اندلعت في بداية هذا الشهر مواجهة جديدة بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وبين إسرائيل… نفس السيناريو المألوف الذي يتضمن إطلاق قذائف أو صواريخ من القطاع نحو المستوطنات الإسرائيلية في جنوب إسرائيل ينفجر بعضها ويتم اعتراض البعض الآخر ويكون رد فعل الجيش الإسرائيلي هو شن هجوم انتقامي شرس علي أراضي غزة يخلف وراءه كما هائلا من الدمار والجرحي والقتلي وبصورة لا تتناسب مع القذائف الفلسطينية بل تتجاوزها بمراحل لتؤكد أن أي مسلك عدائي فلسطيني سيؤدي إلي عقاب إسرائيلي مؤلم جدا جدا… ولحسن الحظ وكما هو مألوف أيضا سارعت الأجهزة السياسية والمخابراتية المصرية بالتدخل لدي الطرفين لوأد الصراع والحيلولة دون تفاقمه أو خروجه عن نطاق السيطرة ونجحت تلك الأجهزة في بلوغ التهدئة المنشودة وإيقاف إطلاق النار, وكان أن عبرت السلطات علي الجانبين عن شكرها للجانب المصري علي تدخله وإدراكه التهدئة.
ويحار المرء أمام ذلك المشهد المتكرر الذي يصرخ بأن استمرار إهمال حل القضية الفلسطينية واستمراء الاستهانة بحقوق الفلسطينيين من جانب إسرائيل والتنكر لحتمية التوصل إلي الاتفاق علي حل الدولتين طبقا للاتفاقيات الدولية سوف يؤدي لا محالة إلي تسلل الحنق واليأس والإحباط إلي نفوس الفلسطينيين مما يفرز بين الحين والآخر تداعيات عنف لا تخدم القضية ولا الحل ولا إحلال السلام محل الصراع.
وليس أدل علي ذلك من تصريح الرئيس الفرنسي ماكرون إبان زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن العاصمة الفرنسية باريس أواخر يوليو الماضي الذي دعا فيه إلي استئناف الحوار السياسي المباشر بين الإسرائيليين والفلسطينيين محذرا من أن أعمال عنف جديدة قد تندلع في أية لحظة… وهي ذات التصريحات التي سبق لماكرون أن أدلي بها أوائل يوليو أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي يائير لابيد حيث طالب أيضا إسرائيل بإنهاء التدابير الأحادية التي تتخذها في إشارة إلي طرد العائلات الفلسطينية وهدم منازلها لحساب المضي في سياسة الاستيطان الإسرائيلي التي كما وصفها تبعد احتمال قيام دولة فلسطينية تعيش في سلام إلي جانب إسرائيل.
في هذا الخصوص -وكما تعودت في قضايا كثيرة- أحرص علي تتبع الخطاب السياسي الذي يصدر عن شخصيات محسوبة علي العالم الغربي حيث السواد الأعظم مؤيد لإسرائيل, لأرصد الآراء الشجاعة التي تسبح ضد التيار والتي يصلح أن نطلق عليها وشهد شاهد من أهلها… وجاءت ضالتي المنشودة في كلمة أدلي بها أحد نشطاء حقوق الإنسان ويدعي ميكو بيليد حيث قال:
** أنا متأكد أنكم تسمعون كثيرا أن من ينتقد دولة إسرائيل أو ينتقد الصهيونية يعتبرونه معاديا للسامية… فإذا انتقدت إسرائيل فأنت معاد للسامية وتعد شخصا عنصريا.. إن هذا الادعاء غريب للغاية لعدة أسباب: أولها لأن معظم اليهود لا يعيشون في إسرائيل ولطالما عارض الكثير من اليهود إسرائيل, بل إن الكثير من اليهود ضد الصهيونية, فهل هؤلاء اليهود معادون للسامية؟… وثانيها إذا كانت معارضة إسرائيل تعتبر عنصرية ومعاداة للسامية, فماذا عمن يدعمون إسرائيل.. هل هناك مسمي خاص بهم؟
** إننا عندما ندعم إسرائيل ندعم دولة لديها قوانين عنصرية ضد غير اليهود.. عندما ندعم إسرائيل, ندعم دولة تنتهج بشكل منظم وبمنهج سياسي قتل المدنيين الفلسطينيين, منهج بعيد كل البعد عن أن يكون عن طريق الخطأ أو نتيجة أضرار غير مقصودة.. فهل معارضة كل ذلك تعد معاداة للسامية؟.. هل دعم تلك السياسات يعتبر أمرا جيدا أو ينطوي علي منطق مشروع؟.. كيف يساعد هذا الموقف اليهود؟
** إن المحاذير السائدة ضد انتقاد إسرائيل أو سياساتها تشكل تهديدا صارخا لحرية التعبير; لأن الكافة لا تريد أن تقع تحت وطأة الاتهام بمعاداة السامية.. وذلك يعد أمرا سخيفا تلزم مقاومته لأن انتقاد إسرائيل هو الموقف الصحيح الذي يجب اتخاذه وانتقاد عنصرية إسرائيل هو الشيء الصحيح الذي يجب اتباعه, وذلك المبدأ يسري علي أي نظام عنصري يهوديا كان أم إسلاميا أم مسيحيا أم أي نظام آخر.
*** من الواضح أن هذه لغة لم نعتد سماعها من عالمنا الغربي.. لكن ها هي تأتي ونرصدها وندعو أن يصل صداها إلي المحافل الدولية وصانعي القرار أملا في أن يتغلب العدل ويسود السلام منطقتنا.