في تقرير قدمه مركز جسور للدراسات الاستراتيجية، تساءلت إليان بطرس الباحثة بوحدة العلاقات الدولية بالمركز والمتخصصة في الشؤون اللاتينية حول إعادة نيكاراجوا لمشهد أزمة الصواريخ الكوبية.
وألمحت الباحثة، إلى أن المؤشرات ترمي إلى احتمالية إعادة تجربة الاتحاد السوفيتي في كوبا مع نيكاراجوا خاصة بعد تواجد قطع بحرية وجوية غاية في الأهمية داخل تلك الدولة وهو ما يضمن تواجد عسكري دائم لروسيا هناك بكافة الطرق لوقوع هذه الدولة في منطقة بالغة الأهمية جغرافيا واستراتيجيا كما هو الحال في فنزويلا وكوبا.
وهي ليست ميزة عسكرية فقط لموسكو بل هي داعمًا اقتصاديًا بعد تراجع مبيعات السلاح الروسي في أمريكا اللاتينية بعد الأزمات الاقتصادية المتعددة إلى جانب استنزافها اقتصاديًا وعسكريا في الحرب الأوكرانية.
وقالت: “دائما ما تعبر الولايات المتحدة عن مخاوفها تجاه تحركات روسيا على مقربة منها واستخدامها لبعض الدول كميناء لها لترهيب الولايات المتحدة، وبالرغم من أن الصين هي التهديد الأكبر للولايات المتحدة إلا أن عام 2021، بلغت التجارة الثنائية الروسية مع أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي 10.8 مليار دولار، مقارنة بـ 350.9 مليار دولار في تجارة جمهورية الصين الشعبية مع المنطقة و796.6 مليار دولار في تجارة الولايات المتحدة مع المنطقة، إلا أن التواجد الروسي يزيد من التوتر والمخاوف. حيث أعلنت روسيا نيتها في إرسال شحنة تتكون من 20 دبابة بقيمة 80 مليون دولار أمريكي الى جانب 12 نظام دفاع مضاد للطائرات وعدد من الطائرات الهليكوبتر، نيكاراجوا هي الدولة الوحيدة في أمريكا الوسطى التي تشتري جزء ضخم من ترسانتها من روسيا.”
هذا وتقع جمهورية نيكاراجوا بين المحيط الهادي والبحر الكاريبي، وأحد دول أمريكا الوسطى الذي تقع في موقع متميز وعلى مقربة من الولايات المتحدة الأمريكية، وخلال الفترة الماضية ظهر فيها عدد من المشاكل الداخلية فمنذ 2018 بدأت الأزمات الداخلية فيها في الاشتعال بين الحكومة والكنيسة الكاثوليكية بالرغم من أن الأغلبية السكانية في جمهورية نيكاراجوا هم من المسيحيين الكاثوليك إلا أن هناك الكثير من التوترات والمشاحنات بين الحكومة والكنيسة الكاثوليكية لأسباب تبدو سياسية ازدادت حدتها في الأيام الماضية، وأصبحت تُتهم الحكومة باعتقال قساوسة وصحفيين وسياسيين معارضين بشكل مستمر، وهو ما دفع الولايات المتحدة للتنديد بالأوضاع الخاصة بحقوق الإنسان والمعتقدات الدينية خاصة وأن الرئيس الأمريكي كاثوليكي الطائفة، ولكن! هناك أسباب أخرى تدفع الولايات المتحدة لتصعيد مخاوفها تجاه الأوضاع هناك ليس لها علاقة بالتوترات الداخلية بين الحكومة والكنيسة فحسب، بل تأتي أهميتها بالنسبة للصراع الأمريكي الروسي في أنها أحد الدول القريبة من الولايات المتحدة وما يدور داخلها من تحركات روسية الفترة الماضية يشكل خطورة على الساحة الدولية، وهو ما سوف يتطرق له هذا التقرير للتحدث بشكل أعمق حول الصراع الأمريكي الروسي داخل نيكاراجوا.
وأشارت إليان، إلى أن العلاقات بين الولايات المتحدة ونيكاراجوا توترت بسبب فرض الأولى عقوبات على الرئيس أورتيجا وحظر دخوله إلى الولايات المتحدة هو وعدد كبير من مسؤوليه، ويرجع هذا القرار إلى الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن وهو ما دفع الحكومة النيكاراجوية بالانسحاب من منظمة الدول الأمريكية في نوفمبر 2021 بعد أن فرضت الولايات المتحدة عقوبات نهاية عام 2021 على تلك الدولة اللاتينية.
ولفتت إلى أن مثل هذه القرارات تستغرق نحو عامين لدخولها حيز النفاذ حتى تتحضر الدولة المنسحبة لإجراءات وتبعيات الانسحاب، لأن الحزب الأكبر داخل البرلمان هو حزب الرئيس أورتيجا وبالتالي سيكون هناك صوت واضح يؤيده داخل البرلمان في هذا القرار وفى في مختلف القرارات التي تعمل على عرقلة نفوذ الولايات المتحدة أمام روسيا الحليف والصديق.
