حسمت الجلسات التحضيرية للحوار الوطني, تشكيل اللجان النوعية وانتهت إلي ثلاثة محاور رئيسية هي المحور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي ليصل عدد اللجان النوعية المنبثقة عن المحاور الثلاثة إلي 19 لجنة, لتنطلق الاستعدادات بين مختلف أطياف المجتمع المشاركة في إعداد أوراق عملها التي ستقدمها خلال مناقشات الجلسات القادمة. وهو الأمر الذي ينقل الحوار الوطني إلي مرحلة جديدة تماما نأمل أن تاتي بما يتوافق عليه كل الأطياف بعيدا عن الإقصاء أو التهميش وبعيدا عن الخطط التي يصعب تنفيذها علي أرض الواقع, وبعيدا عن الشعارات الرنانة أيضا.
وما يدفعني للتفاؤل, وتوجس الخوف في آن واحد هو التزام الملفات الـ 19 بمحاور التنمية الشاملة ورؤية مصر 2030, التي ترتكز إلي مبادئ التنمية المستدامة, والأهداف الواردة في أجندة 2030 التي أطلقتها الأمم المتحدة وتلتزم بها كل الدول ومنها مصر, ويقع في مقدمتها القضاء علي الفقر, وهنا يكمن التفاؤل, لأن الحوار وأهداف الأجندة سوف يسهمان في سداد العوز وتوفير احتياجات المواطنين الذين يعانون تحت وطأة الغلاء أمر الأمرين خلال الأعوام الأخيرة, لكن ما يثير هواجسي, أن ذلك يأتي متزامنا مع أزمة اقتصادية طاحنة عالمية من جهة نتيجة الحرب الروسية الأوكرانية, وارتفاع سعر الوقود ونقص الغذاء, وأزمة محلية من جهة نتيجة استمرار إجراءات اقتصادية قاسية, تفرضها الظروف وما يصاحب ذلك من تفش مرعب للفقر, وتوحش للغلاء أنتجا حالة من الغم الممزوج بالإحباط, ونفوس ترجو العبور من نفق المجهول شديد الضيق إلي رحب الانفراجة.
وسط كل هذه التناقضات التي إحقاقا للحق تمثل جزءا من حالة عالمية عامة, كيف يمكن إجراء حوار وطني أساسه القضاء علي الفقر؟ وهل يمكن للبطون الجائعة أن تشارك في الحوار الوطني, للأسف الجوعي لا يشاركون وإنما المشبعين هم من سيتحدثون فالجوعي لايعرفون الحوار لكنهم يريدون إجراءات سريعة علي أرض الواقع تسدد حاجاتهم, ونحن علي مشارف عام دراسي جديد, والجميع يئن من تكاليف الدراسة, وللعلم الجوعي ليسوا فقط المعدمين الذين نقابلهم يوميا في الشوارع, ولكنهم أيضا المثقفين, ومحدودي الدخل, الذين يموتون كمدا قبل أن يتسولوا قوت ذويهم, أولئك يجب أن يشملهم الحوار, لأنهم يبتغون المشاركة والانخراط في أي قضية وأي عمل نقابي أو أهلي, أو حزبي, لكن الهم لفحهم وليس لديهم ما يفعلونه سوي الدوران في ساقية القوت اليومي إن وجد.
ما يجعلني أقدم أولئك المطحونين تحت سيف الغلاء العاجزين عن المشاركة الحقيقية بسبب معاناتهم اليومية, هو ما تم مؤخرا من إضافة قضيتين إلي المحور السياسي, وهما الأحزاب السياسية والنقابات والمجتمع الأهلي, وأعلن مجلس أمناء الحوار الوطني أن إضافة هاتين القضيتين جاءت لما لهما من أهمية في دعم التحول الديموقراطي الذي تسعي الدولة المصرية, ولأن هاتين القضيتين تحديدا لهما حساسية شديدة ولا يمكن معالجتها عبر رؤي تقليدية أو منحازة لطرف ما لذلك يجب تناولهما بعيدا عن القوالب المتجمدة فكريا, فالأحزاب السياسية قادرة علي استيعاب الطاقات المتدفقة والمجتمع الأهلي والنقابات هما بذرة أي عمل سياسي حقيقي, والأرض التي تمهد للكوادر المتميزة, والأدوات الحقيقية للتحول الديموقراطي فإن لم تتم إدارة هاتين القضيتين عبر عقول مجددة تفكر خارج الصندوق, قد تسقط تلك الملفات في بئر التقييد التي تشبه الحكم بالحجر علي الأحزاب والمجتمع الأهلي والنقابات, وهو ما يستحق التنبيه إليه قبل بداية طرح الأفكار في أوراق العمل المزمع تقديمها. إن الحوار المجتمعي الوطني شديد التشابك شديد التعقيد, لا يمكن الالتفات لجانب من المجتمع أو زاوية وإهمال جانب أو زاوية أخري أو حتي تأجيل النظر إليها لذلك وجب التنويه.