مثل حبات القمح التى تطحن ليسهل مزجها فى قربانة واحدة هكذا يذكر تاريخ الكنيسة عن امتزاج الرهبان فى حياة الشركة و انسجامهم باتفاق واحد مما جعل بعض الأجانب الذين زاروا اديرة الانبا باخوميوس فى صعيد مصر يسهبون فى مدح النظام الدقيق الذى ساد هذه الأديرة و قارنوه بالفوضى التى سادت الامبراطورية فى تلك الفترة. لم يكن أنبا باخوميوس أسقفاً و لا حتى كاهناً و لم يكن له سلطة مدنية و لم يدرس فنون الإدارة و لكن باتضاعه الذى عاشه و غرسه فى أبنائه الرهبان إستطاع أن يجمع شمل آلاف الرهبان و كأنهم جسد واحد كما يقول الكتاب “أن تسلكوا بكل تواضع و وداعة.. جسد واحد و روح واحد” (أف٤:٤).
رغم أن هناك مقومات كثيرة مطلوبة لحفظ الوحدانية لكن ما من شك أن الاتضاع هو أحد الأعمدة الأساسية. مرة سأل الرهبان أنبا باخوميوس عن أجمل رؤيا يمكن أن يراها إنسان، فأجاب: إن احلى منظر هو منظر الإنسان المتواضع لأنه بالحقيقة يرى فيه المسيح نفسه. قيل عن الأنبا عنه هو شخصياً أنه كان يشارك الرهبان أعمالهم اليدوية و يخرج معهم لمزاولة الزرع و الحصاد و يحمل مؤونته بنفسه كأصغر الرهبان و لما أراد أحد الرهبان الشبان أن يحمل عنه مؤونته رفض و قال له: هذا لا يكون أبداً، إن كان كتب عن الرب أنه يليق به أن يتشبه بإخوته فى كل شىء فكيف أميز نفسى أنا الحقير عن إخوتى حتى لا أحمل حملى مثلهم؟!
الكبرياء ينخر كالسوس فى كيان الأسرة و فى وحدة الخدمة و يسلب الحياة صفاءها و نقاءها و بهجتها فياليتنا نتعلم من ذاك الذى قال “تعلموا منى لأنى وديع و متواضع القلب “(مت٢٩:١١) فنجد راحة لنفوسنا و نستعيد بهجة الحياة المسيحية الأصيلة التى نقلها لنا سفر الأعمال “كانوا يتناولون الطعام بابتهاج و بساطة قلب ” (أع٤٦:٢).
