يحثنا القديس يعقوب في رسالته قائلا: وأما أنتم يا إخوتي, فاصبروا منتظرين عودة الرب, خذوا العبرة من الفلاح, فهو ينتظر أن تعطيه الأرض غلالا ثمينة, صابرا علي الزرع حتي يشرب من مطر الخريف ومطر الربيع…واقتدوا, يا إخوتي في احتمال الآلام والصبر عليها, بالأنبياء الذين تكلموا باسم الرب…وقد سمعتم بصبر أيوب, ورأيتم كيف عامله الرب في النهاية, وهذا يبين أن الرب كثير الرحمة والشفقة(5:7-11).
يحكي عن أحد المعلمين الذي دخل فجأة الفصل ووجد الطلبة يتسامرون معا بلعبة الضاما, وعندما شاهدوه ارتبكوا وللتو توقفوا عن اللعب, لكنه هز رأسه بكل لطف سائلا إياهم أتعرفون قوانين لعبة الضاما؟ لكن أحدا لم يفتح فاه نتيجة الخجل, أما هو فأجاب قائلا:سأشرح لكم قوانين اللعبة, أولا غير مصرح لأي فرد أن يتخذ خطوتين, ثانيا مسموح بالتحرك للأمام فقط وعدم العودة للخلف, ثالثا:عندما يصل المرء إلي فوق, يستطيع أن يتحرك كيفما شاء.
هذا الدرس يساعدنا علي التحلي بفضيلة الصبر, لأننا نعيش عالما الغالبية العظمي فيه تركض بلا توقف دون أن تفعل شيئا, وفيه كثير من الشباب يرفض اتباع مراحل ومحطات العمل والحب والنجاح, كما أننا نعيش في عالم لا نتحمل فيه أي مشاكل أو أمراض أو مصائب تحل علينا.
وجميعنا يريد أن كل شيء يتم في اللحظة هنا وبأقصي سرعة ويدل هذا علي فقدان فضيلة الصبر.
وهناك أمثلة عديدة توضح ذلك: عندما تتغير إشارة المرور من الأحمر إلي الأخضر, نسمع آلات التنبيه في سيمفونية تخرج من جميع السيارات لينطلق الجميع دون أي صبر, أيضا كنا نسافر إلي بلاد بعيدة ونتصل بعد عدة أيام لنطمئن الأسرة والأحباب, لكن الآن نتواصل معهم بالتليفون المحمول لحظة بلحظة. وكم من الخلافات والصراعات تحدث لأتفه الأسباب ويضيق صدر الجميع لقبول ملاحظة الآخرين؟ لذلك نتعلم من كلام المعلم للطلبة أن نتحلي بالصبر, وأن نسير خطوة تلو الأخري حتي ننمو وننجح في الحياة اليومية, ثم نتقدم في الفضيلة متجهين نحو الأمام دون الرجوع للخلف, وأخيرا عندما نصل إلي النضج في الفضيلة سيصبح سلوكنا حسنا وعلمنا خيرا تلقائيا.
فإذا تأملنا فيما يحتمله الآخرون من الشدائد والمحن الجسيمة, يهن علينا حمل متاعبنا الخفيفة, وإن كنا لا نظن أنها خفيفة, لعل السبب في ذلك قلة صبرنا ولكن إذا تحملنا بصبر ومعنويات مرتفعة وثبات سيخف حملنا.
فالصبور حقا يحتمل كل ما يصيبه من مضايقات مهما عظمت وكثرت ويقبلها شاكرا الله تعالي ويعتبرها ربحا عظيما.
وكان المهاتما غاندي يردد:كلما اشتدت المحنة, ازداد إحساسي بالقرب من الله وزاد عمق إيماني برحمته ونعمته نحن نعلم أن الحياة ليست سهلة ولكننا نسعي كثيرا لنزيدها تعقيدا ونجعلها شاقة ومستحيلة, لكن يكفينا القليل من الصبر حتي نصبح أفضل ونتنفس الصعداء وتعود إلينا الابتسامة ونتحلي بالهدوء والرجاء, وكما ينصحنا الكاتب الإنجليزي Gilbert Chesterton:لنتخيل أنه بقليل من الصبر وقليل من الفهم وقليل من السعادة وقليل من التواضع, نستطيع أن نصبح في أفضل حال علي هذا الكوكب.
إنه يصنف لنا أربع فضائل تبدو لنا بسيطة ولكنها أساسية لحياة كريمة:الصبر والفهم والسعادة والتواضع, ونكتفي بالقليل من كل منها حتي نصير أفضل من ذي قبل, وكما أن القليل من الملح يعطي مذاقا للطعام, كذلك نقطة من الصبر كافية لإخماد نار كادت أن تشتعل بين الأشخاص, ونستطيع أن نحيا وليس أن نوجد فقط, والذين يؤمنون بالله حقا يشعرون بوجوده دائما في حياتهم اليومية بالرغم من الصعوبات التي يمرون بها, ويسمعون صوته من خلال الأحداث التي تمر بهم كل يوم , حتي ولو من خلال صوت خافت يتخلل الضوضاء التي تحيط بهم, لأنهم تعلموا في مدرسة الصبر.
مما لاشك فيه أننا نسمع في حياتنا هذه الشكوي من الكثيرينأنا لا أحب الانتظار في الطابور, أو انتظار دوري, أو انتظار القطار, ولا أحب الانتظار قبل دينونة الآخرين, ولا انتظار اللحظة المناسبة, ولا انتظار يوم آخر. فأنا لا أحب الانتظار مطلقا, لأنني ليس لدي وقت ولا أحيا اللحظة التي بين يدي, لكن فضيلة الصبر تظهر لنا نضوج الشخص في كل تصرفاته اليومية مع الآخرين وهي أخت الشهامة وسماحة الطبع وسمو المسلك ونبل الروح ورفيقة الحكمة, فالريح العاتية لا تزحزح الجبال الشامخة ونختم بالقول:ألمع المؤمنين هم الذين تخرجوا من مدرسة الآلام والصبر.