على الجانب الآخر تشير نيكاراجوا إلى أن التوترات مع واشنطن ازدادت في 2018 بسبب دعمهم لحركات المعارضة ومحاولات الانقلاب على الحكومة المنتخبة الحالية وبالتالي ترفض الدولة أي من التدخلات في هذا الشأن على اعتبارها مسائل داخلية، وما زاد الأمر سوء هو تصريح السفير الأمريكي الجديد هوجو رودريجيز الذي له وجهت نيكاراجوا الاتهام له بعدم الاحترام والتدخل في شئونها وقامت نيكاراجوا بمنعه من دخول البلاد خلال الأسابيع القليلة الماضية من شهر أغسطس 2022.
وقالت إليان بطرس في تقريرها إن روسيا تستخدم نيكاراجوا كورقة ضغط على الولايات المتحدة، ومثلها مثل كوبا وفنزويلا هم حلفاء أساسيين بالنسبة لروسيا وبالتالي في حال اتخذت الولايات المتحدة خطوات أكثر خطورة نحو روسيا، ستستعين روسيا بحلفائها لمواجهة هذه الأزمة وهو ما دفع روسيا لتعزيز العلاقات والمساعدات وخاصة العسكرية منها في نيكاراجوا، وغير مستبعد أن تضع روسيا مزيد من الصواريخ والمعدات في نيكاراجوا لتكون على مقربة من الولايات المتحدة في حالة اشتد الصراع بينهم، وفى هذه الحالة ستكون تلك الدولة اللاتينية أرض جديدة للصراع الأمريكي الروسي في المنطقة اللاتينية، وستدفع الولايات المتحدة بمزيد من العقوبات والحصار عليها في حال دعمتها روسيا بمزيد من الأسلحة والصواريخ كما حدث من قبل في كوبا حينما حاولت الولايات المتحدة إسقاط بالنظام الكوبي وحاول الاتحاد السوفييتي بناء قواعد عسكرية سرية للصواريخ النووية متوسطة المدى والتي لديها إمكانية للوصول إلى الولايات المتحدة نظرا لقربها جغرافيا عام 1962 وهو ما ترتب عليه حصار كوبا حتى الآن، وهو ما يعاد تكراره الآن في نيكاراجوا بإرسال روسيا معدات عسكرية ومحاولات أمريكية لإسقاط النظام الحالي في الدولة.
وأوضحت أن نيكاراجوا أحد الشركاء الروسيين الرئيسين والاستراتيجيين وهو ما دفع روسيا لإرسال قوات عسكرية في نيكاراجوا بعد موافقة البرلمان على قرار الرئيس دانييل أورتيجا، وهو ما يخدم بالفعل الهدف الروسي من التواجد والترابط بشكل أكبر في النصف الغربي، إلى جانب أن التوتر بين نيكاراجوا والولايات المتحدة الذي دفعها نحو البحث عن شراكات وتعاون عسكري ودفاعي مع مختلف الدول لتعزيز قدراتها الدفاعية إلى جانب التنسيق القانوني وهو ما تقوم به روسيا في نيكاراجوا منذ وقت من تدريب عسكريين وما شابه ذلك.
وبالرغم من أن البرلمان يصوت على بقاء القوات العسكرية الأمريكية والروسية معًا للقيام بتدريبات مشتركة تحت بند تقديم المساعدة الإنسانية ومكافحة تهريب المخدرات إلى جانب قوات كل من فنزويلا وهندوراس وجواتيمالا وكوبا والدومينيكان والمكسيك والسلفادور، إلا أن التخوف الأكبر بالنسبة للولايات المتحدة هو بقاء روسيا وقواتها تخوفًا من إنشاء قاعدة عسكرية تهدد الوجود الأمريكي نظرًا لقرب نيكاراجوا من الولايات المتحدة من حيث المسافة الجغرافية، ومع وجود إذن للولايات المتحدة بالتواجد هناك إلا أنه من المستبعد أن ترسل الولايات المتحدة جنودها ولكن روسيا وحلفاءها فنزويلا وكوبا وغيرهم من المسموح لهم بالتواجد سيجدون أنها فرصة لابد من استغلالها خاصة روسيا لتجد موطئ قدم لها في أمريكا الوسطى لتكون على مقربة من الولايات المتحدة أيضًا، وبالرغم من نفي روسيا ما تردد حول أهداف تواجدها في نيكاراجوا معللة أن التواجد مقتصر على إجراءات روتينية إلا أن هذا التواجد يثير حفيظة الولايات المتحدة.
وتشير الباحثة في مركز جسور إلى أن هناك توقعات بوجود إمكانية لنشر صواريخ روسيا هناك وأن الخطة السياسية الحالية تدعم هذا المؤشر خاصة في ظل التصاعد في التوترات بين الطرف الروسي والأمريكي والحرب الأوكرانية، حيث قامت موسكو متمثلة في مجلس الدوما بإرسال أعضاء المجلس إلى نيكاراجوا بعمل زيارات لبحث سبل التعاون خاصة وأن الجانبين لديهم موقف من الولايات المتحدة نظرًا لدعم الولايات المتحدة الجماعات المعارضة في الدولة وبالتالي تفاجأت الولايات المتحدة من الخطوات التي تقوم بها روسيا ونيكاراجوا، ويحتوي المرسوم التي تم عرضة على مجلس النواب في نيكاراجوا نص يسمح بالتواجد العسكري الروسي من سفن وطائرات وهو ما يشير إلى وجود تدريبات عسكرية جوية وبحرية.