يرتبط الأقباط بالقديسة العذراء مريم بعلاقة متفردة, فهي الحاضرة في كثير من طقوس صلواتنا وصاحبة التذكار الشهري (21 من كل شهر قبطي) ضمن أجندة الصلوات السنوية, ويعتقد الكثيرون في قوة شفاعتها بل إن إخوتنا المسلمين يوقرونها ويطلقون اسمها علي نسبة كبيرة من مواليد البنات.
ولعل ظهورات العذراء مريم خير دليل علي ارتباطها بأبناء الكنيسة القبطية الأرثوذكسية عبر السنين. ولا عجب فهي القديسة التي اختارها الله لكي تكون الأم للمسيح كلمة الله علي الأرض. ولما أراد الملك الطاغية هيرودس أن يقتل الصبي (الطفل يسوع) ظنا منه أنه جاء ليملك عوضا عنه جاء الأمر الإلهي علي لسان الملاك ليوسف النجار أن يأخذ الصبي وأمه ويذهب إلي مصر.
واليوم تنتعش الكنائس القبطية بنبضات روحية بمناسبة صوم العذراء الذي بدأ 7 أغسطس وينتهي في 22 أغسطس تذكارا لإصعاد جسدها إلي السماء, والذي صار يوما مسكنا للمولود الإلهي وعاش بيننا يجول يصنع خيرا حتي الصليب والقيامة من الأموات.
وثقة الأقباط في قوة شفاعة أم النور كبيرة, وهي الأم الحنون وشفاعتها كثيرة جدا بامتداد السنين, وفي مقادس روحية كثيرة بطول مصر وعرضها.
تاريخيا كل الأماكن التي مرت بها العائلة المقدسة منذ نحو ألفي عام شيدت بها كنائس, وبامتداد قرون صارت قبلة الملايين ممن يلجأون لله بالصلوات ويتشفعون في شفاعة العذراء لكي تتوسل من أجل شد أزر المؤمنين في الأزمات وما أكثرها.
من المقادس الروحية التي اشتهرت عبر الزمن ككنائس علي اسم العذراء مريم, وهي كثيرة منها: عذراء المطرية وعذراء مسطرد أو المحمة حيث قامت العذراء بـحمو المسيح الطفل, وعذراء كنيسة أبي سرجة بمصر القديمة وتسمي أيضا كنيسة المغارة, حيث مكثت العائلة المقدسة أياما في رحلة الهروب من وجه هيرودس محوطة بالملائكة.. وأيضا عذراء المعادي علي كورنيش النيل.
وهناك أيضا عذراء دقادوس قادمة بداية من الفرما ومنها إلي تل بسطا وبلبيس وسمنود والبرلس وعين شمس ثم باتجاه الصعيد عن طريق مركب بالنيل مارة بمواقع عديدة كجبل الطير وغيره حتي قسقام الدير المحرق. وفي طريق العودة مرت علي جبل درنكة.
الإنجيل المقدس ذكر فقط آية عن ذهاب العائلة المقدسة إلي مصر وآية أخري للعودة إلي أرض فلسطين, لكن الآثار الباقية حتي اليوم بالأماكن التي حط بها ركب العائلة المقدسة لا تزال تنطق بالروحانية وبالتواصل بين الأرضيين والسمائيين وسط استجابة القديسة العذراء مريم ضمن تقاليد يحكيها الأهلون ويتوارثها الناس جيلا بعد جيل في علاقة روحية عجيبة.