نقرأ في المزامير:لاتخف إذا أصبح إنسان ثريا وإذا مازاد بيته جاها, لأنه لا يأخذ شيئا عند موته ولا ينزل مجده معه(مزمور48:17-18).
يحكي عن رجل من عائلة ثرية جدا, اصطحب ابنه في إحدي الأيام إلي الريف, بغرض أن يجعله يشاهد ويلمس بنفسه كيف يعيشون الفقراء حياتهم اليومية.
لقد قضي الأب وابنه يومين في منزل أسرة فقيرة.
وعند عودتهم للقصر الذي يمتلكونه, سأل الأب ابنه قائلا:كيف تبدو لك هذه الرحلة؟-أجاب الابن:لقد كانت في غاية الروعة والجمال يا أبي!.
-أرايت كيف يعيش الفقراء؟-نعم…شاهدت ذلك ولمسته بنفسي-إذا, أخبرني ماذا تعلمت من هذه المغامرة؟ أجاب الابن:رأيت أننا نملك حمام سباحة يشغل نصف مساحة الحديقة, لكنهم يملكون نهرا لا حد له.
عندنا مصابيح مستوردة لتضيء لنا الحديقة, بينما يملكون كل النجوم التي تلمع في السماء.
عندنا شرفة تصل إلي حافة الحديقة, ولكن لديهم الأفق كله.
نحن نملك قطعة أرض عليها قصرنا بينما هم يعيشون وسط حقول لا نهاية لها.
نحن نملك كلبا واحدا, بينما هم يملكون كلابا كثيرة. نحن نشتري كل طعامنا, وهم يزرعون كل ما يحتاجون إليه.
يوجد أشخاص يعملون لخدمتنا, ولكنهم يخدمون الآخرين.
عندنا جدران عالية حول قصرنا لتحمينا, ولكن لديهم جيران وأصدقاء في أتم الاستعداد لحمايتهم.
لقد أجبرت هذه الإجابة الأب علي الصمت, حتي أنه لم يستطع الرد بأي كلمة ثم أضاف الابن قائلا:أشكرك يا أبي لأنك جعلتني أدرك كم نحن فقراء!!.
لنتعلم من هذه القصة أن نشكر الله دائما أبدا علي جميع عطاياه, ونكف عن الشكوي والتذمر عما نفقده.
مما لاشك فيه أن أساس البغض والحقد والحروب ينبع من حب التملك والأنانية, وينتج عنهما العنف والسرقة والإساءة في معاملة الآخرين, لأن الإنسان لا يشبع أبدا طالبا المزيد والمزيد من الأشياء, ما الفائدة التي نجنيها من حب المال والغني دون التفكير في مساعد المحتاجين؟ وما هي السعادة التي نحصل عليها إذا خالفنا ضميرنا في سبيل الحصول عليهما؟فالإنسان الذي يريد الحصول علي المال ليستر حياته دون أن يصير عبدا له, يحتاج إلي إرادة صلبة وقناعة داخلية.
إذا لا تكفينا الصلوات طوال اليوم, أو الاكتفاء بعاطفة المحبة نحو القريب, إن لم نقم بمبادرة فعلية في سد حاجته.
لذلك من يتطلع لسماع صوت الله والشعور بوجوده, يجب عليه أن يقوم بأعمال خيرية, مثل زيارة المستشفيات, والعطف علي الفقير الواقف علي بابه أو الذي يصطدم به في طريقه.
فمن البديهي أن نتجنب عمل الشر, ولكن واجب علينا أن نقوم بأعمال الخير دائما, لأننا عندما نمتنع عن فعل الخير كأننا قمنا بعمل الشر, بسبب إهمالنا في إنقاذ أشخاص بحاجة إلي من يسعفهم, كما يجب ألا نعتبر القيام بعمل الخير سخاء منا, بل هو واجب مقدس, ودين في أعناقنا.
فالفقير الذي لا نطعمه نكون سببا في جوعه وشقائه, والمريض المحتاج للعلاج ولا نقوم بذلك نحوه, نعمل علي قتله.
هل نتخيل الله يوافق أو يرضي بهذه التصرفات غير الإنسانية؟ كم من الملايين الشبعي الذين يأكلون حتي التخمة, حتي أنهم يمرضون من كثرة الطعام, في حين أن هناك مئات الملايين الذين يموتون جوعا؟! وكم من المسرفين في المآدب والمحافل والسهرات الذين يلقون من فضلات الطعام أكثر مما يأكلون, في حين أن هناك أخوة لهم بؤساء لايجدون ثمن الدواء الذي يحفف من آلامهم وأوجاعهم؟ مما لاشك فيه أن الشخص يسعي أولا في الحصول علي ما يضمن له المعيشة, ثم يبحث عما هو مفيد, وهذا شيء ضروري ورائع, ولكن من الممكن أن حب التملك يدفع الإنسان إلي البحث عن الراحة والسكينة, ثم يبدأ في الشعور بالتلذذ بالأشياء التي يمتلكها بكل أنانية, ومن ثم يقع في التبذير وإفساد الخيرات.
فالإنسان الذي يفعل هذا لا يفكر مطلقا في احتياج من لايملك قوته اليومي, ويصل في النهاية إلي مرحلة الجنون بتبديد ما يملكه دون معايير لأن العلاقة مع الخيرات الأرضية والغني, بحاجة إلي اتزان نفسي وعاطفي وجسدي, وهذا يتطلب جهدا شاقا, فالإنسان الذي تمسه الرحمة وتعزف علي أوتاره الحساسة, لاتقف أمامه أي عوائق ليعبر عن سخائه نحو المحتاج والفقير والمريض.
ونختم بالقول المأثور:ليس الفقير من يملك قليلا, بل الفقير هو من يحتاج كثيرا.