر تمتلك 200 مليار طن رمال بيضاء ستستخدم على المدى القريب.
قال الدكتور محمود عبدربه الرئيس التنفيذى لمدينة زويل: إننا نستطيع الآن تصنيع الرقائق الإلكترونية داخل المدينة من خلال غرفة مخصصة داخل الجامعة تسمى “الغرفة النظيفة” وهي مجهزة بإمكانيات متفردة في منطقة الشرق الأوسط وأن بعض الجامعات القليلة التي تمتلك هذه الإمكانية ليست بحثية فقط وإنما “نصف صناعي” لتصميم وتصنيع واختبار رقائق إلكترونية تقوم بوظائف مُحددة، وأضاف خلال لقائه مع الإعلامي يوسف الحسيني، ببرنامج «التاسعة»، على القناة الأولى، أن هذه المنظومة تستطيع تصنيع رقائق إلكترونية بكميات محدودة تغطي بعض احتياجاتنا في حالة نشوب حرب صينية تايوانية وقد تصبح نواة لصناعة كبيرة.
وأكد ياسر عبد الباري رئيس برنامج صناعة الإلكترونيات بهيئة تنمية صناعة تكنولوجيا المعلومات “ إيتيدا ”، أن تصاعد وتيرة التوتر بين الصين وتايوان سيؤدي إلى توقف عمليات التصنيع عالميًا، مبينًا أنه من الضروري البحث عن بدائل تسهم في استمرار الصناعة وعدم توقف الإنتاج، مشيراً إلى أن هناك أسواقًا أخرى قد تدخل على خريطة تصنيع الرقائق الإلكترونية منها فرنسا والصين، موضحًا أن البدائل لن تكون متعددة في منتج الرقائق الإلكترونية.
مصر غنية بالرمال البيضاء
ووفقًا لدراسة أجرتها شعبة المحاجر باتحاد الصناعات المصرية، يتجاوز احتياطي الرمال البيضاء بمصر نصف مليار طن، في جنوب سيناء وحدها بمنطقة هضبة الجنة وأبوزنيمة احتياطي 268 مليون طن، ويعتبر مركز أبو الرياش شمال سيناء الأول عالميا من حيث الجودة، وفى منطقة وادى قنا احتياطي يقدر بنحو 260 مليون طن، وفي منطقة شمال سيناء 120 مليون طن، وبوادي الدخل بقنا 27 مليون طن، كما يعد بحر الرمال العظيم بالمنطقة الغربية الذي يقع على مساحة 72 ألف كيلومتر ثاني أكبر منطقة مغطاة بالرمال في العالم، وتصدر مصر الطن الخام من الرمال البيضاء بـ 20 دولارا، مع العلم أن المصدر الخام يعاد بيعه للمستهلك بأكثر من 150 دولارا بالدول المتقدمة في صناعة التكنولوجيا كأمريكا والصين وغرب أوروبا، وبعد تصنيعه على شكل زجاج يصل سعر الطن إلى 1000 دولار، وباستخراج عنصر السيليكا منه لاستخدامه في الخلايا الشمسية يصل إلى 10 آلاف دولار، وتتجاوز قيمته في صناعة الرقائق الإلكترونية الـ 100 ألف دولار، و نبهت الدراسة إلى أن ثرواتنا المهولة من الرمال مهدرة بسبب تصديرها خامًا رخيص الثمن، بينما يعتبر تصنيعها استثمارًا طويل الأجل يوفر فرص عمل، مما يُسهم فى تحقيق أهداف الدولة للتنمية المستدامة.
3 شركات تتحكم في الإنتاج العالمي
أما عن منتجى أشباه الموصلات أو “الرقائق الإلكترونية عالمياً” فهناك 3 شركات كبرى تتحكم في 80% من الإنتاج العالمي، أهمها ” Intel ” الأمريكية، و ” Samsung ” الكورية الجنوبية، و” TSMC ” التايوانية، بالإضافة إلى عدد من الشركات الصغيرة في أوروبا وباقي العالم، وتكمن مشكلة توسيع خطوط الإنتاج في تكلفة المصنع التي قد تصل إلى 20 مليار دولار، وقد يستغرق بناؤه عدة سنوات. كما أن الآلات اللازمة لخطوط الإنتاج التي تصنع الرقاقات يستغرق تصنيعها ثلاثة أشهر لكل آلة، وتعتمد الآن صناعة الشرائح الإلكترونية التي بلغت قيمة عائداتها 550 مليار دولار، على السيليكون وتغذي الشرائح الإلكترونية بدورها قطاع التكنولوجيا العالمي الذي تقدر قيمته بنحو ثلاثة تريليونات دولار.
رفع الراية البيضاء أمام نقص الرقائق
هذا تأثرت حوالي 169 صناعة حول العالم، في السابق، بسبب نقص الرقائق عالمياً عقب جائحة كورونا، وفقاً لتقديرات “جولدمان ساكس”، بينما أظهر تقرير لوزارة التجارة الأمريكية أن هناك %17 زيادة فى الطلب على الرقائق فى 2021 مقارنة بعام 2019 قبل الأزمة، كما أن متوسط فترة المخزون انخفضت من 40 يومًا فى 2019 إلى 5 أيام فقط فى 2021، وفى ظل أزمة نقص ” الرقائق الإلكترونية ” عالمياً ، أضطر عمالقة الصناعة حول العالم رفع الراية البيضاء أمام أزمة نقص هذه الرقائق فهناك مصانع خفض ساعات العمل وعملت على تقليص الإنتاج خاصة صناعة السيارات الآخذة في التحول إلى السيارات الكهربائية ، وتعمل الرقائق الإلكترونية أو أشباه الموصلات كعقول إلكترونية لجمع ومعالجة وتخزين البيانات وإعطاء الأوامر ، إذ تستضيف مليارات الترانزستورات بداخلها ، على الرغم من أن حجم الشريحة يمكن أن يختلف فى الصغر، فقد تحتوي أحدث شريحة من شركة IBM على 50 مليار ترانزستور في مساحة بحجم 2 نانومتر ، بحجم أظافر الأصابع ، ويتطلب بناء مصانعها رأس مال كثيف للغاية وخبرات تكنولوجية عالية .. فعلى مدار الأعوام الثلاثين الماضية تطورت صناعة المعالجات كثيراً، وإذا نظرت عن قرب في تلك المعالجات سوف تجد مدينة معقدة للغاية وذات حجم نانوي مصممة بعناية عالية لإرسال وإستقبال المعلومات، وتبدأ القصة بقطعة من السليكون مضافاً إليها بعض العوازل وأِشياء أخرى تسمى بوابات، ومن ثم يتم تسليط جهد كهربائي عليها لتقوم بطباعة طبقات وشبكات معقدة من أشباه الموصلات والترانزستورات محولة كومة من الرمال إلى ذهب، هذه الطريقة في طباعة الرقائق الإلكترونية سمحت للمصنعين في تصغير حجم الرقائق الإلكترونية لتتناسب مع تطور الاختراعات الجديدة المتناهية في الصغر .