بقلم: م. منير وصفي بطــرس
باحث في موسيقى الألحان القبطية
مـدرس مــــادة اللــــحن الكنــــسي
بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيـة
الجانب الروحي لعيد النيروز:
نحن في عيد النيروز نتذكر أباءنا القديسين الشهداء الذين سفكوا دماءهم الطاهرة من أجل حبهم العظيم لرب المجد يسوع المسيح،وكان سرُّ نُصرَتِهِم إدراكَهم أن حربَهُم هي أساساً حربٌ بين الله والشيطان، فالله يريد أن الجميع يخلصون وإلى معرفة الحق يقبلون، والشيطان يريد بكل وسيلة هلاك الكل، بهذه الرؤية لم ينظروا إلى مضطهديهم كأعداء بل هم مجرد أداة يستخدمها الشيطان لتحقيق أهدافه الشريرة، بل اعتبروهم زملاء لهم مات المسيح لأجلهم ويريد الشهداء خلاصهم، وفي عمق عذاباتهم كانوا يصلون لأجل تحويل المضطهدين من أشرار خطاه إلى أبرار لينالوا الخلاص مثلهم، ولقد نجحوا بقوة الله في حالات عديدة لتحويلهم إلي طريق الخلاص.
ومن الناحية اللفظية فإن كلمة (الاستشهاد) هي الشهادة للمسيح المصلوب والقائم من بين الأموات طول الحياة بالعمل بوصاياه،ففكرة الاستشهاد أساساً هي نُصرة طول الحياة على مقاومة الشيطان لعمل الله كما يقول القديس بولس الرسول في رسالته: “أخيراً ياإخوتي تقووا في الرب وفي شدة قوته إلبسوا سلاح لله الكامل لكي تقدروا أن تثبتوا ضد مكايد إبليس فإن مصارعتنا ليست مع لحم ودم بل مع أجناد الشر الروحية في السمويات” (أف6: 10-12)، والشهيد هو من يحب المسيح وهذا الحب يُعطيه الروح القدس الذي يعمل فيه فهو حب للمسيح وحب للبشر من أجل ربنا يسوع المسيح الذي قدم ذاته لأجلهم، ويقول أبونا الحبيب القمص تادرس يعقوب: “فبقدر ما يتسع قلب الشهيد يلمع نجمه ويعظم إكليله”.
وهناك أنواع من الاستشهاد أخرى غير سفك الدم، عندما يحارب الانسان الشيطان والخطية بقوة رجاءه في رحمة الله ويُثابر على الجهاد إلى آخر حياته شهادة للمسيح، فيقع ثم يقوم العديد من المرات ويعترف بها أمام أبيه الروحي ويظل يفعل هذا إلى آخر الحياة، وعندما لا يدع الانسان نفسه لمحبة الغنى أن تسيطر عليه وأن يُستَعبَد للمال، وإذا عُرِضَ عليه المال لبيع مبادئه ووصايا الله يختار أن يلتصق بالله شهادةً وحباً وطاعةً له، كذلك هو شهيد من يتحمل الإهانة والخيانة من الناس ومع ذلك يظل يُصلي لأجلهم ولأجل خلاصهم، ونوع من الشهادة أيضاً من يشكر خلال الضيقة ويصبر عليها ويحتملها.
الذكصولوجيات طقسياً:
أصل كلمة ذكصولوجية مشتق من كلمتين يونانيتين “ذوكصا” ومعناها (مجد) و”لوغوس” ومعناها (كلمة) أي كلمات تمجيد، فهي مدائح قبطية موزونة وبعضها مُقَفَّى – مثل ذكصولوجية عيد النيروزموضوع دراستنا – وتتميز الذكصولوجيات بكثرة الكلمات اليونانية داخلها، وبصورة عامة فإن الذكصولوجيات تكون أقصر من أجزاء أخرى في التسبحة كالثيئوتوكيات مثلاً، فذكصولوجية عيد النيروز عبارة عن ثمانية أرباع فقط.
ومن حيث موضوع الذكصولوجيات بصورة عامة فهي ثلاثة أنواع: الأول وهي تخص تمجيد الثالوث القدوس، والثاني تتحدث عن السيد المسيح مثل ذكصولوجيات الأعياد السيدية، والنوع الثالثتُخَصَّص لتمجيد القديسين في تذكار أعيادهم كما قال القديس بولس الرسول “أنظروا إلى نهاية سيرتهم فتمثلوا بإيمانهم” (عب13: 7)، وحسب قول الرب “فإني أُكرم الذين يُكرمونني” (1صم 2: 30).
