إن الوقت واحد من أعمق أسرار الكون, فما من أحد يقدر علي تعريفه تعريفا دقيقا, إنه هدية محددة جدا وهبها الله له المجد لنا, وبالنسبة للكثيرين لاتزال هذه الهدية في غلافها مجهولة متروكة غير معلومة القيمة, من العبث أن يمر علينا عام جديد دون إضافة روحية أو ثقافية أو مادية أو اجتماعية جديدة, أن من أكبر الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في حق نفسه هي إهداره للوقت.. الفرصة غير القابلة للتكرار.
إذا كنت ياصديقي واحدا ممن يدعون ضيق ما لديهم من الوقت في هذه الأيام عما كان الأمر عليه من خمس أو عشر سنوات, فأنت لست وحدك, أنت واحد من ملايين عديدة, لقد لاحظ الأطباء في أمريكا أثر الإدارة السيئة للوقت علي صحة مرضاهم لسنوات عديدة, فالضغط الذي يمكن ترجمته كالآتي: شعور بالقلق ينتاب الشخص عندما لا يجد الوقت الكافي لتحقيق متطلبات الحياة, هو المتسبب الأول في 75% من الأمراض التي تؤدي إلي الوفاة علي مستوي العالم, وأسأل أي طبيب قلب عن الأزمات القلبية فسيقول لك إن الضغط هو المتسبب الرئيسي في حدوثها, أحدث الدراسات أثبتت أننا ننفق 80% من وقتنا في تحقيق 20% من النتائج المرجوة التي نريد أن نحققها.
هناك بذور غرست في حياتنا ولم تتسن لها فرصة الإنبات والنمو لأننا لم نصرف وقتا في ريها, الوقت ثمين ولا يمكن تخزينه أو إدخاره. لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت (جامعة1:3), إن الله له المجد يريد أن يعلمنا أن نرصد ميزانية لوقتنا مثل أموالنا, بل علينا رصد ميزانية وقتنا بحرص واقتصاد مثلما يفعل المقتصدون مع أموالهم, أنت تملك في كل عام 525600 دقيقة, إذا أحسنت استغلال هذه الدقائق تضاعف من قدراتك, أنت مسئول عن حياتك وقيمة الحياة في أن تحياها, أي كان ما تريده من الحياة فأنت في حاجة إلي وقت لتحصل عليه وتستمتع به.. وتحياه.
خذ وقتك في العمل لأنه ثمن النجاح, يقولون إن العبقرية هي 1% إلهام و99% عرق وجهد وكفاح. خذ وقتك في الراحة فبقدر استمتاعك بأوقات الفراغ يكون نجاحك في العمل, الراحة ليست ألا تعمل شيئا, إنما الراحة في التجديد, يوم واحد تقضيه حافي القدمين علي البحر ينعشك ثلاثة شهور, وشهر تقضيه في المصيف يزيد من عمرك سنتين, لا تهمل حق نفسك في الراحة, قضاء ساعات من العمل أكثر مما هو معقول يعادل تماما الإفراط في الطعام يسبب سوء الهضم العقلي.
خذ وقتك في القراءة, إنها نبع الحكمة, القراءة لا تقل أهمية عن الخبز والحرية, إنك إذا قرأت بانتظام ربع ساعة كل يوم, يكون مجموع الكلمات التي تقرأها في العام الواحد مليون ونصف كلمة, حوالي عشرين كتابا, الإنسان الذي يقرأ دائما لا يهزم أبدا. يقول الشاعر عيسي إسكندر: شيشرون قال قولا حبذا قول النصوح أن بيتا بغير كتب.. جسد بغير روح.
سيظل الكتاب دوما الصديق الذي لا يضيق بك ولا يتخلي عنك مهما فعل الآخرون, عندما أنشئت المكتبة الأولي في مصر كتب علي بابها هنا غذاء النفوس وطب العقول. إن لم يتوفر لديك الوقت لتكون مدمنا للقراءة ممكن أن تكون مدمنا للشرائط.
خذ وقتك في الصلاة. إنها أعظم قوة علي الأرض, وأعظم بطارية لتوليد الطاقة, يقول الدكتور مجدي إسحق: إن الصلاة هي القناة التي توصل السعادة من الله إلي الآخرين عن طريقك.
خذ وقتك في تبادل الحب وإظهار المودة, تقول الأم تريزا: إننا لا يمكننا أن نفعل كل الأشياء العظيمة حولنا, ولكن يمكننا فعل الأشياء الصغيرة بحب عظيم. إذا أردت أن تجعل أحد الأصدقاء يحبك بسهولة فابحث عن شيء لطيف ممكن من خلاله أن تمدحه بصدق, يقول تيودور روزفلت: إن الطريق إلي قلب أي إنسان مرصوف بالحديث إليه عن الأشياء التي يحبها.
خذ وقتك في العطاء, لا تبدد الوقت في التفكير في مدي حبك لجارك بل تصرف كما لو كنت تحبه, الأخذ والعطاء وجهان لعملة واحدة, إنك إذا وهبت الكثير جاءك الكثير, من يجول يصنع خيرا يجول يحصد خيرا, عندما تجد ذاتك في تجربة أو ضيقة عليك أن تسرع في خدمة الفقراء, لكي يجد الله لك حلا وانفراجا لكل ضيقة. إذا أردت أن تري وجه الله قدم خيرا للآخرين.
يقول فيكتور هوجو: خذ وقتك في المرح والضحك, إن الضحك هو أنجح دواء للإنسان, وأحسن دواء في مواجهة اليأس وتحويله إلي أمل, لكي تتأمل قوة تأثير الضحك علي المشاهد جرب أن تنظر إلي مشاهد خارج من عرض كوميدي فستجد أنه يشعر بالسعادة. خذ وقتك في الرياضة, إن المشي لمدة ساعة يوميا يقي الجسم أمراض القلب والسكر وضغط الدم, أساس الصحة السليمة يتركز في أربع كلمات: كل أقل واتحرك أكثر.
إنك إذا أتقنت فن اختيار الوقت المناسب تحصد النجاح في كل أمور حياتك تقريبا, انقش علي قلبك أن هذا اليوم أجمل يوم في العام, استمتع بجمال اللحظة التي تعيشها, توقع أن يكون اليوم يوما طيبا ثم افعل كل ما يلزم لتحقق هذا التوقع.