ومن حيث الطريقة اللحنية فهي تنقسم إلى نوعين من النغمات الأدام: ويصلى بها في تسبحة باكر وفي التماجيد، وهذه النغمة لا تتغير طول السنة لأنها نغمة فرح فهي تقال في باكر تذكار قيامة الرب يسوع، وفي التماجيد للذين ظفروا بإكليل البر والفرح إلى الأبد.
أما الطريقة الثانية الواطس: وهي تشمل مجموعة من النغمات يُصَلَّى بها في رفع بخور عشية بعد (تفضل يارب ..)، و في رفع بخور باكر بعد (فلنسبح مع الملائكة …)، وفي تسبحة نصف الليل بعد (المجمع)، ولحن الذكصولوجية الواطس هي نفس لحن مرد الانجيل، ونفس لحن الجملة المتكررة في التوزيع والمديح العربي الذي يقال بعد التوزيع.
والمجموعة الواطس لها خمسة ألحان السنوي، والكيهكي،والفرايحي (مثل ذكصولوجية عيد النيروز)، والصيامي،والشعانيني.
الذكصولوجيات تاريخياً:
يذكر عالم القبطيات الدكتور يوحنا نسيم أنه بصورة عامة بالنسبة للذكصولوجيات الادام فقد تم اكتشاف ذكصولوجية آدام للأنبا مقارمن القرن السابع الميلادي، حيث تحكي عن حادث مهم في دير إبي مقار حدث في سنة 648م.
أما بالنسبة للذكصولوجيات الواطس فيذكر العلامة بن كبر من القرن الثالث عشر الميلادي أن “أهل الصعيد لم يكونوا يقولوا أولاً التاوضوكيات ولا الذكصولوجيات، ولا يُرَتِّلون في كل عيد وصلاة عشية وغداة إلا بمزامير على الوضع الأول المأمور به في القوانين”، ولكن يذكر الدكتور يوحنا أن الكثير من نصوصها موجودة في الدفنار الصعيدي الذي يعود زمنه إلى سنة 893م.
الطقس الفرايحي:
أما ذكصولوجية عيد النيروز فهي أحد مجموعات الذكصولوجيات الواطس و تتبع الطقس الفرايحي، وله لحن خاص به هذا اللحن يتكرر مع المناسبات الآتية (مع إختلاف الكلمات): من عيد النيروز 1 توت حتى اليوم 16 توت، والفترة من عيد الميلاد وحتى عيد الختان،في أيام الخماسين المقدسة، وفي كل الأعياد السيدية الكبرى والصغرى ما عدا أحد الشعانين وعيد البشارة (إذا وقع في أسبوع الآلام)، كذلك في كل يوم 29 من الشهر القبطي لتذكار البشارة والميلاد والقيامة (ما عدا فترة الصوم الكبير).
ذكصولوجية عيد النيروز لغوياً وشعرياً :
هذه الذكصولوجية عبارة عن ثمانية أرباع، ولغة اللحن هي مزيج مابين اللغة القبطية والكلمات اليونانية (التي يصل عددها إلى 17 كلمة)، وفي دراستنا اللغوية في الذكصولوجية سوف نَمُر على الأرباع بالترتيب فنجد أن انها مكتوبة بوزن إيقاعي شعري مُقَفَّى في نهاية “الإستيخونات” (استيخون كلمة يونانية تعني جملة وكل ربع يحتوي على أربعة منها)، وتكون القافية هنا بأسلوب معين وهي أن الاستيخونين (أوالجملتين أو العبارتين) الأولى والثالثة بقافية معينة، والعبارتين الثانية والرابعة بقافية أخرى، وهذا يُعطِي تنوع في الاستماع للتركيب اللغوي، والجميل أننا نجد أن وَضع النهايات بهذه الطريقة يتوافق مع نهايات الجمل اللحنية المصاحبة لها، فنجد أن العبارتين الموسيقيتين الأولى والثالثة متقاربتان في الميلودي (الخط اللحني) والعبارتين الثانية والرابعة لهما خطوط لحنية أخرى،فيصبح العمل متكامل ليصل إلى أذن المُتَلَقِّي سواء كان مسبحاًأو مستمعاً بالصورة المطلوب وصولها إليه.
وللبحث بقية بإذن المسيح
رابط اللحن بصوت المعلم جاد لويس: